أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

ضغوطات متزامنة:

حدود تأثر الدعم الغربي لأوكرانيا بعد حرب غزة

18 أكتوبر، 2023


يؤدي الدعم الغربي، المادي أو العسكري، لأوكرانيا دوراً مركزياً في حربها ضد روسيا، سواءً عبر تمكينها من صد الهجمات الروسية بشكل أكثر فعَّالية، أم عبر تعزيز قدراتها الهجومية المتطورة لمهاجمة أهداف روسية محددة أو تحرير المناطق التي سيطرت عليها موسكو. ومع ذلك، تُظهر عدة مؤشرات في الفترة الأخيرة احتمالية تراجع هذا الدعم الغربي لأوكرانيا، وكان أحدثها التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني الراهن وبالتالي إمكانية تحول وجهة الدعم الغربي ناحية تل أبيب، وهو ما قد يضع كييف أمام خيارات صعبة، وربما يسهم بدوره في تغيير مسار الحرب الجارية.  

مؤشرات التراجع:

يمكن رصد ثلاثة مؤشرات على تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وذلك كالتالي:

1- تجميد الكونغرس الأمريكي المساعدات لأوكرانيا: في مطلع أكتوبر الجاري، وفي محاولة لمنع حدوث إغلاق حكومي في الولايات المتحدة، صادق الكونغرس الأمريكي على مشروع قرار تمويل قصير الأجل للموازنة يمتد لـ45 يوماً، لكنه شمل تعليقاً مؤقتاً لتقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا تبلغ حوالي 6 مليارات دولار، والذي أعقبه عزل رئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، يوم 3 أكتوبر الجاري، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ الأمريكي، مما يزيد من تعقيد موقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، حيث يشهد مجلس النواب من بعدها حالة من الشلل.

واللافت أن قرار تجميد المساعدات الأمريكية لكييف جاء في أعقاب زيارة الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، للولايات المتحدة في سبتمبر الماضي، وحثه لأعضاء الكونغرس على مواصلة تقديم المساعدات لبلاده، لكن يبدو أن تصاعد أصوات الفصيل المتشدد من الجمهوريين الذين يقودهم الرئيس السابق، دونالد ترامب، والداعمين لوقف إرسال مزيد من الأموال الأمريكية للخارج، قد أسهم بشكل محوري في تجميد تلك المساعدات في الموازنة المؤقتة. وعلى الرغم من محاولة الرئيس جو بايدن طمأنة كييف وحلفاء واشنطن، ودعوته الكونغرس لإقرار مساعدات إضافية لأوكرانيا؛ لم تفلح هذه التحركات حتى الآن في تبديد القلق والتوتر الذي أصاب أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين.

2- الخلافات بين أوكرانيا ودول شرق أوروبا: شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً في الخلافات بين كييف وبعض دول شرق أوروبا بسبب تدفق الحبوب الأوكرانية إلى أسواقها الداخلية؛ إذ أعلنت كل من بولندا وسلوفاكيا والمجر فرض قيود على واردات هذه الحبوب في تحدٍ لقرار المفوضية الأوروبية بعدم تمديد حظرها على الواردات إلى الدول الخمس المجاورة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. وهو ما نُظر إليه من جانب الرئيس زيلينسكي بأنه يخدم مصالح روسيا، مما أدى إلى توتر العلاقات مع هذه الدول وبصفة خاصة بولندا التي أعلن رئيس وزرائها، ماتيوش مورافيتسكي، في 21 سبتمبر الماضي، أن بلاده ستتوقف عن تسليح أوكرانيا لتركّز على تعزيز قوتها الدفاعية، ثم عاد وصحح هذه التصريحات، متعهداً بالالتزام بتسليم الأسلحة التي اُتفق عليها. 

ومعروف أن وارسو تُعد حليفاً رئيسياً لكييف منذ اندلاع الحرب الروسية في فبراير 2022، كما أنها واحدة من موردي الأسلحة الرئيسيين إليها، وتستضيف حوالي 1.5 مليون لاجئ أوكراني تم دعمهم بأشكال مختلفة من المساعدات الحكومية. وبالتالي فإن توتر العلاقات الأوكرانية مع بولندا، ربما لن يؤدي فقط إلى خسارة حليف مهم، بل إنه أيضاً قد يدفع حلفاء آخرين لحذو حذوها ووقف الدعم العسكري لكييف. 

وتتابع أوكرانيا ومؤيدوها في الغرب تداعيات نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في بولندا يوم 15 أكتوبر الجاري، وأسفرت عن خسارة حزب القانون والعدالة المحافظ الحاكم، الأغلبية في البرلمان لصالح أحزاب المعارضة بقيادة الائتلاف المدني الليبرالي.

3- فوز الحزب الشعبوي الموالي لروسيا في انتخابات سلوفاكيا: فاز حزب "سمير-أس دي" (Smer-SD) الشعبوي الذي يتزعمه رئيس وزراء سلوفاكيا السابق روبرت فيكو (59 عاماً)، وهو سياسي موالٍ لروسيا، في الانتخابات السلوفاكية التي جرت يوم 30 سبتمبر الماضي، وذلك بحصوله على 23.3% من إجمالي الأصوات (42 مقعداً من أصل 150)، متغلباً على حزب "سلوفاكيا التقدمية الوسطى" الذي حصل على 17% من الأصوات، لكنه سيظل يحتاج إلى شركاء آخرين لتشكيل الحكومة. وبنى فيكو حملته الانتخابية على تعهدات مناقضة للفكر الأوروبي الحالي، ومنها ألا ترسل سلوفاكيا "قطعة ذخيرة واحدة" إلى أوكرانيا، ودعا إلى تحسين العلاقات مع روسيا. كما صرَّح للصحفيين، بعد الفوز في الانتخابات، بأن لسلوفاكيا وشعبها مشكلات أكبر من العلاقات مع كييف.

ومن المتوقع أن يُحدث فيكو تغييرات في السياسة الخارجية لبلاده للوفاء بتعهداته أمام ناخبيه، أو على الأقل سيوظِّف هذا التوجه ضد كييف كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على المزيد من المزايا الاقتصادية التي تساعده على مواجهة التحديات الداخلية، على غرار ما فعلته جورجيا ميلوني في إيطاليا عندما تولت رئاسة الحكومة العام الماضي. 

دوافع مختلفة:

هناك عدة دوافع أو أسباب قد تقف وراء احتمالية تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا، منها ما يلي: 

1- عدم القدرة على حسم الحرب: من بين هذه الأسباب عدم قدرة القوات الأوكرانية على حسم الحرب مع روسيا، بالرغم من المساعدات العسكرية الكبيرة التي تم تقديمها لكييف سواءً من الولايات المتحدة أو الغرب عموماً. وثمة سبب آخر هنا يتعلق بمخاوف الدول الداعمة من انتشار الفساد داخل الحكومة الأوكرانية، والذي دفع زيلينسكي لشن حملة واسعة لمكافحته، شملت إقالة عدد من المسؤولين كان آخرهم وزير الدفاع، أوليكسي ريزنيكوف.

2- الضغوط الداخلية في الدول الداعمة: هناك عدة أسباب ترتبط بانخفاض الحماس في بعض الدول الغربية لاستمرار دعم أوكرانيا، منها تزايد الأعباء الاقتصادية في هذه الدول، إلى جانب المخاوف من استنزاف الموارد العسكرية الخاصة بها، خاصةً مع طول أمد الحرب الجارية دون وجود أفق واضح لانتهائها. وهذا ما عكسته تصريحات الرئيس البلغاري، رومين راديف، يوم 6 أكتوبر الجاري، بأن "أوروبا لم تعد قادرة على تحمل استمرار النزاع في أوكرانيا، وأن إرسال المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا لن يؤدي إلى تسوية النزاع".

3- توجيه الدعم العسكري لصراعات أخرى: إن اندلاع أو تجدد الصراعات في مناطق مختلفة من العالم قد تكون له تأثيرات مباشرة في حجم المساعدات العسكرية والمالية المُقدمة لأوكرانيا في صراعها العسكري مع روسيا. ويُشار في هذا الصدد إلى التصعيد الراهن بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، إذ عملت الولايات المتحدة بشكل سريع على توفير المعدات العسكرية والذخائر وغيرها لإسرائيل.

وربما تحتاج أوكرانيا وإسرائيل إلى أسلحة مختلفة، حيث تريد كييف كميات هائلة من ذخيرة المدفعية، بينما تطلب إسرائيل ذخائر جوية دقيقة التوجيه وصواريخ اعتراضية للقبة الحديدية. ولكن في حال قررت إسرائيل القيام بعملية برية في قطاع غزة والشروع في حرب طويلة، فسيكون لزاماً على كييف أن تقلق بشأن المنافسة مع تل أبيب على صواريخ "باتريوت" الأمريكية، فضلاً عن قذائف المدفعية "عيار 155 ملم" وغيرها من الأسلحة التي تحتاج أوكرانيا بشدة إلى المزيد منها.

وفي هذا الإطار، أشار "معهد دراسات الحرب"، ومقره واشنطن، يوم 7 أكتوبر الجاري، إلى أن روسيا بدأت في توظيف هجمات حماس لدفع عملية إعلامية مكثفة عبر نشر معلومات تلوم الدول الغربية إلى حد كبير على إهمال الصراعات في الشرق الأوسط لصالح دعم أوكرانيا، بما يهدف إلى تقليص الاهتمام الأمريكي والغربي بالحرب الأوكرانية.

ومن جانبها، سعت إدارة الرئيس بايدن لطمأنة حلفاء واشنطن في كييف وتل أبيب بشأن المساعدات العسكرية المُقدمة لهم. وكشف مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، يوم 15 أكتوبر الجاري، عن أن حزمة المساعدات الجديدة المُتوقع تقديمها لإسرائيل وأوكرانيا من الأسلحة ستتجاوز قيمتها ملياري دولار بكثير، مؤكداً أن بايدن سيجري محادثات مكثفة مع الكونغرس هذا الأسبوع حول ضرورة الموافقة على هذه الحزمة. كما قالت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، يوم 16 أكتوبر الجاري، من لوكسمبورغ، إن "الولايات المتحدة قادرة بالتأكيد على أن تدعم إسرائيل وتُلبي احتياجاتها العسكرية، وفي الوقت نفسه يمكننا وعلينا أيضاً أن ندعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا".

مسارات مُحتملة:

في حالة حدوث تراجع في الدعم الغربي لأوكرانيا ضد روسيا، فإن ذلك سيكون له تأثيرات عميقة في كييف، خاصةً أن صمودها في مواجهة موسكو يرتكز بالأساس على هذا الدعم. وتزداد الأزمة عمقاً في حالة تراجع الدعم الأمريكي تحديداً، لأن القوى الأوروبية لن تتمكن من تعويض هذا النقص، بما يجعل أوكرانيا عُرضة بشكل أكبر لمزيد من الخسائر في مواجهة الروس وبالتالي احتمالية تغيير مسار الصراع في الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من أنه ليس مُتوقعاً أن يتراجع الدعم الأمريكي بالصورة التي تسمح بانتصار روسيا في الحرب؛ نظراً لما لذلك من تداعيات سلبية على الولايات المتحدة نفسها وصورتها أمام حلفائها وصراعها العالمي مع موسكو في المقام الأول؛ فإن استمرار تقديم هذا الدعم لا يُتوقع أن يظل بنفس الوتيرة، خاصةً في حال عودة ترامب إلى السلطة.

ونظراً لاحتمالية تراجع الدعم الغربي، بدأت أوكرانيا تتحرك في مسار تسليح نفسها؛ إذ اجتمع قادة أوكرانيون في كييف مطلع أكتوبر الجاري مع المئات من ممثلي أكثر من 250 شركة دفاعية عالمية ومسؤولي الدفاع في الدول الحليفة لتعزيز الإنتاج الدفاعي المشترك، وأكد زيلينسكي أنه خصص تمويلاً من ميزانية البلاد للمساعدة في تمويل هذا التعاون، ما يعكس إرادة أوكرانية للاستمرار في مواجهة القوات الروسية. بيد أن الوقت الذي يحتاجه الإنتاج الدفاعي المشترك لا يتناسب مع الاحتياجات الأوكرانية العاجلة على أرض المعركة، بما يجعلها في حاجة ماسة إلى مواصلة الحلفاء تقديم مساعداتهم العسكرية والمادية لتعزيز قدراتها على صد الهجمات الروسية على الأقل.

وتفرض هذه التطورات مسارين محتملين للصراع الروسي الأوكراني خلال الفترة المقبلة؛ أولهما استمرار الغرب في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، مع حث الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي وتحديداً فرنسا، على زيادة دعمها العسكري، لتلبية جزء من الاحتياجات الأوكرانية في الصراع الحالي. لكن أزمة هذا المسار أن ذلك الدعم قد لا يستمر طويلاً. 

فيما يفترض المسار الثاني تراجع الدعم الغربي لكييف بالفعل، وفي هذه الحالة سيُدرك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عدم قدرة الغرب على تقديم مزيد من الإمدادات لأوكرانيا، بما سيجعله يراهن على إطالة أمد الحرب لإرهاق الأوكرانيين وحلفائهم، وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.

ختاماً، لا يُرجح أن يتوقف الدعم الغربي لأوكرانيا في الحرب ضد روسيا، خاصةً مع التأكيدات والتطمينات الأمريكية، لكن تراجعه، لأي من الأسباب السابق ذكرها، من شأنه أن يؤثر في مسار هذه الحرب، وربما يُقدِّم فرصة ذهبية لموسكو في صراعها مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة. كما يتعين الأخذ في الاعتبار أن أياً من مسارات الدعم الغربي لأوكرانيا سيتوقف بشكل كبير على المدى الزمني للحرب الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة، ومدى توسعها لتشمل جبهات أخرى في لبنان وسوريا، وأيضاً مدى انخراط قوى دولية وإقليمية أخرى مثل روسيا وإيران في الأزمة الراهنة.