أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ملء الفراغ:

كيف استغلت حكومة روحاني العقوبات لتعزيز موقعها؟

05 نوفمبر، 2018


مع اقتراب العد التنازلي لتطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في 5 نوفمبر الحالي، تحاول حكومة الرئيس حسن روحاني اتخاذ إجراءات مسبقة لتعزيز قدرتها على مواجهتها، حيث سعت إلى استغلال اقتراب موعد العقوبات لتمرير مرشحيها لتولي الحقائب الوزارية الأربعة التي أطيح بالوزراء المسئولين عنها في الشهور الماضية نتيجة حجب الثقة عنهم من جانب مجلس الشورى.

لكن هذه الخطوة لا تؤشر إلى بداية مرحلة تهدئة بين الحكومة، ومن خلفها تيار المعتدلين، وبين خصومها من تيار المحافظين الأصوليين وبعض كبار رجال الدين إلى جانب المؤسسات النافذة مثل الحرس الثوري، حيث تبدو هذه الفترة مؤقتة بانتظار تبلور نتائج العقوبات الجديدة في الفترة القادمة.

مبررات عديدة:

سارع الرئيس حسن روحاني إلى إصدار مرسوم، في 28 أكتوبر 2018، بتعيين الوزراء الأربعة في مناصبهم بعد حصولهم على ثقة مجلس الشورى. وبالطبع، فإن توقيت القرار كان له مغزاه. إذ حرصت الحكومة على استغلال اقتراب موعد العقوبات للترويج إلى ضرورة مل الفراغ الناتج عن الإطاحة بأربعة وزراء من جانب مجلس الشورى الذي وجه انتقادات لاذعة لهم، بسبب فشلهم في التعامل مع الأزمات المعيشية المختلفة، على نحو ساهم، في رؤية أقطاب تيار المحافظين الأصوليين الذين قادوا عملية حجب الثقة عنهم، في ارتفاع مستويات البطالة والتضخم وانخفاض العملة الوطنية أمام الدولار.

واستندت الحكومة في هذا السياق إلى مبررات عديدة من أجل تعزيز موقفها أمام خصومها وإضفاء أهمية خاصة على تعيين الوزراء الجدد في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها في:

1- استعدادات مسبقة: تدعي الحكومة أن حسم ملف الحقائب الوزارية الشاغرة سوف يعزز من قدرتها على مواجهة التداعيات القوية للحزمة الثانية من العقوبات التي تركز على الصادرات النفطية في الأساس، خاصة أن هذه المقاعد تخص المجالات المرتبطة بالعقوبات مباشرة، على غرار الاقتصاد والصناعة والعمل.

وكان لافتًا في هذا السياق، أن جهود الحكومة في هذا الملف توازت مع حملة دشنتها لتوجيه رسائل طمأنة إلى الداخل بأنها سوف تتبنى حزمة من الآليات غير التقليدية التي يمكن من خلالها احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بفتح المجال أمام القطاع الخاص لتصدير النفط والتعامل بنظام المقايضة مع القوى الدولية المعنية باستمرار العلاقات الاقتصادية، مع مواصلة عمليات تهريب النفط بالتعاون مع شبكات محلية وخارجية.

2- رسائل مضادة: حاولت الحكومة تأكيد أن تمرير الوزراء الأربعة سوف يوجه رسائل إلى الخارج بأن الضغوط القوية التي تتعرض لها إيران ساهمت في تقليص حدة الخلافات الداخلية بين القوى والمؤسسات السياسية والأمنية النافذة، وهو ما يمكن أن يقلص من أهمية رهان بعض القوى الدولية على توسيع نطاق الانقسامات الداخلية التي يمكن أن تفرض مزيدًا من الضغوط على النظام الإيراني وتدفعه إلى إجراء تغيير في سياسته باتجاه القبول بالانخراط في مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق أوسع من الاتفاق النووي الحالي.

3- تعليمات خامنئي: حاولت الاتجاهات القريبة من الرئيس روحاني الترويج إلى أن استمرار سحب الثقة من الوزراء أو على الأقل عدم الموافقة على ترشيحات الرئيس لشغل الحقائب الوزارية الشاغرة لا يتوافق مع التعليمات التي وجهها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي منح الضوء الأخضر، في 2 سبتمبر 2018، للتراجع عن سحب الثقة من وزير التعليم محمد بطحائي، حيث اعتبر أن الصراع السياسي بين البرلمان والحكومة في هذا التوقيت سوف يخصم من قدرة الدولة على مواجهة العقوبات الأمريكية.

تصعيد مؤجل:

اللافت في هذا السياق، أن هذه المبررات ساهمت في حصول ثلاثة من الوزراء على دعم من جانب بعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين، حيث منح مجلس الشورى ثقته لوزير الصناعة محمد رضا رحماني بتأييد 203 نائب، ولوزير الاقتصاد فرهاد دج بسند بتأييد 200 نائب، ووزير العمل والرفاه الاجتماعي محمد شريعتمداري بتأييد 196 نائبًا، فيما حصل وزير الطرق وبناء المدن محمد اسلامي على تأييد 151 نائبًا فقط.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لا تعني أن المرحلة القادمة سوف تشهد تهدئة سياسية بين مجلس الشورى والحكومة، أو بين تيارى المحافظين الأصوليين والمعتدلين. إذ أن توقيت التصويت على الوزراء الأربعة كان هو المتغير الذي حسم الموقف لصالح الحكومة، باعتبار أن انعقاد جلسة التصويت قبل موعد تفعيل العقوبات الجديدة بحوالي أسبوع لم يوفر خيارات متعددة للبرلمان أو تيار المحافظين الأصوليين الذي فضل نوابه عدم عرقلة الموافقة على تعيين الوزراء الأربعة في هذه المرحلة الحرجة، خاصة أنهم ضمن المجموعة الاقتصادية المعنية باتخاذ الإجراءات الخاصة بالتعامل مع العقوبات.

وربما يمكن القول إن المرحلة الأولى التي سوف تتلو تطبيق الحزمة الجديدة من العقوبات سوف تكون اختبارًا لتوازن القوى بين المحافظين والمعتدلين، خاصة في ظل حرص كل الأطراف المعنية بالعقوبات على تقييم تداعياتها على الاقتصاد الإيراني خلال المرحلة القادمة.

ولذا، لا يبدو أن تصاعد حدة الصراع مجددًا بين الطرفين سوف يكون احتمالاً مستبعدًا خلال المرحلة التالية على تطبيق العقوبات. إذ ما زال تيار المحافظين الأصوليين يتحين الفرصة لممارسة مزيد من الضغوط على تيار المعتدلين مستغلاً في هذا السياق التبعات الاقتصادية التي سوف تنتجها العقوبات على الداخل. بل إن هذا التيار سوف يحاول، على الأرجح، فرض ضغوط على الحكومة في ملف آخر، وهو العمليات الأخيرة التي استهدفت عناصر من الحرس الثوري وقوات الأمن، حيث سيناقش البرلمان في الفترة القادمة طلب استجواب وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي.

حملة على الإصلاحيين:

وقد بدأت مؤشرات هذا التصعيد مبكرًا، على نحو انعكس في الجدل الواسع الذي أثارته الرسالة التي وجهها عضو مجلس صيانة الدستور محمد يزدي إلى رجل الدين البارز موسى شبيري زنجاني، وانتقد فيها الأخير بسبب لقاءه مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي وبعض أقطاب تيار الإصلاحيين مثل عبد الله نوري وموسوى خوئينيها وحسين كرباسجي، وهو التيار الذي يطلق عليه حاليًا في إيران مصطلح "تيار الفتنة" لاتهامه بتنظيم وتصعيد الاحتجاجات التي شهدتها إيران في عام 2009 اعتراضًا على تجديد انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد رئيسًا للجمهورية لفترة ثانية.

هذه الانتقادات تشير إلى أن النظام ما زال مصرًا على تبني سياسة متشددة تجاه الإصلاحيين بشكل عام، رغم أن كثيرًا من قواهم السياسية أعلنت ولائها للنظام وانضمت إلى تيار المعتدلين، وأن المؤسسات النافذة فيه قد تستغل المرحلة القادمة، التي سوف تتعرض فيها إيران لضغوط خارجية وداخلية قوية، من أجل فرض قيود شديدة على التيار الأخير، ربما استعدادًا لإخراجه من السلطة تدريجيًا مع أول استحقاق سياسي، وهو انتخابات مجلس الشورى التي سوف تجرى في عام 2020.

ومن دون شك، فإن توجيه انتقادات قوية لأحد كبار رجال الدين، مثل شبيري زنجاني، يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن النظام لم يعد يهتم بأية خطوط حمراء في تصعيده ضد ما يعتبرهم خصومًا في الداخل، حتى لو مس ذلك بالمكانة المرموقة التي تحظى بها المرجعية الدينية، وهو ما ركز عليه أقطاب تيار المعتدلين الذين ردوا بقوة على انتقادات يزدي باعتبارها تجاوزًا لا يمكن قبوله من جانب المحافظين.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن التهدئة السياسية التي قد تشهدها إيران في الفترة الحالية ربما تكون مؤقتة، بانتظار تبلور معالم التداعيات التي سوف تفرضها الحزمة الجديدة من العقوبات على الاقتصاد الإيراني في المرحلة القادمة.