لم يكن غريباً أن يبلغ المبعوثُ الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد مجلسَ الأمن في جلسته المغلقة يوم 3 أغسطس 2016 أن وفد الانقلابيين في مفاوضات اليمن الجارية في الكويت رفض التوقيع على مقترح الحل السياسي الذي تقدم به قبل أيام، ووافقت الحكومة اليمنية عليه.
فالحل السياسي أو اتفاق السلام المُشار إليه يستند بشكل رئيسي إلى قرار مجلس الأمن رقم 2216 الصادر في أبريل 2015 فيما يتعلق بتسليم السلاح وعودة الشرعية. ويعد مشروع الاتفاق الأخير أكثر ليونة من القرار 2216 تجاه الانقلابيين، ولعل موافقة الحكومة اليمنية عليه، على الرغم من وجود تنازلات، جاءت من باب السعي إلى خلاص اليمن من الأزمة وإعادة الاستقرار، غير أن الحوثيين وصالح كان لهم رأي آخر برفض المشروع، فهم يسعون إلى مزيد من المكاسب، ويراهنون على عامل الزمن كي تستمر سيطرتهم غير المشروعة على أجزاء من البلاد.
ولذلك صدر الأسبوع الماضي الإعلان المتضمن اتفاقاً بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه المخلوع علي عبدالله صالح، لتشكيل ما يسمى "مجلس سياسي لإدارة شؤون البلاد"، لينسفوا بذلك مفاوضات الكويت وما قبلها من مفاوضات وجهود إعادة السلام إلى اليمن.
مراوغة الانقلابيين
المتابع لتطورات الأحداث في اليمن منذ المبادرة الخليجية في عام 2011، ثم انتخابات فبراير 2012 وتسلم الرئيس عبدربه منصور هادي للحكم، ثم الاتفاق على مخرجات الحوار الوطني في 25 يناير 2014 وغيرها، يُلاحظ أن الحوثيين كانوا يراوغون دائماً ضمن مساعيهم للكسب، إلى أن جاءتهم الفرصة، فانقلبوا في مرحلة بدء استعادة توازن الدولة على الحكومة الشرعية بقيادة هادي في 21 سبتمبر 2014، وذلك بالتعاون مع الرئيس المخلوع صالح، ليسيطروا على العاصمة صنعاء، ما أدخل اليمن في دوامة من الاضطرابات وانعدام الاستقرار. ولولا التدخل العسكري عبر التحالف العربي لإنقاذ اليمن من خلال دعم خيار الشعب متمثلاً في الشرعية، لكان اليوم خاضعاً للسطوة الإيرانية بحسب المخطط الذي تقول المؤشرات إنه رُسم في طهران ونفذه الحوثيون وأعوان صالح في اليمن.
واللافت خلال المرحلة السابقة هو نقض الانقلابيين المواثيق والتعهدات والاتفاقيات التي وقعوا عليها، وعليه فإن إعلانهم مؤخراً رفضهم التوقيع على مشروع اتفاق السلام قد يكون مرحلة متقدمة من تفكيرهم، فانقلابيو اليمن باتوا أشد جرأة في توضيح مواقفهم، للدرجة التي واجهوا فيها رغبة الحكومة الشرعية بإنهاء الأزمة وترحيبها باتفاق السلام برفض ذلك كله عبر رسالة حملها المبعوث الدولي إلى مجلس الأمن.
الدور الروسي
ربما لو نظرنا إلى موقف المندوب الروسي في مجلس الأمن، يوم 3 أغسطس الجاري، وهو يعطل إدانة المجلس للإعلان السياسي للانقلابيين بدفاعه عنهم، على الرغم من أن روسيا كانت ضمن الموقعين في الكويت قبل أيام على بيان الدول الـ 18، الرافض للإعلان السياسي للحوثيين والمخلوع صالح، ما يعني أن ثمة متغيرات في الموقف الروسي في أزمة اليمن، تتمثل في الاقتراب أكثر من الانقلابيين تمهيداً للاصطفاف إلى جانبهم.
والأرجح أن هذا الموقف الروسي يأتي جزءاً من "تحالف موسكو - طهران" في المنطقة، وهذا ما يجب أن يتنبه له المجتمع الدولي، فالمصالح الإيرانية تعتمد على العبث وتخريب الدول للتوغل فيها، ودعم روسيا لهذا التوجه خلل كبير في دور دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، يُفترض بها أن تسعى لترسيخ السلام، وليس الوقوف إلى جانب من يقوضونه، مُقدمة مصالحها السياسية والعسكرية على مصالح الشعوب واستقرار الدول.
وبالتالي كان الأفضل لدولة مثل روسيا أن تساعد الشعب اليمني وتسهم في حل أزمته بدلاً من أن تبدأ في التغلغل تدريجياً لتتورط لاحقاً كما هو حالها في الشأن السوري. فما يمر به اليمنيون حالياً من حال معيشي لا يسر أحداً، خاصةً مع ندرة أساسيات الحياة، وارتفاع عدد الانتهاكات بحق أفراده المُرتكبة من قِبل الميليشيات والعناصر الانقلابية.
الموقف الدولي
خلال اليومين الماضيين، صدر تقريران يتعلقان بالأزمة اليمنية، يمكن الاستناد عليهما كمؤشرين يقودان إلى ضرورة الضغط الدولي لوضع حدّ لما يحدث. وبالتزامن مع التقريرين، ارتكب الحوثيون جريمة كبرى باختطاف أربعة من شيوخ ووجهاء محافظة البيضاء ثم أعدموهم، أي إنهم يتمادون في جرائمهم لأنهم مقتنعون أن المجتمع الدولي ساكت أو عاجز عن فعل شيء لإيقافهم عند حدهم.
وبعودة إلى التقريرين، نجد في التقرير الأول أن اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن أشارت إلى 263 انتهاكاً بحق المدنيين ارتكبتها عناصر تنتمي إلى الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح. ولعل الأسوأ من بين تلك الانتهاكات هو عمليات القتل غير المشروع التي بلغ عددها 75 حالة، يُضاف إليها، بحسب التقرير، عمليات استهداف لأربع مؤسسات حكومية وعامة، وحادثتا حصار جماعي، وتسع حالات جنّد فيها الانقلابيون أطفالاً في عملياتهم، كما تحدّث التقرير عن حالات نهب ممتلكات وتفجير منازل، وتهجير قسري وإخفاء واعتقالات تعسفية.
أما التقرير الثاني الصادر يوم 4 أغسطس فهو، طبقاً لـ"رويترز"، سري أعده خبراء الأمم المتحدة الذين يراقبون العقوبات المفروضة على اليمن لتقديمها إلى مجلس الأمن الدولي، وذكروا فيه أن الحوثيين استخدموا المدنيين كدروع بشرية، وأخفوا مقاتلين وعتاداً بالقرب من مدنيين في منطقة المخا بمحافظة تعز بهدف تفادي التعرض للهجوم، وهو ما يُعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
ومن النقاط المهمة في تقرير خبراء الأمم المتحدة تأكيدهم أن تنظيم "داعش في" اليمن حصل، في مارس وأبريل الماضين، على مبالغ كبيرة من المال لاستخدامها في استقطاب المجندين وعمليات التمويل وشراء العتاد، ما يعني أن الفوضى التي كرّس الانقلابيون لوجودها في اليمن جعلته مرتعاً تتنامى فيه التنظيمات الإرهابية، وبدلاً من التخلص من بقايا تنظيم "القاعدة"، راح تنظيم "داعش" يكوّن فيه خلاياه كي يجاور "القاعدة" ويتوسع أكثر في مساحات سيطرته على الأراضي.
بناءً على ما سبق، فإن المجتمع الدولي كله اليوم يجب أن يتحمل مسؤولية إنقاذ اليمن بالضغط على روسيا لتحجيم تقديمها مصالحها وتحالفاتها على أمن الأوطان وسلامتها، والضغط أيضاً على الانقلابيين للقبول بمشروع السلام، أو الخضوع لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بتأييد 14 دولة من 15 تمثل أعضاء مجلس الأمن. ولو ربطنا بين كون روسيا كانت يومها الدولة الوحيدة التي امتنعت عن التصويت على القرار 2216، وتعطيلها يوم 3 أغسطس لإدانة إعلان الانقلابيين، لأدركنا أن تطويع موسكو لتعديل قراراتها السياسية صار جزءاً من الحل في كثير من الأزمات والمشاكل العالقة في منطقة الشرق الأوسط، فالخيارات تضيق يوماً بعد آخر، ولابد من توافق دولي لإنهاء الأزمة اليمنية، وبالتالي إنهاء معاناة الشعب اليمني.