أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

"هواسونغ 19":

أي خيارات ممكنة لسيول وطوكيو أمام تطور قدرات بيونغ يانغ الصاروخية؟

08 نوفمبر، 2024


أطلقت كوريا الشمالية، في 31 أكتوبر 2024، أحدث وأقوى صاروخ بالستي عابر للقارات في ترسانتها الصاروخية، وهو الصاروخ "هواسونغ 19" (Hwasong-19)، الذي يزيد مداه عن 7 آلاف كيلومتر، وهو نسخة مُطوَّرة من الصاروخ "هواسونغ 18". ورصدت تقارير دولية أنه حقق أكبر عملية تحليق في تاريخ التجارب التي أجرتها بيونغ يانغ، وأنه يغطي مساحات أكبر من حيث مستوى التهديد قد تتجاوز البر الشرقي للولايات المتحدة إلى مساحات أوسع في العمق الأمريكي.

جاءت هذه التجربة كحدث مهم في سياق ذروة تفاعلات شديدة التعقيد يُتوقَّع أن تزداد تعقيداً أكثر مما هي عليه بشكل متسارع، في ظل تزايُد وتيرة سباقات التسلح بين الكوريتيْن، مقترناً بالموقف من حالة التسلح النووي، ولاسيما مع الإلحاح الداخلي في كوريا الجنوبية على الاستقلال النووي عن المظلة الأمريكية، حيث وصل الأمر في سيول إلى وضع سيناريوهات احتمالية لحرب نووية مُحتمَلَة بين الجارتين الكوريتين.

إن التقدير الرئيسي الذي تركز عليه وكالة الاستخبارات العسكرية في كوريا الجنوبية، والذي قُدِّمَ في إحاطة برلمانية مُغلَقَة قبيل يوم واحد من التجربة الصاروخية الكورية الشمالية، هو أن الخطوة المقبلة لبيونغ يانغ هي القيام بالتجربة النووية السابعة، خاصة وأن الاستعدادات لذلك باتت مكتملة تقريباً في الموقع التجريبي في موقع "بونجي ري"، وهي بلدة تقع في شمال شرق البلاد، بل ورجَّحت التقديرات ذاتها أن يتم التفجير في النفق رقم (3) المُعَد لإجراء مثل هذه التجارب.

سباق تسلح محموم:

إن ما يتصدر المشهد حالياً هو تبعات التجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها بيونغ يانغ، ولكن ما يلفت النظر كذلك أن كوريا الجنوبية استعرضت في مطلع الشهر ذاته صاروخاً جديداً هو "هيونموو 5" (Hyunmoo -5)، والذي لا يقل تميزاً عن نظيره الشمالي "هواسونغ 19"، وإن كانت سيول قد اكتفت بعرض الصاروخ فقط في ذكرى يوم تأسيس الجيش الوطني من دون تجريبه؛ ما يفرض هالةً من الغموض حول صاروخها الجديد. ويعكس تقارُب الزمن ما بين عرض الدولتين لهذين الصاروخين دلالة حول حالة سباق تسلح صاروخي غير مسبوق بينهما يبرره كل طرف بالحاجة إلى بناء قدرات الدفاع والجاهزية للردع.

وقد أشارت تحليلات دفاع أمريكية بناءً على تحليل صور عرض الصاروخ "هيونموو 5" والعلامات على أجهزة الإطلاق والقذف والتخزين، إلى أن الصاروخ يندرج ضمن استراتيجية "المحاور الثلاثة" التي تنتهجها كوريا الجنوبية حالياً، والتي صُمِّمَت لمواجهة التهديد المتزايد من القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. وتتألف هذه الاستراتيجية من ثلاث خطط معروفة باسم (سلسلة القتل، والدفاع الجوي والصاروخي، والعقاب والانتقام الشامل)، كما أعلنت سيول عن إنشاء قياده استراتيجية للإشراف على نظامها ثلاثي المحاور وتنسيق قدراتها على الضربات الدقيقة عَبْرَ جميع المجالات.

في المقابل، أظهرت تجربة بيونغ يانغ للصاروخ "هواسونغ 19" أنه صاروخ لا نظير له في ترسانتها الصاروخية من نفس الفئة، فقد بدت المنصة الصاروخية مختلفة عن الطرازات السابقة، ويُرجَّح أن هامش الخطأ محدود؛ ومن ثم هناك دقة أعلى في التوجيه، كما أن القياس التقديري لوزن الرأس الحربي يزيد كثيراً جداً عن النسخ السابقة في نفس عائلة الصاروخ.

استراتيجية التحالفات القطبية:

تبادَل الخصمان الكوريان التُّهم بتوسيع التحالفات التي تسهم في التصعيد المتبادل وحالة الاستقطاب ما بين الجانبين، فقد أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن حكومة بوينغ يانغ أن التجربة الجديدة تأتي على خلفية اتساع تحالفات سيول مع الولايات المتحدة واليابان؛ إذ أجرت الدول الثلاث مناورات بحرية في إبريل ومايو من العام الجاري 2024. وتنظر كوريا الشمالية إلى المناورات التي يجريها التحالف الثلاثي بقيادة الولايات المتحدة، على أنها تُشكِّل تهديداً لها، فرغم انطلاق المناورات البحرية من المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية وتحديداً (جزيرة جيجو)؛ فإن طبيعة الأسلحة المشاركة تشير لهذا التهديد حيث شاركت حاملة الطائرات الأمريكية "روزفلت" وغواصة نووية أمريكية ومدمرات يتم نشرها للمرة الأولى.

وعلى خلفية هذه المناورات واجتماع وزراء دفاع وخارجية الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، اتهمت وزيرة خارجية كوريا الشمالية، تشوي سون هوي، الدولتين، في الأول من نوفمبر الجاري، بالتخطيط لشن هجوم نووي على بلادها، وذلك خلال اجتماع مع نظيرها الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو، في اليوم التالي للتجربة.

وعشية إطلاق الصاروخ "هواسونغ 19"، كان الاشتباك بين الجانبين محتدماً في مجلس الأمن الدولي، حيث ذكر نائب المندوب الأمريكي، ربوت هوود، أن بيونغ يانغ أرسلت الآلاف من الجنود إلى كورسك الروسية، وهو ما رد عليه سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا بالنفي، وبأن التقارير الأمريكية هي "أكاذيب مكشوفة". وفي ضوء ذلك رجَّحت تقارير أمريكية أن روسيا ستقدم خبراتها الصاروخية إلى كوريا الشمالية في مقابل الدعم الذي تقدمه الأخيرة لها في الحرب مع أوكرانيا. وردت على ذلك تقارير لوكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية بتأكيد حرص بيونغ يانغ على الملكية الحصرية للتجربة الصاروخية.

في السياق ذاته؛ تصاعدت حدة الموقف الكوري الشمالي على خلفية انعقاد لجنة (2+2) بين سيول وواشنطن، بالتزامن مع إطلاق التجربة الكورية الشمالية، وهي لجنة مُشكَّلة من وزارتي الخارجية والدفاع في الدولتين؛ إذ نقل تقرير لوكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية في تعقيبه على اجتماعات اللجنة، نقلاً عن مسؤولين، أن "كوريا الشمالية لا تملك خياراً سوى مواصلة الجهود لتعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية"، متهمين واشنطن وسيول بدفع شبه الجزيرة الكورية إلى سيناريوهات الحرب، وهو ثاني تصريح في نفس اليوم الذي صرحت فيه وزيرة الخارجية بأن هناك تخطيطاً لحرب نووية.

تقديرات سيول لفاعلية النهج الأمريكي:

في العام الماضي، أصدرت الولايات المتحدة إعلان 2023، بشأن السياسية الأمريكية تجاه كوريا الشمالية ضِمْن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وتضمن الإعلان خمسة مبادئ رئيسية، وهي (1 - ستعيد كوريا الجنوبية الالتزام بنظام منع الانتشار النووي. 2 - تلتزم واشنطن ببذل كل جهد ممكن للتشاور مع سيول قَبْل استخدام الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية. 3 – سوف تنشئ الدولتان مجموعة استشارية نووية رفيعة المستوى. 4 - ستقوم الولايات المتحدة بنشر الأصول الاستراتيجية بشكل مرئي. 5 - ستعمل الدولتان على تعزيز التدريبات والمناورات العسكرية مع دمج القدرات الكورية الجنوبية في التخطيط الاستراتيجي للولايات المتحدة).

وفي أعقاب التجربة الصاروخية الكورية الشمالية، سارعت الولايات المتحدة مباشرة إلى إجراء مناورة جوية مع كوريا الجنوبية واليابان، شاركت فيها القاذفة النووية (B1B)، إلى جانب مقاتلات استراتيجية تابعة لكل من سيول وطوكيو. 

ومع ذلك، فإن تقديرات كوريا الجنوبية لجدول أعمال المناورات المُشترَكَة تعكس تجدُّد الشكوك حول فعالية سلوك الردع الأمريكي تجاه كوريا الشمالية؛ إذ تتفق العديد من التقديرات الكورية الجنوبية حول أن الردع الأمريكي على طريقة حلف شمال الأطلسي "الناتو" قد يأتي بارتدادات عكسية ربما تجعل كوريا الشمالية أكثر تشدداً في سياساتها الدفاعية.

ومن اللافت للنظر أن هناك تقديرات أمريكية تتبنى نفس الموقف، حيث يشير عدد من محللي الدفاع الأمريكيين الذين لديهم خبرات في المنطقة، إلى أن تضمين استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للسياسة الحمائية لكوريا الجنوبية، تحت عنوان "سياسة الردع المتكامل"، والإطار الهيكلي الذي أسفرت عنه من تشكيل لجنة للتشاور النووي هو مجرد سياسات تكتيكية، لكنها لا تعكس استراتيجية القوة والنفوذ الأمريكي لردع بيونغ يانغ في نهاية المطاف.

وبالعودة إلى التقديرات -غير الرسمية- في سيول، فإنها تشير إلى طرح خيارات جدية في كواليس اللقاءات المُشترَكَة (2+2)، من بينها إطلاق يد كوريا الجنوبية في التسلح النووي؛ لبناء توازن ردع مع نظريتها الشمالية، أو إعادة نشر أسلحة نووية تكتيكية أمريكية في كوريا الجنوبية. وتستند هذه التقديرات أيضاً على استطلاعات رأي عام تشير إلى صعود مؤشر التأييد الشعبي لبناء ترسانة نووية مستقلة، منها استطلاع أجراه معهد كوريا الجنوبية للتوحيد الوطني في العام الجاري؛ إذ أظهر دعماً شعبياً بنسبة 66% لتطوير كوريا الجنوبية أسلحتها النووية، بزيادة ست نقاط عن استطلاع سابق أجري في العام الفائت 2023. كما يُلاحَظ تكرار السؤال من جانب محللي الدفاع في سيول بشأن ماذا لو اندلعت حرب نووية بين الكوريتين؟ وكيف يمكن أن تكون حالة الاستجابة في ظل سيناريو من هذا النوع؟

ومع ذلك، فالخيار الأرجح حتى الآن يتجه إلى نشر أسلحة نووية تكتيكية أمريكية، وهو ما ألمحت له وكالة يونهاب الكورية الجنوبية، والتي نقلت عن مصادر في الجيش الكوري الجنوبي أن الولايات المتحدة تستعد لنشر "أصول استراتيجية" -في إشارة عادة إلى القدرات التقليدية والنووية- رداً على تجارب كوريا الشمالية الصاروخية. وكإجراء عاجل أيضاً، أعلنت الخارجية الأمريكية عن فرض ضوابط جديدة على 15 مادة تُستخدَم في هياكل وأنابيب احتراق الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب لتقييد قدرة كوريا الشمالية على الوصول إليها.

الموقف الياباني:

سارعت اليابان فور إجراء التجربة الصاروخية الكورية الشمالية إلى إدانتها، ويبدو أنها كانت على علم مُسبَق قبيل إجراء التجربة بيوم واحد على الأقل، حيث جرى تبادُل معلومات مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، فبناءً على تقارير صادرة عن طوكيو، رصدت الاستخبارات العسكرية الكورية الجنوبية في 30 أكتوبر استعداد كوريا الشمالية لتجربة إطلاق صاروخي جديدة.

ولا شك في أن اليابان تستشعر التهديد الصاروخي الكوري الشمالي، فإذا كانت الصواريخ النووية قصيرة المدى تُمثِّل تهديداً مباشراً لكوريا الجنوبية؛ فإن الصواريخ الطويلة المدى والعابرة للقارات تُشكِّل تهديداً لليابان وللبر الرئيسي الأمريكي؛ إذ كانت الصواريخ العابرة للقارات التي تجري بيونغ يانغ تجارب نوعية عليها، تمر فوق الأجواء اليابانية، كما حدث في عام 2017، عندما اختبرت كوريا الشمالية آنذاك الصاروخ "هواسونغ 12".

ومن وجهة نظر طوكيو، فإن الصاروخ "هواسونغ 19" الجديد يتميز بأنه يتجه إلى الفضاء بسرعة قياسية قَبْل العودة إلى الغلاف الجوي، حيث يُطلَق بزاوية عالية؛ مما يعني أنه يتحرك بزاوية شديدة الانحدار تكاد تكون عمودية تقريباً؛ ومن ثم يتفادى أكبر مساحة ممكنة من أراضي الجوار. وتضمن أول تصريح رسمي لوزير الدفاع الياباني، جين ناكاتاني، الإشارة إلى أن الصاروخ سقط خارج المياه الاقتصادية اليابانية على بعد نحو 200 ميل غرب جزيرة أوكوشيري في هوكايدو، ولم تكن هناك أية أضرار، مشيراً في الوقت ذاته إلى التجربة القياسية التي حققها الصاروخ.

في ضوء ذلك، يمكن النظر إلى ثلاثة اعتبارات رئيسية فيما يتعلق بالموقف الياباني من هذه التجارب الصاروخية، أولها أن اليابان ستواصل بشكل رئيسي تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مع الأخذ في الاعتبار أن التحالف ذاته يمرر رسائل إلى الصين، حيث توجد نزاعات بحرية بين الأخيرة واليابان. وثانيها يتعلق بمساعي تعزيز مظلة الحماية النووية الأمريكية. وثالثها يرتبط بزيادة الإنفاق العسكري، وهو واضح من موازنة الدفاع القياسية التي أُقِرَّت لعام 2024، وبلغت 7.95 تريليون ين (55.9 مليار دولار أمريكي) بنسبة زيادة بلغت 16.5% مقارنةً بعام 2023، بالإضافة إلى زيادة سنوية متصاعدة لتصل إلى 62.5 مليار دولار في عام 2027. ليكون إجمالي الموازنة الخماسية 302 مليار دولار، وهي ميزانية دفاع تاريخية في اليابان.

ما التالي؟

يمكن القول إن بيونغ يانغ حققت قفزة نوعية من الناحية الفنية في البرنامج الصاروخي، ومن مظاهر ذلك الزمن القصير بين تجربتين أجريتا خلال عام واحد على "هواسونغ 19"، والإشارات الإيجابية على التحسن الهائل في القدرات؛ لكن في المقابل هناك علامات أخرى غامضة أو بصيغة أخرى تظل علامات استفهام أثارتها بعض التقديرات الفنية المتخصصة، في إطار مخرجات برامج المحاكاة التي أجريت على الصاروخ، وتتعلق بالحجم الهائل للصاروخ بما قد لا يمكن معه استخدامه في الحروب.

ومع هذا التطور الكوري الشمالي الهائل، وامتلاك بيونغ يانغ ما بين 50 إلى 80 رأساً نووياً، وربما أكثر، وفق تقديرات متفاوتة، وبالنظر إلى فوز الرئيس دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية؛ فربما تكون الخطوة المقبلة التي تركز عليها كوريا الجنوبية هي التجربة النووية المقبلة، وربما تلمح تقارير يابانية إلى الأمر ذاته، خاصة وأن الدولتين تربطان الأمر أيضاً بوجود قوات كورية شمالية تدعم روسيا في حربها في أوكرانيا، وأن اتجاه كوريا الشمالية للانخراط في حرب من هذا النوع ستكون له تداعياته على البرنامج النووي الكوري الشمالي بشكل أو بآخر.

ويرتبط هذا الاحتمال كذلك بما يعتبره البعض تناقضاً ما بين التصريحات والتسريبات التي تخرج رسمياً من عواصم التحالف الثلاثي (واشنطن، سيول، طوكيو)، والتي تشير إلى أن الاتجاه المرحلي هو زيادة التنسيق الاستراتيجي المُشترَك، لكن في الكواليس، وعلى المستوى غير الرسمي، هناك انتقادات واسعة للبقاء في موثوقية المظلة النووية الأمريكية كخيار رئيسي، حيث تذكر بعض التقديرات في اليابان وكوريا الجنوبية، أن هناك تآكلاً في تلك المظلة، وأنه يتعين أن تكون هناك إجراءات أكثر فعالية للردع، دون تجاهل أهمية المظلة الأمريكية لحين وجود بدائل.

ومما لا شك فيه، ينطوي طرح البدائل للمظلة النووية الأمريكية على خطورة، فعلى الرغم من امتلاك برامج نووية وقاعدة واسعة للمفاعلات والخبرة المعرفية والكوادر؛ فإن ما يمكن اعتباره الأخطر، هو الزمن الممكن للتحول إذا ما أصبح البديل هو الوصول إلى حالة توازن نووي، والذي لن يقتصر في تداعياته على كوريا الشمالية فقط؛ إذ سوف ترى الصين أن هذا سيكون مُوجَّهاً لها أيضاً؛ ومن ثم تتحوط واشنطن لإجراء كوري جنوبي وياباني من هذا النوع؛ لأنه سوف يقلب كل الموازين في شرق آسيا.

أخيراً، إن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تحمل معها نوعين مختلفين من الاستجابة من جانب كوريا الجنوبية واليابان، فهما سوف تتجهان أكثر إلى الاعتماد على الذات بما في ذلك احتمال امتلاك السلاح النووي لردع التهديد الكوري الشمالي المُحتَمَل، لكنهما في الوقت ذاته سوف تنتظران الرسائل السياسية من البيت الأبيض والبنتاغون تجاه كوريا الشمالية في بداية ولاية ترامب الجديدة، بمعنى التحولات المُحتَمَل حدوثها فيما بين الحلفاء أنفسهم من جانب، وفي نهج ترامب مع كوريا الشمالية والصين وروسيا من جانب آخر، فعلى سبيل المثال، أجرت بيونغ يانغ في عهد إدارة جو بايدن 115 تجربة إطلاق صاروخية، وهو ضعف العدد الذي أجرته أثناء ولاية ترامب الأولى (2016 -2020)؛ أخذاً في الاعتبار أن الوضع اليوم مختلف كثيراً بالنسبة لكوريا الشمالية مقارنة بعام 2018 لناحية القدرات الصاروخية والنووية، وأخذاً في الاعتبار كذلك التحولات الخطرة في بيئة الأمن الإقليمي في شرق وشمال شرق آسيا، وسط حرب جارية في أوكرانيا وحرب إقليمية تجري في الشرق الأوسط.