أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

صراع يميني – يميني:

الدلالات الأساسية لنتائج انتخابات الكنيست الـ 24 في إسرائيل

27 مارس، 2021

صراع يميني – يميني:


تشير النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت يوم 23 مارس 2021 إلى أنها كرست استمرار هيمنة تيار اليمين واليمين المتطرف على المشهد السياسي في إسرائيل، ورسخت كذلك التنافس اليميني - اليميني الذي يسود منذ عقد كامل، ولكن مع بقاء رئيس الوزراء الحالي "بنيامين نتنياهو" حتى الآن زعيماً لهذا التيار اليميني، نظراً لغياب قادة يمينيين جدد يمتلكون الخبرات نفسها في السياسات الداخلية والقضايا الخارجية.

هذا ما انتهت إليه الحلقة النقاشية التي نظمها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم الخميس الموافق 25 مارس 2021، والتي استضاف خلالها الأستاذ سعيد عكاشة الخبير المتخصص في الشؤون الإسرائيلية وفي قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي.

وكانت الخريطة الحزبية الإسرائيلية عشية الانتخابات قد شهدت مجموعة من التغيرات مقارنة بانتخابات مارس 2020، فعلى سبيل المثال، ظهر حزب "أمل جديد" المنشق عن حزب الليكود، ودخل حزب "أزرق – أبيض" الانتخابات الحالية من دون تحالفاته السابقة، بل وشهدت القائمة العربية انقساماً إلى قائمتين منفصلتين. كما انقسمت المعسكرات الحزبية إلى ثلاثة أنواع، هي (كتلة مؤيدة لنتنياهو، وكتلة "لا لنتنياهو"، وكتلة محايدة من ناحية الشكل أكثر من الواقع).

ويمكن استعراض نتائج الانتخابات النهائية، وتوزيع عدد مقاعد الـ 120، وفق الكتل المؤيدة والمعارضة لنتنياهو، في الجدول التالي:


هيمنة اليمين وانقسامه:

تقدم النتائج السابقة عدداً من الدلالات فيما يخص توزيع خريطة القوى بين الفاعلين السياسيين داخل إسرائيل، والتي من أبرزها ما يلي:

1 – استمرار هيمنة الأحزاب السياسية ذات التوجهات اليمينية واليمينية المتطرفة على المشهد السياسي في إسرائيل؛ فقد فازت هذه الأحزاب اليمينية بإجمالي 80 مقعداً في الكنيست، تتوزع كالتالي: (الليكود 30 – شاس 9 – يهودت هتوراه 7 – الصهيونية الدينية 6 – أزرق أبيض 8 – يسرائيل بيتنا 7 – أمل جديد 6 – يمينا 7).

وفي المقابل فازت الأحزاب غير اليمينية، على اختلاف توجهاتها، بإجمالي 40 مقعداً تتوزع كالتالي: (ييش عتيد "هناك مستقبل" 17 – العمل 7 – ميريتس 6 – القائمة العربية المشتركة 6 – القائمة العربية الموحدة 4).

2 – تكريس التنافس داخل تيارات اليمين، فقد رسخت هذه الانتخابات استمرار الانقسام داخل تيارات اليمين، نظراً لأن هناك أحزاباً يمينية عديدة لا تؤيد بنيامين نتنياهو لتولي منصب رئاسة الوزراء مجدداً، ولكن ليس لأي من قادتها فرصة في تشكيل ائتلاف حكومي، وإنما سوف تضطر للضغط على نتنياهو لقبول الائتلاف في حكومته أو محاولة إسقاطه لصالح إمكانية تشكيل "يائير لبيد" زعيم حزب "هناك مستقبل"، وهذا أمر يبدو مستبعداً إلى حد كبير.

ويُضاف لذلك احتدام المنافسة داخل تيار اليمين، على زعامة هذا التيار، والذي لا يزال نتنياهو يمثل رمزه وقائده الرئيسي داخل إسرائيل حتى الآن، إذ يفتقد "أفيجدور ليبرمان" و"بيني جانتس" و"جدعون ساعر" للخبرات السياسية، ويبدو أنهم غير موثوق بهم بين تيارات اليمين، وكذلك بين عموم الجمهور، وقد لا يجيدون التعامل مع المشكلات الإقليمية والدولية مثل نتنياهو.

3 – خسارة حزب الليكود، وزعيمه نتنياهو 6 مقاعد في انتخابات مارس 2021، وذلك مقارنة بحصوله على 36 مقعداً في انتخابات مارس 2020، وهي تلك المقاعد التي ذهبت لحزب "أمل جديد" بقيادة "جدعون ساعر"، الذي انشق عن الليكود في العام الماضي. ويرجع ذلك أيضاً إلى إجراء جلسات استجواب نتنياهو فيما يتعلق بقضايا فساد عشية الانتخابات.

4 – حصول المعسكر المؤيد لبنيامين نتنياهو على 59 مقعداً، وذلك بافتراض انضمام حزب يمينا إلى جبهة نتنياهو، فيما يمتلك المعسكر المضاد له 61 مقعداً، نظراً لصعوبة وجود القائمة العربية الموحدة "رعم" في أي ائتلاف بقيادة نتنياهو. وقد يؤدي ذلك إلى محاولة هذه الجبهة المضادة انتخاب رئيس للكنيست من بينها، وعرقلة العديد من مشروعات القوانين في حالة تمكن نتنياهو من تشكيل حكومة ائتلافية جديدة.

5 – استمرار حالة ضعف اليسار الإسرائيلي، فلم تحصل أحزاب اليسار "العمل وميريتس" سوى على 13 مقعداً، فيما حصل حزب "هناك مستقبل" ذو التوجهات الأقرب للوسط على 17 مقعداً، ليحل ثانياً بعد حزب الليكود.

6 – تراجع المقاعد العربية في الكنيست، على عكس التقارير العديدة التي تشير إلى تصاعد أهمية المقاعد العربية في الكنيست الإسرائيلي، فإنه يمكن التأكيد أن الأحزاب العربية حصلت على إجمالي 10 مقاعد فقط، وكانت تحصل في انتخابات سابقة على 15 مقعداً. أما فيما يتعلق بإمكانية انضمام قائمة "رعم" إلى ائتلاف نتنياهو، فيبدو هذا أمراً مستحيلاً نظراً لمعارضة حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف لهذا الخيار.

خيارات نتنياهو الصعبة:

على الرغم من أن النتائج النهائية تصب في صالح إمكانية تشكيل بنيامين نتنياهو حكومة ائتلافية جديدة، نظراً لحاجة كتلته المؤيدة إلى مقعدين إضافيين فقط حتى تصل إلى 61 مقعداً، فإن نتنياهو يواجه خيارات ومساومات صعبة مع الأحزاب الأخرى، وتتقاطع خياراته وتتناقض بشكل كبير مع رغبات بعض حلفائه من اليمين. ويمكن الإشارة إلى عددٍ من الملاحظات حول هذا الأمر فيما يلي:

1 – يبقى بنيامين نتنياهو هو الزعيم الأكثر تفضيلاً لدى عموم الجمهور اليهودي في إسرائيل، كما أشارت استطلاعات الرأي، حتى مع التصويت لصالح أحزاب أخرى. ويعزى ذلك إلى أن ثقافة المجتمع اليهودي التي تمزج بين البرامج الحزبية والزعيم القوي، فالإسرائيليون يفضلون الزعيم القوي الذي لديه خبرة في التعامل مع الخارج ومع القضايا الأمنية تحديداً، لا سيما في ظل افتقاد قيادات اليمين الأخرى الخبرات السياسية المطلوبة.

2 – سوف يسعى "نتنياهو" بكل الوسائل إلى محاولة تشكيل حكومة ائتلافية، تستمر ولو لشهر واحد فقط؛ وهذا يعني انتهاء اتفاقه تلقائياً مع زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني جانتس، في العام الماضي، والذي يقضي برئاسة نتنياهو مجلس الوزراء لمدة عام ونصف العام، ورئاسة "جانتس" المجلس عاماً ونصف العام بعدها. وسوف ينفض هذا الاتفاق في حالة تشكيل حكومة جديدة عقب انتخابات 23 مارس 2021، ولعل هذا كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت بنيامين نتنياهو يُقدِم على خطوة حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة عقب عدم الاتفاق على موازنة العام 2021.

3 – تواجه نتنياهو صعوبات في التحالف مع العديد من الأحزاب الأخرى التي ترجح كفة تشكيله حكومة جديدة، فمن ناحية أولى قد يعرض على "بيني جانتس" الاتفاق السابق نفسه، ولكن "جانتس" سوف يرفضه بالطبع، إلا في حالة أن يبدأ هو برئاسة الوزراء هذه المرة. كما يصعب على نتنياهو الدخول في اتفاق جديد مع "ليبرمان"، وهو أمر حدث سابقاً، لكن ثمة شروطاً صعبة لليبرمان قد لا يوافق عليها نتنياهو. وبالمثل لا يمكن لنتنياهو التحالف مع قائمة "رعم" العربية، وحتى إذا كانت هي المنقذ الوحيد لتشكيل الحكومة، فإنه خيار لا يبدو قائماً، لأن الأحزاب اليمينية المتشددة المتحالفة مع نتنياهو ترفض الائتلاف مع الأعضاء العرب بالكنيست، وهذا أمر ينطبق على الأحزاب اليهودية كافة داخل إسرائيل.

4 – لا تعني هذه الصعوبات إمكانية عدم نجاح نتنياهو في أحد أمرين، أولهما محاولة استمالة عضوين من قوائم يمينية أخرى إلى تحالفه اليميني، وثانيهما إمكانية عقد اتفاق مع حزب "يسرائيل بتنا" بزعامة ليبرمان، أو إيجاد تسوية ما مع "جدعون ساعر" رغم ما بينهما من خلافات، أو حتى إمكانية عقد اتفاق جديد مع "بيني جانتس" ولكن بشروط نتنياهو.

5 – لا يبدو أن "يائير لبيد" زعيم حزب "هناك مستقبل" حتى الآن قد يقبل الدخول في ائتلاف مع نتنياهو، وهو أمر غير قائم بوجه عام، فهو ينتظر فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة، إذ ربما يتم تكليفه لاحقاً لأن حزبه صاحب المركز الثاني في الانتخابات، ولكن هذا أمر شبه مستحيل، وحتى لو تم تكليفه فلا توجد فرصة حقيقية في إمكانية تكوين حكومة تجمع بين الوسط واليمين واليسار برئاسة "لبيد".

6 – بناءً على هذه المعطيات المتداخلة، فإنه في حالة فشل نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة، فإن إسرائيل قد تذهب إلى الانتخابات البرلمانية الخامسة في غضون سنتين. وحتى في حالة تشكيل حكومة جديدة، فإنها سوف تكون حكومة ائتلاف هش، وقد تسقط سريعاً، وهنا فإن المستفيد من هذه الحكومة، حال تشكيلها ثم حالة سقوطها، هو بنيامين نتنياهو نفسه.

أخيراً، يمكن القول إن نتائج الانتخابات الإسرائيلية لن تؤدي إلى تغيير فيما يتعلق بسياسة إسرائيل الخارجية بوجه عام؛ فالموقف الإسرائيلي ثابت فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، حيث يريد الإسرائيليون من إدارة "جو بايدن" إضافة ملف برنامج إيران الصاروخي لدى التفاوض مجدداً على الاتفاق النووي الإيراني.

وفيما يتعلق بملف عودة التفاوض مع الفلسطينيين، فإن نتنياهو وغيره من تيارات اليمين، لن يرفضوا التفاوض، فهم سوف يتفاوضون كما جرت العادة سابقاً، ولكن في أذهانهم عدم التوصل إلى نتائج حاسمة للمفاوضات. وفيما يخص قضية ضم الأراضي الفلسطينية، فسوف تجد أي حكومة جديدة نفسها أمام ضغوط وانتقادات قوية من أطراف عديدة، من إدارة "بايدن" والاتحاد الأوروبي، والدول العربية، وهو ما يصعب معه تنفيذ هذه الخطط الاستيطانية.