اللعبة الإيرانية الآن توكل بها محمد جواد ظريف وزير الخارجية، وهي دق إسفين بين أوروبا وأميركا، إذ قال يوم الأحد الماضي: إن «مقاومة الأوروبيين للإرادة الأميركية ستُظهر ما إذا كان الاتفاق سيستمر». وتوقع أن تستمر أوروبا في دعم الاتفاق نظراً إلى مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في إيران.
هذه هي السياسة التي يعتمدها النظام الإيراني: التفرقة، وهذا ما أثبته أيضاً في العراق بزرع بذور التفرقة والكراهية بين العرب والأكراد، لكن ما يلوّح به ظريف كتحدٍّ للمجتمع الدولي هو ما يريده الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يريد تحميل الموقعين الأوروبيين أبعد من الكسب من الاتفاق.
فهل تتحمل الشركات والحكومات الأوروبية أن تربح إيران وتخسر الولايات المتحدة؟
هل ترغب أوروبا الوقوع في الفخ الإيراني بهدف إضعاف أميركا؟
يوم الأحد الماضي، جرى اتصال هاتفي بين تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، وإنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، التزمتا خلاله الاتفاق، لكن اتفقتا على أن المجتمع الدولي بحاجة إلى التآزر للرد على النشاط الإيراني الإقليمي المزعزع للاستقرار، واستكشاف سبل معالجة المخاوف بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية. كذلك يوم الأحد الماضي، استبسل ظريف مطلقاً صرخة «كلنا حرس ثوري»، وليته لم يفعل؛ إذ ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بأصوات إيرانية حقيقية ترفض «الحرس الثوري».
وقال أحدهم: «عام 1979 سيطرت مجموعة من الطلاب الإسلاميين على السفارة الأميركية واحتجزت رهائن لمدة 444 يوماً، وبعدها نشأ (الحرس الثوري)». ومما جاء أيضاً: «لا ندعم التدخل العسكري في سوريا والعراق، نرفض (الحرس الثوري)، لسنا (حرساً ثورياً)، أصغوا إلينا ورددوا: نحن شعب إيران نكره (الحرس الثوري) لفساده وقسوته ولا ندعمه. (الحرس الثوري) متورط في جرائم ضد الإنسانية داخل إيران وخارجها والمثل سوريا. إن الإيرانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يرسلون رسالة واضحة إلى العالم بأنهم ضد الطغاة من (الحرس الثوري). نحن لسنا مع قتلة الآلاف من المدنيين السوريين. (الحرس الثوري) لعب الدور الأساس كي تصبح إيران الراعي الأول للإرهاب في العالم. حملة الأسد ضد شعبه ممولة من حسن روحاني ومن (الحرس الثوري)، وترمب على حق بأن الضحية الأولى للحرس هو الشعب الإيراني. والقائمة تطول، فهل تسمع أوروبا التي تؤمن بالعدالة والإخوة والمساواة».
يوم الجمعة الماضي قال الرئيس ترمب إن إيران لا ترقى إلى روح الاتفاق النووي، وكشف عن استراتيجية جديدة صارمة، بما في ذلك فرض عقوبات إضافية تهدف إلى عرقلة مسار النظام لتطوير أسلحة نووية. لم ينسحب من الصفقة، لكنه أوضح أنه لن يصادق على امتثال إيران للشروط قائلاً: «لا يمكننا ذلك (...) ولن نواصل السير على طريق نتوقع أن يحمل المزيد من العنف والإرهاب والتهديد الحقيقي لاختراق إيران الصفقة النووية». وطالب الكونغرس بتشديد القانون الذي يحكم مشاركة أميركا في الاتفاق، ودعا الأطراف الأخرى (الأوروبيين) إلى إصلاح سلسلة من التقصير. ثم كان صريحاً: «في حال لم نتمكن من التوصل إلى حل مع الكونغرس، ومع حلفائنا فإن الاتفاق سينتهي. إنه قيد المراجعة المستمرة وقد أُقدم كرئيس على إلغاء مشاركتنا في أي وقت».
وأعلن الرئيس عن عقوبات إضافية تطال «الحرس الثوري» لدعمه الإرهاب وتطبيق العقوبات على المسؤولين فيه والتابعين له، وعلى شركائه. وقد أكد ستيف منوتشين وزير الخزانة، يوم الأحد الماضي، أنه ينوي فرض عقوبات جديدة على الحرس، مضيفاً أنه بحث الخطط الأميركية مع نظرائه في العالم خلال اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي في نيويورك. وكانت الوزارة قد أعلنت وضع «الحرس الثوري» على لائحة العقوبات. وهنا تكمن الصعوبات التي تواجهها الشركات الأجنبية التي تنوي الاستثمار في إيران، خصوصاً إذا كان الحرس يملك شركات إيرانية «جذابة»، وهو يملك الكثير منها!
كان يمكن للرئيس أن يطبق ما قاله في حملته الانتخابية عن الاتفاق و«يقتله» بالانسحاب منه مباشرة، وكان يمكنه أن يطلب من الكونغرس إعادة فرض عقوبات صارمة على البرنامج النووي الإيراني، خطوة كانت ممكنة بقراره رفض المصادقة على الاتفاق في ظل القانون الأميركي، وعقوبات جديدة كانت دفعت طهران إلى القول إن أميركا تنتهك الاتفاق، فتنسحب هي منه.
ربما أدرك ترمب أن الكونغرس قد لا يوافق هكذا على فرض عقوبات جديدة، أو أنه غير راغب في تحمل النقد الدولي بأنه الطرف الذي انتهك الاتفاق، لذلك دعا ترمب النواب الأميركيين إلى تعديل قانون 2015، والسماح للكونغرس بالإشراف على الاتفاق النووي، فإذا لم يفعلوا ذلك، هدد بـ«إنهاء» الاتفاق تماماً.
من شأن التعديل الذي اقترحه ترمب أن يثير حوافز لعقوبات جديدة على إيران إذا استمرت في سلوكها غير المشمول في بنود الاتفاق النووي. الفكرة هي إشعال النيران تحت أقدام إيران ودفعها إلى مفاوضات جديدة من دون أن تضطر الولايات المتحد إلى إلغائه أولاً، لأنها لو فعلت ذلك لفقدت دعم المجتمع الدولي الذي تحتاج إليه في مفاوضات مستقبلية. وبما أن الاتفاق يقول إن أميركا لا تستطيع أن تعيد فرض العقوبات التي رفعتها بسبب الاتفاق النووي، فإن محامي وزارة الخارجية الأميركية يقولون إن التعديل الذي اقترحه ترمب لن ينتهك ما اتُّفق عليه.
ريكس تيلرسون وزير الخارجية، قال يوم الخميس الماضي، قبل أن يطرح ترمب استراتيجيته، إن السياسة الأميركية الجديدة تتطلب من الكونغرس إعادة النظر في قانون مراجعة الاتفاق النووي (إينارا)، وهو قانون أميركي يطالب الرئيس بالتصديق كل 90 يوماً على أن إيران تمتثل للاتفاق. وأضاف تيلرسون أن الإدارة تحثّ الكونغرس على تدعيم قانون (إينارا) ليشمل «نقاط تحريك» من شأنها أن تعيد العقوبات تلقائياً، إذا ما انتهكت إيران الاتفاق. وأضاف أن وضع الكونغرس لـ«نقاط التحريك» سيبعث برسالة قوية عن تصميم الولايات المتحدة على ضمان عدم تطوير طهران لأسلحة نووية. الزعماء الجمهوريون في الكونغرس وعدوا بدعم الاستراتيجية الجديدة وتعهدوا بالعمل مع الرئيس. أصدرت مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب برئاسة رئيس اللجنة الخارجية في المجلس إد رويس (من كاليفورنيا) وزعيم الأغلبية كيفن مكارثي (من تكساس) بياناً جاء فيه أن الاتفاق النووي «ينطوي على عيوب كبيرة تجب معالجتها، وسوف نتخذ خطوة مهمة لتحقيق هذه الغاية، بأن نمرر في مجلس النواب مشاريع قوانين لزيادة العقوبات غير ذات صلة بالاتفاق النووي، بل تستهدف مقاضاة ومعاقبة دعم إيران للإرهاب ولبرنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية»، كما أصدر بول ريان رئيس مجلس النواب بياناً مماثلاً.
بعد كلمة ترمب رد روحاني في خطاب تلفزيوني بأن تصريحات ترمب كانت مليئة بالاتهامات المزيفة ضد إيران. المفروض أن تكون هذه ثورة «طاهرة» لا ترتكب الكذب! اعترف روحاني بأن إيران والصفقة أقوى الآن من أي وقت! وأن قوات «الحرس الثوري» ستواصل حربها ضد الإرهابيين «الإقليميين»! أي أن إيران مستمرة في العبث بالشؤون الداخلية للدول العربية، ولن تتراجع، وأثبتت ذلك في الأيام الأخيرة بالتسلط على القرار العراقي وإرسال قاسم سليماني ليدير الحرب ضد الأكراد. ولم يتأخر الوقت لتثبت صحة مخاوف مسعود بارزاني من أن إيران قضت على سُنة العراق، أما ماذا بعد «داعش»؟ فالجواب: الأكراد.
للفت النظر، يؤكد المقربون من دائرة ترمب أنه جاد في الانسحاب من جانب واحد إذا فشل الكونغرس في التصرف، ولوحظ أن الرد الأول للمشرعين الديمقراطيين، والدبلوماسيين الأجانب خصوصاً فيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، التي احتفى بها النواب الإيرانيون بكاميراتهم عندما زارت طهران وهي غير منتخبة، كان الاعتقاد بأن ترمب يخدع. لكن ترمب لديه الوقت قبل أن يحتاج إلى الكشف عن أوراقه، فأمام الكونغرس 60 يوماً. إنها دول تحترم القانون والقضاء.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط