ما كان الرئيس الأميركي ترامب راضياً عن النظام العالمي وترتيباته منذ ما قبل فوزه بالرئاسة الأميركية. وما كان يقترح بديلاً أو بدائل له، بل كان يريد الخروج منه. ووجهة نظره أنّ الولايات المتحدة تتصدّق على العالم وتخدمه منذ عقود وعقود على حساب الشعب الأميركي. لذلك اتخذ قاعدةً تجاه الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك والبرازيل ودول الخليج العربي مفادُها ثلاثة أمور: الأول؛ أنه ينبغي أن يكون هناك توازُنٌ في الاستيراد والتصدير بين بلاده والدول الأُخرى. ولأنّ معظم دول العالم تستورد من الولايات المتحدة أكثر مما تُصدّر إليها؛ فقد انصبَّ سُخْطُهُ على الصين التي عندها فائض تجاري في تبادلها الهائل مع الولايات المتحدة. وهكذا انصرف ترامب إلى فرض رسوم جمركية على صادراتها إلى الولايات المتحدة إلى أن تعهدت، بمقتضى اتفاق سبقته مفاوضات مضنية، باستيراد ما قيمته مئتا مليار دولار إضافية!
أما الأمر الثاني فهو أنّ الولايات المتحدة تؤدي خدمات لكثير من دول العالم، من خلال وجودها العسكري في هذه الدول. وهو يريد من دول أوروبا والخليج أن تدفع مقابل الخدمات. ثم عاد وأثار ضجة لأن فرنسا فرضت ضرائب على مبيعات الشركات الأميركية في فرنسا، وتبين أنّ الأميركيين يفعلون الشيء نفسه مع الشركات الفرنسية في الولايات المتحدة.
والأمر الثالث والأهمّ هو التنكر للتعاون العالمي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية. ومَثَل ذلك ليس الحدود مع المكسيك وحسْب، ولا التنكر للسلطة الفلسطينية وحل الدولتين وإقرار احتلال وضم أراضٍ من جانب الإسرائيليين فقط؛ بل أيضاً الخروج من اتفاقية باريس للمناخ والتي أجمعت عليها دول العالم، وصارت اتفاقيةً دولية.
ولدى الولايات المتحدة مشكلات مع وكالات الأُمم المتحدة، مثل «الفاو» و«اليونيسكو» ولجنة حقوق الإنسان.. وكلها تتعلق بدفع المساهمات الأميركية السنوية لهذه الوكالات، بحجة الخلاف معها حول هذه المسألة أو تلك.
وجديد مشكلات السياسة الأميركية هو هجوم الرئيس ترامب على منظمة الصحة العالمية، بحجة أنها في مكافحتها لوباء كورونا فضّلت الصين على الولايات المتحدة! ولا نعرف التفاصيل لكي يحكم الخبراء إن كان هذا صحيحاً، رغم نفي الأمين العام للأُمم المتحدة لذلك، ودعوته ترامب لعدم تفكيك التضامُن من حول المؤسسات التي تكافح الوباء!
هناك تضامُنٌ عالمي كبير ومتبادل لمكافحة الوباء. وقد نشرت المبادرتان السعوديتان: ضد كورونا، وتصحيح أسعار البترول، جواً من الثقة والرجاء في مسارٍ آخر للعالم في وجه الأوبئة والاختلالات الغذائية والمعيشية والاقتصادية. نعم، هناك حاجة اليوم، وسط هذا التضامن التلقائي، لقيادة عالمية تتصدرها الأُمم المتحدة ومؤسساتها. لكنْ لابد من قيادة سياسية واستراتيجية يأبى الأميركيون تقلّدها بحجة أنها مُكْلفة، وليس هناك في العالم من يريد دفع الثمن! أما روسيا فمشكلاتها مثل مشكلات الدول الوسطى، وحتى الملف النفطي لا تستطيع التسيُّد فيه. والاتحاد الأوروبي غارق في تفاصيل أزمته أو تفككه، وما يزال يجمع المال لردع بلطجة تركيا حتى لا تطلق عليه عبر اليونان عشرات آلاف اللاجئين! أما الصين فمملوءةٌ بالأسرار ولا يمكن معرفة توجهاتها باستثناء تفوقها الاقتصادي.
لنقُلْها إذن بلغة أُخرى: ما عاد أحدٌ مُريداً ولا قادراً على تحمل أعباء إدارة العالم. لذا لابد من إدارة جماعية، يتشارك من خلالها الجميع الأعباء. فمتى تتحول هذه القناعة إلى واقع؟!
*نقلا عن صحيفة الاتحاد