رغم الضربات القوية التي وجهتها بعض القوى الدولية والإقليمية إلى التنظيمات الإرهابية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء خلال الفترة الماضية، إلا أن ذلك لا ينفي أن الجهود التي تبذلها تلك القوى من أجل تكريس حالة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة تواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة، خاصة أن تلك التنظيمات ما زالت لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، كان لافتًا أنها بدأت تركز على استهداف القوات الدولية والإقليمية، على غرار الهجوم الأخير الذي نفذته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية لتنظيم "القاعدة" على دورية تابعة لقوة "بارخان" الفرنسية في مدينة غاو بشمال مالي في أول يوليو 2018، وأدى إلى مقتل 4 مدنيين وإصابة 31 آخرين منهم 8 جنود فرنسيين، والذي تلى الهجوم الذي تعرض له مقر قيادة قوة مجموعة الساحل والصحراء في مدينة سيفاري بوسط مالي.
وقد جاء الهجوم الأول قبيل الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موريتانيا، حيث شارك في القمة الإفريقية التي عقدت في اليوم التالي واجتمع مع قادة دول الساحل الإفريقي لبحث سبل مواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة ومناقشة الآليات التي يمكن تبنيها للتعامل مع ظاهرة تزايد استهداف قوات مكافحة الإرهاب، على نحو يشير إلى أن مرحلة جديدة من المواجهة بين الطرفين سوف تبدأ في المنطقة، في ظل إصرار القوى الدولية على تقليص حدة التهديدات التي تفرضها هذه التنظيمات.
استهداف مستمر:
يأتي استهداف الجنود الفرنسيين في وقت تسعى فيه فرنسا، إلى جانب بعض القوى الدولية والإقليمية المعنية، إلى تفعيل دور قوة الساحل في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تحاول توسيع نطاق نفوذها في المنطقة، وهو ما يبدو أنه دفع بعض تلك التنظيمات إلى تنفيذ عمليات إرهابية جديدة من أجل توجيه رسالة بأن الضربات العسكرية التي تعرضت لها لم تحل دون قيامها بممارسة أنشطتها الإرهابية. وقد كان لافتًا أن أحد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة في أكتوبر 2017، أشار إلى أن الهجمات الإرهابية التي تستهدف قوات حفظ السلام في مالي، إلى جانب القوات المالية والفرنسية، قد ازدادت خلال الأشهر الأخيرة، حيث شنت التنظيمات الإرهابية، في تلك الفترة، نحو 75 هجومًا، منها 44 ضد القوات المالية، و21 ضد بعثة الأمم المتحدة "مينوسما"، و10 هجمات ضد قوة "بارخان" الفرنسية.
وتقوم المجموعات الموالية لتنظيم "القاعدة"، وعلى رأسها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تمثل التحالف "القاعدي" الذي يضم أكبر وأبرز التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة، بشن معظم تلك الهجمات، على غرار الهجومين المنفصلين الذين استهدفا قوة عسكرية تابعة لقوات حفظ السلام ومعسكرًا للجيش المالي بمنطقة ميناكا في 24 نوفمبر 2017، بشكل أدى إلى مقتل 10 جنود على الأقل من القوة الأممية والجيش المالي.
كما قامت المجموعات التي أعلنت مبايعة تنظيم "داعش" بتنفيذ هجمات إرهابية أيضًا، وهو ما كشف عنه البيان الذي أصدرته مجموعة أبو الوليد الصحراوي في 12 يناير 2018، وأعلنت فيه مسئوليتها عن الهجمات التي استهدفت القوات الفرنسية والأمريكية في النيجر. وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى ترجيح تصاعد حدة المواجهات العسكرية بين تلك القوات والتنظيمات الإرهابية بعد تكرار تلك الهجمات، بالتوازي مع إجراء عملية مراجعة للآليات المستخدمة في هذه المواجهات.
أسباب مختلفة:
يمكن تفسير تزايد هذه الهجمات الإرهابية خلال الفترة الماضية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- النشاط "القاعدي": تعد منطقة الساحل والصحراء من أكثر المناطق التي تتعدد فيها المجموعات "القاعدية"، حيث تشير اتجاهات عديدة إلى أن تنظيم "القاعدة" يمنح الأولوية لتفعيل نشاطه التنظيمي أكثر من السيطرة الميدانية في تلك المنطقة. وفي هذا السياق، تصاعد دور جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي أعلن عنها في مارس 2017، عقب تحالف كل من مجموعة "إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"تنظيم المرابطون" و"جماعة أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا"، وهو ما سمح لها بشن هجمات نوعية، على غرار الهجوم على السفارة الفرنسية ومقر الجيش البوركيني في واجادوجو في 2 مارس 2018.
2- أولوية الاستهداف: تمثل القوات الدولية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء هدفًا رئيسيًا للتنظيمات الإرهابية "القاعدية" و"الداعشية"، خاصة أنها لا تمثل محورًا لخلافات أيديولوجية بينها، باعتبار أنها، في رؤيتها، قوة يجب مقاومتها في تلك المنطقة، لا سيما أن ذلك يساعد تلك التنظيمات أيضًا في استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية المناوئة لوجود تلك القوات.
3- القدرات التنظيمية: اكتسبت المجموعات "القاعدية" في منطقة الساحل والصحراء، قدرات نوعية على المستويين التنظيمي والعملياتي، حيث تتحرك في إطار مجموعات صغيرة، وبأسلحة خفيفة في معظم الأحيان، بشكل يمكنها من سرعة الانتقال من منطقة إلى أخرى، فضلاً على أن عناصرها لديها دراية كبيرة بالطرق والدروب الصحراوية، بشكل يمثل متغيرًا مهمًا في تحديد مدى قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية.
4- الهشاشة الحدودية: تحاول المجموعات الإرهابية استغلال الهشاشة الحدودية بين دول المنطقة من أجل تنفيذ عملياتها الإرهابية، خاصة في ظل ضعف أداء الأجهزة الأمنية وافتقادها للإمكانيات التي تمكنها من ضبط الحدود ومراقبة تحركات تلك المجموعات.
5- الدور القبلي: مارست شبكة التحالفات والعلاقات التي أسستها التنظيمات الإرهابية مع بعض المجموعات القبلية والعرقية في المنطقة، سواء المنتمية إلى قبائل الطوارق أو إلى عرقية الفولاني، دورًا في تصعيد هجماتها الإرهابية ضد القوات الدولية، من خلال تقديم الدعم والمعلومات لعناصر المجموعات التي تقوم بتنفيذ الهجمات الإرهابية، على غرار الهجوم الذي شنته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" ضد القوات الفرنسية في شمال مالي في 30 مايو 2017، والذي أشارت تقارير عديدة إلى أن المعلومات التي قدمها بعض أبناء الطوارق كان لها دور فيه.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن منطقة الساحل والصحراء تبدو مقبلة على مرحلة جديدة سوف تشهد تصاعدًا في العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الإرهابية من أجل القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى توسيع نطاق نفوذها في تلك المنطقة وتكريس حالة من عدم الاستقرار داخل دولها.