أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

"البقاء بكرامة":

رؤى الجنوب العالمي لمواجهة تغيرات المناخ

06 ديسمبر، 2023

"البقاء بكرامة":

عقد مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، ورشة عمل، يوم 5 ديسمبر 2023، بحضور مجموعة من الخبراء المتخصصين من أقاليم جغرافية مختلفة حول العالم، للنقاش حول أزمة التغير المناخي، وفهم أبعادها من وجهات نظر دول الجنوب العالمي، ومحاولة طرح حلول لها. 

وتضمنت قائمة الحضور من هؤلاء الخبراء، كلاً من د. حمدي عبدالرحمن حسن، أستاذ العلوم السياسية بجامعتي زايد والقاهرة، ود. محمد أمين الكريم، الأستاذ الزائر بجامعة مالايا في ماليزيا، ود. مادي إبراهيم كانتي، الأستاذ في كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي، ود. دليلة الغرباوي، زميل في منحة دراسات ما بعد الدكتوراه بجامعة كانتربري في نيوزيلندا. كما شارك في ورشة العمل باحثو مركز "المستقبل"، وأدارتها الأستاذة آية يحيى، رئيسة برنامج "كوب28" بالمركز. 

أزمة عالمية:

في البداية، أكد د. حمدي عبدالرحمن أن أزمة التغير المناخي باتت واحدة من التهديدات غير التقليدية للأمن القومي للدول؛ نظراً لما تسببه من مخاطر، ومنها، على سبيل المثال، الهجرة المناخية. وفي هذا الصدد، تتم أحياناً الإشارة إلى الحرب في دارفور بالسودان على أنها أول حرب تغير مناخي في العالم.

وتطرق عبدالرحمن إلى عدد من النقاط المهمة التي لا يمكن إغفالها عند معالجة أزمة التغير المناخي، يأتي على رأسها أنها أصبحت أزمة عالمية، ومواجهتها ووضع حلول لها يتجاوز قدرة أي دولة على حدة، سواءً أكانت دولة كبيرة أم صغيرة أم متوسطة. كما تناول قضية التمويل، التي تُعد جوهر كل المفاوضات الخاصة بالتغير المناخي منذ اتفاق باريس وحتى مؤتمر الأطراف الحالي "كوب28"، مشيراً إلى الجدل الدائر حول كيفية توفير التمويل المناخي، خاصةً في البلدان النامية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ.

وتم تسليط الضوء على مسألة "العدالة المناخية" باعتبارها أمراً بالغ الأهمية، فالدول الكبرى المُصدرة للانبعاثات، مثل الولايات المتحدة والصين، ينبغي لها أن تدفع حصتها الخاصة للبلدان الأخرى النامية؛ لتمكينها من التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معه. وهذا يعيدنا للتأكيد أن حل أزمة التغير المناخي لن يحدث إلا بالاستجابة والتعاون على مستوى العالم، ولا يمكن لأي جهد فردي من جانب دولة معينة معالجة هذه الأزمة. 

وقد أدركت الدول خطورة التغيرات في الظروف المناخية والتحولات البيئية وآثارها، فنفذت استراتيجيات للتخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي والتكيف معها. ونتيجة لذلك، ركز العلماء والباحثون بشكل متزايد على دراسة العلاقة بين التغير المناخي والأمن، فضلاً عن دوره كمضخم للتهديدات. وفي هذا السياق، نظمت الأمم المتحدة العديد من المؤتمرات لتقييم تأثير التغير المناخي في الأمن البشري وتقديم توصيات استراتيجية للدول لمواجهة هذه التهديدات. وهذا يؤكد أهمية استضافة دولة الإمارات لقمة "كوب28"؛ نظراً لما تمثله من لحظة محورية في الجهود الدولية من خلال تشكيل أول تقييم عالمي شامل للتقدم المُحرز في تحقيق أهداف اتفاق باريس. 

حالة بنغلاديش:

انتقل المشاركون إلى استعراض نماذج للتحديات الجيوسياسية التي تواجهها الدول جراء التغير المناخي، فبنغلاديش -على سبيل المثال- تُعد واحدة من أكثر البلدان المُتضررة من هذه الأزمة، الأمر الذي أثّر بدوره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكانها بشكل كبير.

وفي هذا الإطار، أوضح د. محمد أمين الكريم، أن بنغلاديش هي أكبر دلتا في العالم وتقع على الساحل الشمالي لخليج البنغال. وتنقسم طولياً إلى ثلاثة أحواض أنهار رئيسية؛ هي: نهر الغانج، وميجنا، وبراهمابوترا، وجميعها تتدفق من جبال الهيمالايا. وتقوم بنقل أطنان الطمي من جبال الهيمالايا وإيداعها في خليج البنغال، إذ إن جميع هذه الأنهار لها منافذ في خليج البنغال. ويؤدي ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي إلى ذوبان الجليد بشكل أكبر، مما يؤدي إلى تدفق المزيد من المياه في جبال الهيمالايا. وتعمل هذه الظاهرة على تمكين أحواض الأنهار من حمل المزيد من الطمي إلى خليج البنغال بمرور الوقت، وتوسع الجرف القاري في هذا الخليج باتجاه الجنوب، ما يزيد من حجم الجرف القاري. 

الساحل الإفريقي:

في منطقة الساحل الإفريقي، التي يعتمد نظام الحياة فيها على الرعي، دفعت التغيرات المناخية السكان إلى الانتقال بمواشيهم من منطقة إلى أخرى حسب هطول الأمطار. ولكن المشكلة الكبرى التي تواجهها هذه المنطقة الآن هي عدم هطول الأمطار كما كان من قبل، ولذلك تأثير كبير في حياة الناس ومعيشتهم.

وفيما يتعلق بالتحديات والفرص المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ في الساحل الإفريقي، أكد د. مادي إبراهيم كانتي، أن هذه المنطقة شهدت أزمة متعددة الأبعاد لأكثر من ثلاثة عقود، وهي تعاني من صراعات مستوطنة خارجة عن سيطرة أصحاب المصلحة الوطنيين والدوليين. ومما لا شك فيه أن الفشل السياسي للحكومات المحلية أدى دوراً كبيراً في تأجيج هذه الأزمات. فالتوترات السياسية الداخلية تتصاعد، والضغوط الديمغرافية تتزايد، والإرهاب والتطرف العنيف يلوحان في الأفق. وقد أدى التغير المناخي إلى تفاقم تلك التحديات وخلق بيئة مضطربة في الساحل الإفريقي. 

ومن المُتوقع أن يتضاعف عدد سكان منطقة الساحل الإفريقي إلى 160 مليون شخص على مدى السنوات العشرين المقبلة، مما يؤكد الحاجة المُلحة لدولها لإعطاء الأولوية للتكيف مع التغير المناخي، والتخطيط لمسار النمو المُستدام والشامل.

منطقة المحيط الهادئ:

بالانتقال إلى منطقة المحيط الهادئ، فقد أشارت د. دليلة الغرباوي، إلى وجود جزر منخفضة، وجزر بركانية، وجزر مرتفعة، ما يجعل تأثيرات التغير المناخي في هذه المنطقة مختلفة؛ وذلك من حيث ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات. كما أن بعض الجزر مهددة بالزوال التام، مثل: فانواتو، وكيريباتي، ما أدى إلى ظهور ما يُسمي بـ"التنقل المناخي".

وشددت الغرباوي على أهمية قضية التكيف مع تغير المناخ بدلاً من الهجرة والانتقال، لافتة إلى أن هناك عوامل مختلفة، بما في ذلك الارتباط الثقافي بالأرض، الذي يتحدى فكرة أن التنقل هو الحل دائماً. واقترحت مفهوم "البقاء بكرامة" كنهج بديل، مع التركيز على ضرورة إعادة التفكير في التنقل المرتبط بالمناخ. 

في نهاية ورشة العمل، أكد المشاركون أهمية مؤتمرات الأطراف، وخاصةً في دورتها الحالية "كوب28"، إذ إن هذا النوع من المؤتمرات يبدو مهماً في محاولة تحقيق الإجماع العالمي حول كيفية التمويل المناخي، وتقديم المساعدة للدول النامية والمُتضررة من التغير المناخي، والتوصل إلى قواعد لتقاسم عبء هذه الأزمة، ونقل التكنولوجيا والخبرات المختلفة.