رغم الضربات القوية التي تعرض لها تنظيم "داعش" خلال الفترة الماضية، إلا أنه ما زال حريصاً على محاولة تعزيز نشاطه من جديد داخل العراق، حيث بدأ في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة في محافظة صلاح الدين، بالتوازي مع تصاعد الجدل حول عودة زعيمه الجديد أبو إبراهيم القرشي إلى الأراضي العراقية مرة أخرى، إذ أشارت تقارير عديدة، في 21 إبريل الفائت، إلى أن القرشي سعى إلى استغلال انشغال السلطات العراقية في جهود احتواء فيروس "كورونا" من أجل الانتقال إلى داخل العراق مرة أخرى، وهو ما نفاه مصدر أمني عراقي، في 30 من الشهر ذاته، حيث أكد أن القرشي ما زال موجوداً داخل الأراضي السورية. وبصرف النظر عن مدى وجود خليفة البغدادي في العراق من عدمه، فإن ثمة مؤشرات عديدة تكشف أن التنظيم يبدي اهتماماً خاصاً بتوسيع نطاق وجوده في العراق من جديد.
تحركات جديدة:
اتخذت القوى الدولية المعنية بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم "داعش"، إجراءات عديدة في الشهور الأخيرة، خاصة على صعيد إعادة نشر قواتها أو سحب قسم منها لاعتبارات أمنية واستراتيجية مختلفة، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ما زالت تبدي اهتماماً خاصاً بتعقب قادة وكوادر التنظيم، على نحو بدا جلياً في إعلان الحساب الرسمي لبرنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، في 21 إبريل الفائت أى في اليوم نفسه الذي أشارت فيه تقارير إلى احتمال انتقال القرشي إلى داخل العراق، عن جائزة قدرها 5 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، باعتبار أنه ارتكب عدداً كبيراً من الجرائم في الفترة الماضية.
كما بدأت بريطانيا، بعد ذلك بخمسة أيام، في استئناف مشاركتها في العمليات العسكرية التي تستهدف مواقع وعناصر التنظيم، حيث أعلنت، في 26 من الشهر نفسه، عن مقتل عدد من مقاتلي "داعش" في كركوك، بعد استهداف بعض المباني المحصنة في منطقة معزولة بطوز خورماتو التي تعرف بأنها البؤرة المركزية لوجود التنظيم. وقد كانت هذه الضربة هى الأولى منذ الضربات التي كانت تشنها بريطانيا في سبتمبر من العام الماضي.
اعتبارات عديدة:
يمكن تفسير اهتمام التنظيم بتوسيع نطاق نشاطه مجدداً على الساحة العراقية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- العودة إلى المشهد: يحاول "داعش" استغلال انهماك العراق، على غرار الدول الأخرى، باتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء فيروس "كورونا" ومنع انتشاره في أنحاء واسعة من البلاد، من أجل تعزيز وجوده مرة أخرى، وهو ما أثار قلق الأجهزة الأمنية والمؤسسات العراقية المختلفة، على نحو انعكس في دعوة نائب رئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، في 28 إبريل الفائت، إلى تفعيل عمل مراكز التنسيق الأمني المشترك بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، من أجل الحد من نشاط تنظيم "داعش"، مشيراً إلى أن "داعش يستغل الظروف ويهدد أمن المحافظات"، وذلك خلال اجتماع أمني موسع شارك فيه رئيس لجنة الأمن والدفاع ونائب قائد العمليات المشتركة وقادة عمليات محافظات كركوك وديالي وصلاح الدين وعدد من كبار القادة والضباط في المحافظات الثلاث.
2- الانتشار التنظيمي: كان لافتاً أن اهتمام التنظيم بتعزيز وجوده في العراق توازى مع حرصه على رفع مستوى عملياته في سوريا، في سياق مقاربة جديدة تعتمد على الانتشار التنظيمي أكثر من السيطرة المكانية، وبهدف توجيه رسالة محددة مفادها أن الهزائم التي منى بها التنظيم فضلاً عن الضربات القوية التي تعرض لها لم تؤد إلى القضاء عليه. وفي هذا الإطار، بدأ "داعش" في تكثيف هجماته ضد قوات النظام السوري في بادية السخنة بريف حمص، في 9 إبريل الفائت، كما استغل صحراء البادية في شن هجمات أخرى ضد الأخيرة، دون أن يتخذ مواقع واضحة فيها.
3- الوكر الآمن: يبدو أن العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية، في 27 أكتوبر 2019، وأدت إلى مقتل الزعيم السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي، في محافظة إدلب السورية، قد دفعت القيادة الجديدة للتنظيم إلى البحث عن وكر آمن جديد، بعد أن أدركت أن وضع حدود لوجود ونشاط التنظيم داخل سوريا كفيل بتعزيز احتمالات تعرضه لمزيد من الضربات القوية التي يمكن أن تؤثر على استمراره وتؤدي إلى تراجع نشاطه بشكل كبير.
4- تجاوز أزمة الانقسام الخارجي: لا يمكن فصل محاولات التنظيم تعزيز نشاطه على الساحة العراقية مرة أخرى عن تصاعد حدة الانقسام بينه وبين بعض التنظيمات الفرعية التي سبق أن أعلنت انضمامها له. إذ أن انتقال القيادة إلى القرشي لم يحظ بتأييد وإجماع داخل التنظيم والمجموعات الخارجية التابعة له، حيث عزف بعضها عن مبايعته، على غرار "ولاية خراسان" في أفغانستان و"ولاية غرب إفريقيا" (بوكوحرام سابقاً) في نيجيريا، و"ولاية الصحراء الكبرى" في منطقة الساحل والصحراء. ومن هنا، فإن قيادة التنظيم سعت عبر تعزيز نشاطه مرة أخرى في العراق إلى توجيه رسالة مفادها أن لديها القدرة على الانتقال مرة أخرى إلى المعاقل السابقة التي فقدتها بعد الهزائم العسكرية التي تعرضت لها، وأن لديها من الخبرة ما يمكن أن يساعدها على إدارة تلك العمليات.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن مرحلة جديدة من المواجهات بين تنظيم "داعش" والقوى المحلية والدولية المناوئة له سوف تبدأ على الساحة العراقية، في ظل سعى الأول إلى العودة مجدداً لتعزيز نشاطه ورفع مستوى عملياته الإرهابية، وحرص الأخيرة على الحيلولة دون ذلك لمنع تكرار ما حدث في عام 2014 مرة أخرى.