شهدت العاصمة الإيرانية طهران، في 23 نوفمبر الجاري، اجتماع القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز(GECF)، بمشاركة 9 من رؤساء الدول الأعضاء في المنتدى، أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والفنزويلي نيكولاس مادورو، والعراقي فؤاد معصوم، فضلاً عن مشاركة وزراء طاقة عدد من الدول، منها قطر وسلطنة عُمَان والإمارات، بالإضافة إلى مشاركة رئيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" عبد الله سالم البدري.
وكانت فكرة المنتدى قد تجسدت في عام 2001 في أول اجتماع وزاري بطهران لوزراء الطاقة في الدول المصدرة للغاز، ولكن من دون تبني ميثاق للمنتدى أو الاتفاق على هيكل ثابت لعضويته، واستمر ذلك حتى الاجتماع الوزاري السابع في موسكو عام 2008، والذي بحث إجراء هيكل تنظيمي للمنتدى له أهدافه للسنوات والعقود المقبلة، وجرى اختيار العاصمة القطرية الدوحة مقراً للمنتدى، حيث تنافست عليه مع سان بطرسبرج الروسية، وفازت الدوحة بفارق صوت واحد.
وفي 9 ديسمبر 2009، جرى في الدوحة انتخاب الروسي ليونيد بوخانوفسكي أميناً عاماً للمنتدى. وفي عام 2011، تأسس رسمياً منتدى الدول المصدرة للغاز، وعٌقدت القمة الأولي في طهران.
ويضم المنتدى 12 عضواً رئيسياً هم: إيران، وروسيا، والجزائر، ومصر، والإمارات، وغينيا الاستوائية، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، وترينيداد وتوباغو، وفنزويلا، بينما تشارك هولندا والنرويج والعراق وسلطنة عُمًان وبيرو بصفة مراقب في اجتماعات المنتدى.
ويهدف المنتدى إلى دعم وتعزيز المصالح المتبادلة ورفع مستوى التنسيق وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى تشجيع ودعم الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للغاز، بهدف تحقيق التوازن المطلوب في أسواق الغاز للوصول إلى أسعار مناسبة تحقق التوازن للطرفين.
وتنتج الدول الأعضاء في منتدى الغاز حوالي 42% من إجمالي الإنتاج العالمي للغاز، وتمتلك 70% من الاحتياطيات العالمية، وحوالي 65% من الغاز الطبيعي المُسَال في العالم. ويشكل إنتاج روسيا وحدها 70% من إنتاج هذه الدول، بما يعادل نحو 28% من الإنتاج العالمي.
أبعاد ودلالات تأسيس منتدى الغاز
في وقت تزداد التوقعات باعتماد العالم على الغاز الطبيعي بشكل أكبر خلال السنوات القليلة المقبلة، تسعى الدول المنتجة للغاز، لاسيما روسيا وإيران إلى خلق تكتل عالمي في هذه الصناعة، يكون بمثابة قوة اقتصادية وسياسية.
وعلى الرغم من أن التكتل الجديد لا يعد منظمة، بل منتدى تشاوري، فإنه قادر على أن يكون مثل منظمة "أوبك" له تأثير قوي وفاعل في العرض والطلب.
وفي حين تستعد إيران لرفع العقوبات الدولية عنها، والحصول على موطئ قدم على خريطة الطاقة عالميا، فإن روسيا تطمح لفتح أسواق جديدة والضغط على أوروبا بسلاح الطاقة، خاصة منذ تفجر الأزمة الأوكرانية في العام الماضي وانعكاساتها على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الاتحاد الأوروبي.
وتشير الأرقام المتداولة عالمياً إلى أن روسیا تتقدم الترتیب في الاحتياطي العالمي المؤكد (36 تريليون و850 مليار متر مكعب)، في حين تحتل إيران المرتبة الثانية، حيث تمتلك نحو 34 تريليون متر مكعب من الغاز.
ووفقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن الطلب العالمي على الغاز سوف يزداد بنسبة 32%، أي إلى 4.9 تريليون متر مكعب سنوياً بحلول عام 2040. وهذا يخلق فرصاً لزيادة إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المُسَال.
ولذا تخطط روسيا إلى زيادة مبيعاتها من الغاز إلى ثلاثة أضعاف، أي لتبلغ 60 مليون طن، أي أنها تسعى إلى زيادة إنتاجها من 639 مليار متر مكعب في عام 2014 إلى 885 مليار متر مكعب بحلول العام 2035، وزيادة صادرات هذا القطاع في الاتجاه الآسيوي إلى 128 مليار متر مكعب.
وقد بدا الموقفان الإيراني والروسي خلال المنتدى أكثر تقارباً مقارنة مع الدول الأخرى الأعضاء في المنتدى، إذ أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، عقب محادثات أجراها في طهران مع نظيره الروسي، أن بلاده تسعى إلى زيادة التعاون مع موسكو في قطاعات الطاقة والمصارف والنقل.
وأبدى المسؤولون الإيرانيون، وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والرئيس الإيراني، حفاوة كبيرة بالرئيس بوتين، لاسيما بعد إعلان روسيا منح إيران قرضاً قيمته 5 مليارات دولار، لتمويل مشاريع للسكك الحديدية وإنشاء محطات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية، والأهم من ذلك التأكيد للوفود المشاركة على أن موسكو وطهران تخططان لاستثمار ما بين 35 و40 مليار دولار في مشاريع اقتصادية مشتركة.
إيران وتسويق الغاز في دول الخليج
قُبَيل قمة منتدى الغاز في طهران، أعرب وزير النفط الإيراني، أمير حسين زماني، عن أمل بلاده في الشروع في تصدير الغاز إلى دول الخليج العربية في غضون 5 سنوات، خاصة سلطنة عُمَان والإمارات والكويت، وربما إلى باكستان أيضاً. وكان الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية الحكومية، نزار العدساني، قال في 12 أكتوبر الماضي، إن المؤسسة تجري مفاوضات مبدئية مع إيران والعراق لاستيراد الغاز.
ويبدو أن مشاركة وفود بعض دول الخليج على مستوى وزراء الطاقة أو مسؤولين اقتصاديين في قطر والإمارات وسلطنة عُمَان، قد تشكل مقدمة لتعاون إيراني مع دول الخليج، فطهران تسعى للاستفادة من هذه القمة للتوجه أكثر نحو دول الجوار.
وفي هذا السياق، تعول إيران بشكل كبير في هذه المرحلة على سلطنة عُمَان، حيث تسعى طهران للاستفادة من طاقة الإنتاج غير المستغلة في مجال تسييل الغاز لدى السلطنة وكذلك التسويق لدول العالم. وبحسب البيانات فإن 23% من طاقة إنتاج عُمَان في مجال الغاز المسال غير مستغلة.
وكانت إيران قد وقعت، في مارس 2014، اتفاقية مع سلطنة عُمَان لتصدير 10 مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنوياً إلى السلطنة، وتتضمن هذه الصفقة أيضاً بناء خط أنابيب عبر الخليج بتكلفة قدرها نحو مليار دولار.
من جانب آخر تحاول إيران إعادة إحياء اتفاقية تصدير الغاز لمدة 25 عاماً إلى الإمارات، من خلال شركة "نفط الهلال" الإماراتية الخاصة، وهي اتفاقية تم توقيعها قبل 14 عاماً، وتنص على تصدير 17 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني يومياً إلى الإمارات من حقل سلمان الإيراني في الخليج العربي.
ووفقاً للاتفاق، فإن سعر الغاز المباع كان يرتبط بمعادلة سعرية مع سعر النفط، وتسبب تأخر تفعيل الاتفاقية وضخ الإمدادات تزامناً مع ارتفاع سعر النفط، إلى جانب مطالبة بعض جهات داخل الدولة الإيرانية بمراجعة أسعار الغاز، في إثارة جدل حول الاتفاقية التي لم توقف تنفيذها.
ولجأت شركة "نفط الهلال" التي تتخذ من إمارة الشارقة مقراً لها، في نزاعها مع شركة النفط الوطنية الإيرانية، إلى التحكيم الدولي في عام 2009، لتعلن بعدها عن حصولها على حكم لصالحها في أغسطس 2014. وقالت الشركة حينها "إن المحكمة الدولية اعتبرت أن هذه الاتفاقية سليمة وملزمة للطرفين، وقضت بفرض غرامة مالية قدرها 18 مليار دولار على إيران".
ويُذكر أن الإمارات تُقيم وحدة لاستيراد الغاز الطبيعي المُسَال في ميناء الفجيرة، تعرف باسم "الإمارات للغاز الطبيعي المُسًال"، بطاقة تبلغ 9 ملايين طن سنوياً، وأن الإمارات تعتمد على الغاز في توفير الكميات اللازمة لتوليد الكهرباء، لاسيما في فصل الصيف، ولذا ثمة خطط لتحديث وحدة عائمة لاستيراد الغاز المُسَال، وإعادته إلى حالته الغازية في ميناء جبل علي، استعداداً لاستقبال المزيد من الواردات، والرفع في طاقة المنشأة التي تبلغ حالياً 3 ملايين طن سنوياً.
وتحصل الإمارات على كميات محدودة من الغاز القطري عبر خط أنابيب دولفين، الذي يساعد في تغذية محطات الكهرباء وتحلية المياه في الفجيرة، وتتحرك الدولة وفقاً لتصريحات وزير الطاقة الإماراتي، سهيل بن محمد المزروعي، في أبريل الماضي، من أجل زيادة طاقة خط أنابيب دولفين، وتُطور ما لديها من موارد للغاز مثل حقلي شاه وباب، حيث بدأ مشروع حقل شاه عملياته في العام الجاري.
عقبات أمام طموحات إيران
كشفت التصريحات الإيرانية، خلال القمة الأخيرة للمنتدى، عن طموحات كبيرة للقيام بدور فاعل في هذه الصناعة وصادراتها عالمياً، وذلك اعتماداً على قرب رفع العقوبات الدولية عنها، فإيران تنوي زيادة إنتاجها من الغاز خلال العامين القادمين ليصل إلى أكثر من مليار متر مكعب يومياً.
بيد أن تحقيق هذه الطموحات ليس بالأمر السهل، فثمة عوائق وعقبات تقف في وجه الطموح الإيراني بتصدير الغاز للخارج القريب والبعيد، ومنها:ـ
- تبدو إيران مقيدة بسبب العلاقات المتوترة مع دول الجوار القريب، لاسيما دولة الإمارات بسبب استمرار احتلالها للجزر الثلاث، ومع المملكة العربية السعودية بسب أزمات سوريا واليمن والعراق، وعدم كف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية في العديد من الدول العربية.
- لن تضحي دول الخليج بالشريك الخليجي الأساسي، وهو قطر (ثالث منتج للغاز عالمياً)، خاصة أنه لا توجد ضمانات تكفل استمرار سلاسة العلاقات مع إيران سياسياً إن تم توقيع اتفاقيات لاستيراد الغاز منها.
- يثير التقارب الروسي- الإيراني قلقاً خليجياً، لاسيما لدى قطر التي تستحوذ على حصة متقدمة في هذا السوق عالمياً (حوالي 15%). وتشير البيانات إلى أن روسيا وإيران وقطر تمتلك مجتمعة نحو 57% من إجمالي احتياطي الغاز عالمياً.
- لاتزال تعاني إيران من ضعف في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات لقطاعات الطاقة بها، خاصة وأن الاتفاق النووي مع مجموعة "5 + 1" لم يدخل حيز التنفيذ بعد.
- تعاني إيران من مشكلة تتعلق بموقعها الجغرافي، فهي تريد تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا، لكن موضوع الأسعار، فضلاً عن مشكلات إقليمية أخرى أهمها الأزمة السورية والكردية، تعرقل مثل هذا المشروع حتى الآن.
- تعول إيران مثل روسيا على ضرورة تأمين طرق نقل الغاز، وتطوير طرق تصديره وتعزيز التعاون مع الدول الأخرى الأعضاء في المنتدى، لكن تحدي الإرهاب يشكل تهديداً كبيراً على أنابيب نقل الغاز، وحل هذا الأمر يكون بتعاون بين المستوردين والمصدرين، وهو أمر غير سهل، لاسيما على المديين القريب والمتوسط.
- ليست الدول الأعضاء في المنتدى متقاربة جغرافياً أو سياسياً، ولا تتقاطع مصالحها المشتركة، بل تتسم العلاقة بين الدول الأعضاء بالتنافسية، بما فيها العلاقة بين روسيا وإيران.
- بينما تجعل رهانات الغاز من الثنائي الروسي الإيراني قطباً اقتصادياً مهماً داخل المنتدى، ويعزز ذلك توافق الدولتين الكبير حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية أبرزها الأزمة السورية، غير أن روسيا تبقى هي شريك أوروبا الأول في قطاع الغاز، ولا يمكن لطهران أن تتحول إلى منافس لموسكو خلال مرحلة استراتيجية يتقارب فيها الطرفان من بعضهما البعض سياسياً.