تعرضت تونس لهجمات إرهابية في 27 يونيو 2019، استهدفت مواقع أمنية في البلاد، الأمر الذي أثار مخاوف من احتمال تأثر القطاع السياحي مجددًا بالتهديدات الأمنية. وقد شهدت السياحة في تونس انتعاشًا كبيرًا في عام 2018، حيث حققت أعداد السياح الوافدين للبلاد، ولا سيما الأوروبيين، نموًا كبيرًا، جاء بعد معاودة وكالات السفر الأوروبية لحجوزاتها للسوق التونسية على خلفية رفع الدول الأوروبية تحذيراتها للسفر إلى تونس. لكن لا يزال من المبكر تقييم تأثير الهجمات الأخيرة على تونس، إلا أنها، على أية حال، قد تُقوِّض من الجهود التي تبذلها الدولة وتسعى من خلالها إلى استعادة القطاع عافيته بشكل كامل على غرار مستويات عام 2010، وهو ما يقتضي من السلطات التونسية اتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء تبعات هذه الهجمات.
انتعاش السياحة:
استعادت السياحة التونسية عافيتها تدريجيًا بعد أن شهدت ركودًا في الأعوام الماضية بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وقد حققت تحسنًا ملموسًا في العام الماضي، حيث جذبت البلاد نحو 8.3 مليون سائح مقارنة بـ7 مليون في عام 2017، أى بنمو بنسبة 18.5%. وبالتوازي مع ذلك أيضًا، قفزت عائدات السياحة إلى حوالي 1.4 مليار دولار، أى بارتفاع بنسبة 42.1% بالمقارنة مع أداء عام 2017.
واللافت للانتباه في هذا السياق، ارتفاع أعداد السياح القادمين من منطقة شمال إفريقيا إلى 4.3 مليون سائح، أى بزيادة بنسبة 11%، في حين أن أعداد السياح الأوروبيين الوافدين إلى تونس حققت نموًا كبيرًا بنسبة 42% لتصل إلى 2.4 مليون سائح. وجاء ذلك بدعم من وكالات السفر الأوروبية التي عاودت حجوزاتها للسوق التونسية بعد ثلاث أعوام من تجميدها بشكل شبه كامل.
وفي الأعوام الماضية، أدت الهجمات الإرهابية إلى قيام عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، بإصدار تحذيرات السفر إلى تونس، الأمر الذي دفع وكالات السفر إلى إلغاء الحجوزات إلى تونس خشية التهديدات الإرهابية التي طالت بعض المواقع السياحية في البلاد.
ولإنعاش القطاع السياحي، بدأت السلطات التونسية خلال الفترة الماضية في اتخاذ إجراءات منها دعم الربط الجوي، بالإضافة إلى تنظيم برامج ترويجية لبعض الأسواق الجديدة مثل الصين، مع حضور المعارض السياحية في المدن والعواصم الأوروبية على غرار لندن وبرلين للترويج لتونس كوجهة آمنة.
وفي العام الجاري، تتطلع تونس إلى استقبال نحو 9 مليون سائح طبقًا لتوقعات وزير السياحة روني الطرابلسي، الأمر الذي يحتاج، بحسب الوزير، من تونس إلى جهود إضافية مثل تنويع المنتجات السياحية على غرار السياحة الرياضية، بجانب دعم الاستثمارات في المنشآت السياحية لا سيما الفنادق، ومواصلة تنظيم حملات ترويجية بالأسواق السياحية خاصة أوروبا والولايات المتحدة.
متغيرات أمنية:
تعرضت العاصمة التونسية لتفجيرين في 27 يونيو الماضي تبناهما تنظيم "داعش"، استهدف أحدهما دورية شرطة في شارع شارل ديجول، فيما استهدف الآخر مركزًا للشرطة في منطقة القرجاني بالعاصمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصاعد حدة المخاوف الأمنية التي أثرت على الأنشطة الاقتصادية بتونس بعد اندلاع الثورة ومن بينها النشاط السياحي.
وسبق أن تعرض القطاع السياحي لهجمات شديدة في الأعوام الماضية، أولها في مارس 2015 عندما هاجم مسلحان متحف باردو، الأمر الذى أدى إلى مقتل 22 شخصًا أغلبهم من السياح الأجانب، وثانيها في يونيو من العام نفسه عندما هاجم مسلح أحد المنتجعات السياحية في محافظة سوسة الساحلية، ليسفر الهجوم عن مقتل 39 سائحًا من بينهم 30 شخصًا من بريطانيا، التي أصدرت بسبب ذلك تحذيرًا للسفر إلى تونس امتد حتى يوليو 2017.
وإزاء هذه الهجمات، حاول وزير السياحة التونسي روني الطرابلسي توجيه إشارات طمأنة للمجتمع الدولي، ونفى أن يكون للهجمات تأثير على قطاع السياحة في البلاد، مشيرًا إلى أن المواقع السياحية ستظل مفتوحة. وبالتبعية، أكدت وزارة السياحة التونسية استقرار الأوضاع وعدم إلغاء حجوزات إلى تونس أو مغادرة أى وفد سياحي بسبب الهجمات الأخيرة.
وربما يكون من الصحيح أن تأثير الهجمات الأخيرة محدود مقارنة بنظيرتها في عام 2015، حيث أن الأولى لازالت بعيدة عن المواقع السياحية، كما أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ساهمت في تعزيز الاستقرار الأمني بشكل كبير مقارنة عما كانت عليه الأوضاع في أعقاب اندلاع الثورة، وهو ما لن يدفع الدول الأوروبية، على أية حال، إلى اتخاذ إجراءات مماثلة على غرار الأعوام الماضية بإصدار تحذيرات السفر.
وإزاء الهجمات الأخيرة، تحركت وزارة السياحة التونسية على مستويين أساسيين: أولهما، إنشاء غرفة عمليات برئاسة وزير السياحة للتواصل مع وكالات السفر العالمية في مسعى لتأكيد أمان البلاد. وثانيهما، تكثيف الإجراءات الأمنية حول المواقع السياحية، وهو ما أشار إليه السفير الفرنسي في تونس أوليفيي بوافر، الذي قال أن السلطات الأمنية التونسية تُؤمِّن المناطق السياحية في البلاد بشكل تام عقب الهجمات الأخيرة.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذ الهجمات تعطي، على أية حال، إشارات سلبية للموسم السياحي في تونس، حيث قد تتصاعد المخاوف الأمنية من احتمال تعرض المواقع السياحية لهجمات جديدة على غرار الأعوام الماضية، بما قد يدفع بعض الشركات إلى إلغاء حجوزاتها للسوق التونسية في المستقبل القريب، وبما يحد من تحقيق هدفها بزيادة أعداد السياح في العام الجاري.
وختامًا، يمكن القول إن أوضاع السياحة في تونس تتعافى تدريجيًا، بيد أن تكرار الهجمات الإرهابية في البلاد قد يُقوِّض من بلوغها مستويات حركة السياحة قبل عام 2010.