سعى الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، منذ وصوله إلى السلطة في 8 فبراير 2017، إلى منح الأولوية لمواجهة حركة "شباب المجاهدين" بهدف العمل على عزلها وتفكيكها، خاصة بعد تصاعد نشاطها بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، حيث سعت إلى شن العديد من الهجمات الإرهابية، خاصة في العاصمة مقديشيو، وذلك في تحدٍ واضح للاستراتيجية الجديدة التي بدأت الحكومة في تبنيها، بشكل يوحي بأن الصومال تبدو مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد بين الحكومة والحركة، لا يمكن فصلها عن تطورات الحرب ضد الإرهاب في المنطقة بشكل عام، لا سيما بعد هزيمة تنظيم "داعش" في كل من الموصل العراقية والرقة السورية.
بدائل مختلفة:
رغم أن حركة "الشباب" لم تعلن مسئوليتها عن الهجوم الذي وقع بالعاصمة مقديشيو في 14 أكتوبر الجاري، وأسفر عن مقتل نحو 358 شخصًا وإصابة 228 آخرين، بشكل جعله الأكثر دموية في تاريخ الصومال، إلا أن الحكومة الصومالية وجهت اتهامات إليها بارتكابه، وألمحت إلى أنها تستعد لرفع مستوى مواجهاتها مع الحركة، في إطار استراتيجية جديدة سوف تستند فيها إلى آليات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- إعادة بناء المؤسسة العسكرية: تبدي الحكومة اهتمامًا خاصًا بإعادة بناء المؤسسة العسكرية ورفع قدراتها بشكل يمكن أن يعزز من دورها في مكافحة أنشطة الحركة، التي استغلت تراجع تأثيرها في الفترة الماضية من أجل توسيع نطاق نفوذها والسيطرة على مناطق جديدة.
وقد كان لافتًا في هذا السياق، أن الرئيس فرماجو حرص على إعلان عزمه تصفية الحركة خلال تفقده لبعض وحدات الجيش، في 10 سبتمبر 2017، حيث أكد أن المؤسسة العسكرية سوف يكون لها دور رئيسي في الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها الحكومة للتعامل مع التهديدات التي تفرضها الحركة.
2- تفعيل دور القوات الإفريقية: ما زالت الحكومة تتطلع إلى تعزيز مشاركة قوات بعثة الاتحاد الإفريقي (اميصوم) في المواجهات مع حركة "الشباب"، خاصة أن رفع مستوى قدرات القوات المسلحة الصومالية ربما يحتاج إلى فترة لا تبدو قصيرة. ويبدو أن دعم هذا الدور سوف يكون محورًا رئيسيًا في المحادثات التي يجريها الرئيس عبد الله فورماجو خلال جولته الإقليمية التي بدأت في 23 أكتوبر الجاري، وتشمل كلاً من أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي، حيث تتوقع تقارير عديدة أن يسعى للحصول على أسلحة ومعدات من دول الجوار في إطار جهوده لمواجهة العمليات الإرهابية التي تنفذها الحركة.
وقد حاول فرماجو في لقاءاته مع مسئولي الدول التي قام بزيارتها تأكيد أن الحركة لا تفرض تهديدات للصومال فقط، وإنما لدول الجوار أيضًا، في إطار سعيها إلى توسيع نطاق نفوذها واستقطاب عناصر إرهابية جديدة للانضمام إليها، وهو ما انعكس في تأكيده خلال زيارته لأديس أبابا على ضرورة "التوحد ضد عدونا الشباب الذين ارتكبوا الفظائع ضد الأبرياء"، مضيفًا: "ليسوا فقط تهديدًا للصومال وإنما أيضًا للدول المجاورة لنا".
3- تعميق الانقسامات داخل الحركة: تركز الحكومة في مواجهاتها مع الحركة على محاولة تفكيكها من الداخل، وذلك عبر تعميق الانقسامات القائمة بين قادتها وكوادرها، وتشجيع بعضهم على إعلان الانشقاق عنها، على غرار ما حدث مع القيادي السابق مختار روبو (أبو منصور)، الذي قام بتسليم نفسه إلى الحكومة مع المجموعة التي انشقت معه قبل ثلاث سنوات، في 13 أغسطس الماضي، بشكل يمكن أن يتسبب في إضعاف الحركة وتراجع قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية تؤدي إلى تفاقم حالة الاضطراب وعدم الاستقرار على الساحة الداخلية.
وقد كشفت تقارير عديدة عن أن أبو منصور دخل في مفاوضات مع الحكومة قبل تسليم نفسه، وأن ذلك تم، في الغالب، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي قررت قبل ذلك بشهرين إلغاء مكافأة وضعتها لمن يدلي بمعلومات عنه وقيمتها 5 مليون دولار ورفع اسمه من قائمة رعاة الإرهاب بعد مرور خمسة أعوام من إدراجه فيها.
وقد شاركت مجموعة أبو منصور مع القوات الحكومية في المواجهات التي اندلعت من عناصر الحركة في مدينة حدر حاضرة إقليم بكول بعد إعلان انشقاقه عن الأخيرة.
4- التحالفات القبلية المضادة: تمكنت حركة "الشباب" من تأسيس تحالفات عديدة مع بعض القبائل، خاصة التي ينتمي إليها بعض قادتها، وهو ما ساعدها في توسيع نطاق مصادر تمويلها واستقطاب أعداد جديدة للانضمام إليها. ويبدو أن ذلك كان أحد الأسباب التي دفعت الرئيس فرماجو إلى اتخاذ إجراءات جديدة لاستقطاب دعم القبائل للعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومة ضد مواقع وعناصر الحركة.
5- رفع مستوى التنسيق مع القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب: وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي قامت بتوجيه ضربات عديدة للحركة في الفترة الماضية. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الصومالية، في بداية سبتمبر 2017، عن تقديمها طلبًا رسميًا للولايات المتحدة الأمريكية من أجل الحصول على مزيد من المساعدات العسكرية التي تحتاجها، حيث أصدرت بيانًا قالت فيه أن "الجيش الصومالي بالتعاون مع قوات حفظ السلام الإفريقية قاموا بجهود كبيرة أدت إلى انتصارهم على الميليشيات التي تعرقل الأمن والاستقرار، لكنها لم تتمكن من تطهير العناصر الإرهابية من كافة أنحاء الدولة بسبب تراجع المساعدات المخصصة لعمليات قوات حفظ السلام".
تحديات قائمة:
ومع ذلك، فإن ثمة تحديات عديدة قد تواجه الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها الحكومة الصومالية، يتمثل أبرزها في تعمد الحركة السيطرة على مناطق حيوية محيطة بالعاصمة مقديشيو، بشكل عزز من قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية داخلها، فضلاً عن تصاعد حدة الاستياء داخل وحدات عديدة بالجيش بسبب تأخر صرف الرواتب، بشكل كان له دور، ضمن أسباب أخرى، في انسحاب القوات الحكومية من بعض المناطق الحيوية القريبة من العاصمة، وهو ما دفع الحركة إلى المسارعة للسيطرة عليها.
كما تكشف مؤشرات عديدة عن خلافات لا تبدو هينة بين القيادات السياسية والأمنية حول التعامل مع التهديدات التي تفرضها الحركة، وهو ما أدى إلى استقالة كل من وزير الدفاع عبد الرشيد عبد الله محمد وقائد الجيش الجنرال أحمد جمال جدي من منصبيهما في 12 أكتوبر الجاري.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن التصعيد سوف يكون سمة رئيسية في التفاعلات الجارية بين الحكومة وحركة "الشباب"، خاصة في ظل حرص الحكومة على تأكيد قدرتها على إدارة شئون الدولة والتعامل مع الأزمات المختلفة، السياسية والأمنية، وإصرار الحركة على مواصلة مساعيها للسيطرة على مناطق جديدة وتنفيذ عمليات نوعية داخل العاصمة مقديشيو.