بدأت حركة "شباب المجاهدين" الصومالية في تصعيد هجماتها الإرهابية الخارجية مجددًا، خاصة داخل دول الجوار، وعلى رأسها كينيا، وذلك بعدما تراجعت تلك الهجمات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في ظل تركيزها على استهداف قوات الشرطة والجيش في الصومال، وهو ما يشير إليه الهجوم الأخير الذي شنته عناصر تابعة لها داخل العاصمة نيروبي، في 15 يناير 2018، واستهدف مجمع "دوسيت- دي 2" الذى يضم فندقًا ومكاتب، وهو ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 15 شخصًا وإصابة عدد مماثل، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول دوافع الحركة لاستهداف كينيا مجددًا، لا سيما في ذلك التوقيت الذي رجحت فيه اتجاهات عديدة أن تركز الأولى على مواصلة شن هجمات داخلية ضد المؤسستين الأمنية والعسكرية الصوماليتين بهدف تدعيم نفوذها ومحاصرة نشاط التنظيمات المنافسة لها.
اعتبارات مختلفة:
لا يمكن فصل هذه الهجمات الإرهابية عن محاولات تنظيم "القاعدة" فرض سيطرته وتعزيز نفوذه داخل الصومال، من خلال حركة "شباب المجاهدين" الإرهابية، التي وسعت من نطاق عملياتها لتشمل إلى جانب استهداف القوات الحكومية التوسع فى تهريب الفحم بهدف تدعيم مواردها المالية وتعزيز قدرتها على مهاجمة دول الجوار. وفي هذا السياق، يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة دفعت الحركة إلى التركيز على استهداف كينيا في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها في:
1- الضغط على نيروبي: تعد كينيا من أكثر الدول الإفريقية المعنية بالتطورات السياسية والأمنية التي طرأت على الساحة الصومالية في الفترة الماضية، وهو ما بدا جليًا في مشاركتها بقوات عسكرية ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال "أميصوم". وقد دفع ذلك الحركة إلى توجيه تحذيرات متعددة إلى نيروبي من تداعيات السياسة التي تتبناها في التعامل مع التطورات الداخلية الصومالية، مطالبة إياها بضرورة سحب قواتها منها.
بل إن الحركة سبق أن هددت، في إبريل 2015، كينيا بأنها سوف تواجه "حربًا شرسة" من قبلها في حالة ما إذا لم تتخذ قرار سحب قواتها من الصومال، إلا أن الحكومة الكينية أصرت على المشاركة في البعثة لمواجهة العمليات الإرهابية التي تنفذها الحركة واحتواء قدرة الأخيرة على استهداف مصالحها وتهديد أمنها القومي، كما اتجهت إلى إجراء مباحثات مع بعض دول الجوار حول آليات التعامل مع التطورات الصومالية، وهو ما انعكس في اللقاء الذي جمع بين الرئيس الكيني أوهورو كينياتا ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد فى مايو 2018، والذي اتفقا فيه على التعاون في الحرب ضد حركة "الشباب".
ومن هنا، اعتبرت اتجاهات عديدة أن الحركة حاولت من خلال الهجوم الأخير توجيه رسالة إلى كينيا والدول الأخرى المعنية بالأزمة الصومالية، بضرورة التراجع عن مواصلة مشاركتها في بعثة الاتحاد الإفريقي أو دعم الجهود التي تبذلها أطراف عديدة لدعم الاستقرار السياسي والأمني في الصومال. وفي رؤية الحركة، فإن أى انسحاب محتمل لتلك القوات سوف يعزز موقعها، باعتبار أنه يمكن أن يوفر لها فرصة لملء الفراغ الناتج عن ذلك.
2- أزمة الحدود: حرصت كينيا منذ أن بدأت في رفع مستوى انخراطها العسكري في الصومال على تأسيس جدار عازل، إلا أنها واجهت عقبات عديدة في هذا الإطار، يأتي في مقدمتها هشاشة المنطقة الحدودية بين الدولتين، بسبب طبيعتها الجغرافية، التي تفرض صعوبات عديدة أمام السلطات الكينية التي تحاول السيطرة عليها بشكل كامل، لا سيما أن السلطات الصومالية لا تفرض رقابة موازية، على نحو تحاول الحركة استغلاله بصفة مستمرة من أجل اختراق الحدود وتنفيذ عمليات إرهابية داخل كينيا. بل إن الحركة سارعت إلى تعزيز تجارتها غير المشروعة عبر تلك الحدود من أجل الحصول على موارد مالية أكبر لمواصلة أنشتطها الإرهابية.
3- الدعم الداخلي: تشير العملية الأخيرة إلى أن الحركة نجحت، على الأرجح، في تكوين خلايا إرهابية عديدة تابعة لها داخل كينيا، على نحو مكن قادتها وكوادرها من الإعداد لها، في ظل الدعم الذي حصلوا عليه من جانب تلك الخلايا، لا سيما فيما يتعلق بتوفير معلومات عن الأماكن المستهدفة. وربما يؤشر ذلك إلى أن الحركة قد تحاول تكرار تلك النوعية من العمليات الإرهابية خلال المرحلة القادمة.
وقد دفع ذلك قائد الشرطة الصومالية إلى تأكيد أن "الهجوم تم تنفيذه بشكل منسق". ومن هنا، سوف تتجه دول الجوار، على الأرجح، خلال المرحلة القادمة إلى تبني إجراءات أمنية مشددة للاستعداد مسبقًا لأية هجمات محتملة قد تشنها الحركة، التي قد تحاول تكرار هذه العمليات من جديد.
4- تعزيز النفوذ الخارجى: تعد الحركة إحدى أهم الجماعات الإرهابية الموالية لتنظيم "القاعدة" في شرق إفريقيا، وهو ما يجعلها حريصة على ترسيخ نفوذ الأخير، الذي يسعى بدوره إلى تكوين مناطق نفوذ جديدة له داخل القارة الإفريقية، وذلك عبر التوسع في شن الهجمات الإرهابية داخل وخارج الصومال، والتي يمكن أن تعزز قدرته ليس فقط على استقطاب عناصر إرهابية جديدة للانضمام إليه، وإنما أيضًا على منافسة تنظيم "داعش".
وفي النهاية، يمكن القول إن الهجوم الأخير الذي شنته حركة "شباب المجاهدين" داخل كينيا يشير إلى أنها تسعى خلال المرحلة القادمة إلى تصعيد نشاطها خارج الصومال، على نحو يعني أن منطقة القرن الإفريقي تبدو مقبلة على استحقاقات سياسية وأمنية لا تبدو هينة.