يبدو أن مخيم الهول في شرق سوريا، والذي يعد من أكبر المخيمات في العالم وأخطرها حيث يعيش فيه نحو 74 ألف حسب تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم يعد مجرد معسكر لإيواء واحتجاز العناصر "الداعشية"، خاصة من النساء والأطفال، بل أصبح يمثل بؤرة للعنف والتحريض، في ظل سيطرة الفكر "الداعشي" عليه بشكل ملحوظ، وهو ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة التي وقعت داخل المخيم، في 30 سبتمبر 2019، عندما حاولت مجموعة من النساء "الداعشيات" اللواتي يعملن داخل المخيم بشكل سري كـ"حسبة نسائية"، جلد امرأة، بحجة عدم التزامها بالزى الذي يفرضه التنظيم على السيدات، وهو ما دفع القوة الأمنية الكردية التي تتولى مسئولية حماية المخيم، والتي تعرف باللغة الكردية بـ"الآسايش"، إلى التدخل من أجل منعهن من الإقدام على ذلك، على نحو أدى إلى اندلاع اشتباكات بالأسلحة بين الطرفين، أسفر عن مقتل "داعشية" وإصابة 7 أخريات، وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب تصاعد عنف "الداعشيات" داخل المخيم، سواء ضد النزيلات الأخريات، أو ضد قوات أمن المخيم.
تهديد متزايد:
تتزايد مؤشرات سيطرة الفكر "الداعشي" على مخيم الهول، عبر النساء "الداعشيات"، اللاتي يمارسن دورًا بارزًا في الحفاظ على توجهات التنظيم، بل ومحاولة تطبيقها كقوانين على جمع النزيلات بالمخيم، وهو ما يمكن أن يحوله إلى بؤرة "داعشية" حقيقية، خاصة داخل الأقسام التي تضم من يطلق عليهن "المهاجرات"، ويقصد بهن "الداعشيات" الأجنبيات اللاتي ينتمين لأكثر من 50 جنسية عربية وأجنبية.
وقد بلغت سطوة "الداعشيات" داخل مخيم الهول، حسب بعض التقارير، لدرجة قيامهن بعقد محاكمات سرية للنساء اللائي ينتقدن التنظيم أو يهاجمن زعيمه أبوبكر البغدادي، أو يعترضن على الفكر "الداعشي". يضاف إلى ذلك قيام "الداعشيات"، خاصة ممن يحملن الجنسية العراقية، بإنشاء مجموعات منهن، يطلق عليهم "الحسبة" (الشرطة الدينية) تتمثل مهمتها في فرض النقاب بالقوة على النساء والفتيات، ومن يخالف ذلك يتعرض للضرب والإيذاء، وحرق الخيام والطعن بالسكين في بعض الأحيان. ومما زاد من خطورة الوضع أن بعض هؤلاء "الداعشيات" أصبح لديهن أسلحة نارية، وهو ما كشفت عنها الاشتباكات الأخيرة مع قوة "الآسايش".
ومن جهة أخرى، فإن استمرار النشاط "الداعشي" في مخيم الهول، جعله بمثابة نقطة للتنسيق بين عناصر التنظيم من داخل وخارج المخيم، وهو ما كشفت عنه تقارير عديدة، في 14 إبريل 2019، أشارت إلى أن عددًا من عناصر وقيادات "داعش" جعلوا من المخيم مقرًا لتنسيق تحركاتهم، خاصة وأن العديد من عناصره مندسين بين النازحين.
عوامل متعددة:
يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل التي ربما تساعد في تحويل مخيم الهول إلى بؤرة "داعشية" حقيقية، سواء من الناحية الفكرية أو التنظيمية، في ظل تزايد سيطرة "الداعشيات" عليه، رغم أنه من المفترض أن يكون بمثابة معسكرًا للعزل الفكري. وتتمثل أبرز تلك العوامل في:
1- القادمات من الباغوز: رغم أن مخيم الهول يضم الآلاف من النساء "الداعشيات"، من عشرات الجنسيات المختلفة، إلا أن أخطرهن على الإطلاق هن القادمات من مدينة الباغوز، التي كانت تعد آخر معاقل تنظيم "داعش"، قبل سقوطها في مارس 2017، على يد ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية، نظرًا لأن هؤلاء "الداعشيات" حرصن على التمسك بالتنظيم حتى بعد هزيمته عسكريًا، وحتى بعد ما شهدته المدينة من معارك دامية، وهو ما يشير إلى ما تتبناه هذه المجموعة من أفكار متطرفة. وقد بدا ذلك جليًا في قيام تلك المجموعة بالتعدي على شقيقتين، في 29 سبتمبر الفائت، بسبب رفضهما الانضمام للدورات الشرعية التي تفرضها على بقية القاطنات في المخيم.
2- المشاركة في العمليات: خاض عدد من النساء "الداعشيات"، قبل اعتقالهن، عمليات عسكرية حقيقية وشاركن في هجمات إرهابية نفذها التنظيم، الذي كان حريصًا على تنظيم دورات عسكرية للنساء للاستعانة بهن وقت الحاجة، بما يعني أن لديهن القدرة على ممارسة العنف بشكل حقيقي حتى في ظل الإجراءات المتبعة داخل المخيم من قبل القوة التي تتولى الإشراف عليه، وهو ما يمكن أن يفسر وقوع عمليات عنف داخل المخيم بين الحين والآخر على يد بعض "الداعشيات"، مثل عملية الطعن التي شهدها المخيم، في 12 سبتمبر الفائت، حيث أقدمت "داعشيتان" على طعن لاجئ عراقي، وذلك بعد مقتل لاجئ آخر قبل ذلك بأسبوع. كما قتلت "داعشية" إندونيسية، في 29 يوليو الماضي، بعد تعرضها للضرب والتعذيب.
3- تغلغل الفكر "الداعشى": رغم الخطوات التي اتخذتها القوة المعنية بأمن مخيم الهول من أجل إعادة تأهيل "الداعشيات" اللاتي انضممن لـ"داعش" قبل ذلك، إلا أن هذه الخطوات لم تكن كافية في ظل عددهن الكبير داخل المخيم، على نحو مكّن العناصر المتشددة منهن، واللاتي ما زالت مصرة على تبني توجهات التنظيم، من العودة للترويج لها من جديد ومحاولة استقطاب بعض العناصر الأخرى التي بدأت في الابتعاد نسبيًا عن تلك التوجهات. وقد بدا ذلك جليًا خلال بعض اللقاءات التليفزيونية التي أجريت مع بعضهن، حيث كان لافتًا إصرارهن على تأكيد تمسكهن بأفكار التنظيم والإشارة إلى أنه سوف يعود من جديد حتى بعد الهزائم العسكرية التي تعرض لها.
إن ما سبق في مجمله يشير إلى أهمية التركيز على تبني برامج غير تقليدية وفعّالة لإعادة تأهيل "الداعشيات" من جديد ومساعدتهن على الاندماج مرة أخرى في مجتمعاتهن. ورغم أن ذلك ما زال يواجه مشكلات عديدة، يرتبط أهمها برفض بعض الدول عودتهن وفرض قيود مشددة على من عاد منهن، إلا أن هذه البرامج تكتسب زخمًا خاصًا، لا سيما أن عدم النجاح في التعامل مع هذا الملف يمكن أن يعزز مساعي "داعش" للعودة من جديد إلى الساحة بعد مرحلة التراجع التي يمر بها في الفترة الحالية.