أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

هل يرتبط استهداف الكرملين بـ"هجوم الربيع" الأوكراني؟

11 مايو، 2023


في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 3 مايو 2023، وبفاصل زمني مدته 15 دقيقة، وقع انفجاران بمُسيّرتين في سماء الكرملين، حيث شاهد الملايين حول العالم انفجاراً أضاء قبة المبنى الذي يعلوه العلم الروسي، وهو مقر مجلس الشيوخ القديم ويستخدمه الرئيس فلاديمير بوتين لاستقبال ضيوفه أحياناً أو للعمل.

وبعد نحو 12 ساعة من وقوع الحادث، أصدر المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، بياناً يقول إنه جرت "محاولة اعتداء على حياة الرئيس"، الذي لم يكن في الكرملين في ذلك الوقت، وأن قوات الدفاع الجوي أحبطت الهجوم، والذي لم يسفر عن إصابات أو أضرار جدية. وأضاف: "تعتبر هذه الأعمال عملاً إرهابياً مخططاً له، ومحاولة لاغتيال رئيس روسيا الاتحادية، نُفذت عشية يوم النصر في 9 مايو".

كذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تحتفظ بالحق في "اتخاذ تدابير انتقامية في التوقيت والمكان الذي تقرره"، بينما ذكر وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي بالعاصمة الهندية يوم 5 مايو 2023، على هامش مشاركته في مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة شنغهاي للتعاون، أن روسيا "سترد بإجراءات ملموسة" وأن الأمر يتعلق بـ"عمل عدائي، ولم يكن بإمكان إرهابيي كييف ارتكابه دون علم الرعاة الغربيين". 

في المقابل، أنكر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي كان في قمة مع قادة دول شمال أوروبا في فنلندا، أي تورط لكييف في الهجوم على الكرملين، متهماً موسكو بتدبير الانفجار من أجل حشد الدعم الداخلي قبل "شن استفزاز إرهابي واسع النطاق". ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، يوم 3 مايو الجاري، عن زيلينسكي قوله: "نحن لا نهاجم بوتين أو موسكو، نحن نقاتل على أراضينا، نحن ندافع عن قرانا ومدننا. ليس لدينا ما يكفي من الأسلحة لذلك". 

ومن جانبه، رفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، في تصريحات له يوم 4 مايو الجاري، أي مسؤولية للولايات المتحدة عن هذا الحادث، قائلاً: "أياً كان هذا الحادث، فإننا لم ننخرط فيه". وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قال في تصريحات له يوم 3 مايو الجاري: "نحن ببساطة لا نعرف.. نحن نأخذ أي شيء يأتي من الكرملين بحذر شديد".  

وبصفة عامة، أثار هجوم الكرملين، والذي نُظر إليه غربياً على أنه فشل أمني روسي، تفسيرات عديدة حول حقيقة ما حدث، وهل يؤشر لقرب بدء الهجوم المُضاد الأوكراني؟ وما هي دلالات هذا الحادث؟

تفسيرات مختلفة

ثمة تفسيرات عديدة للهجوم على الكرملين، يمكن توضيحها في النقط التالية:

1- حذرت تقديرات غربية (أمريكية وأوروبية)، مدعومة بدعاوى أوكرانية، من إمكانية أن يكون حادث الكرملين بفعل الروس أنفسهم، كي يُستخدم كذريعة من قِبل القيادة في موسكو للمزيد من تصعيد الحرب في أوكرانيا من خلال ضرب المباني الحكومية في كييف، وربما قصف مباني الرئاسة الأوكرانية. وأضافت هذه التقديرات، في هذا السياق، أن الحادث قد يؤدي إلى المزيد من ضغوط القوميين الروس على القيادة لمضاعفة أعداد الجنود، وربما الانتقال إلى مرحلة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

وقد عززت تلك التقديرات وجهة نظرها بالقول إنه بعد هجوم الكرملين، لُوحظ إطلاق العديد من الصواريخ على كييف وأوديسا والمدن والبلدات الأوكرانية، باستخدام المُسيّرات والصواريخ. كذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في إفادتها اليومية يوم 3 مايو الجاري، أن صواريخها بعيدة المدى دمرت مجمعاً للصناعات العسكرية، خلال الساعات الـ 24 الأخيرة، وأنه نتيجة للضربات تعطل عمل الشركات التي تنتج الذخيرة والأسلحة والمعدات العسكرية للقوات الأوكرانية، وذلك وفقاً لوكالة "سبوتنيك" الروسية.

2- ثمة تفسير آخر، ربما هو الأقرب إلى المنطق، يقول إن إحدى الخلايا الإرهابية في الداخل الروسي هي من قام بتنفيذ الانفجارين، خاصة أن حوادث التفجير كثرت في الفترة الأخيرة، وآخرها استهداف سيارة السياسي والكاتب الروسي زاخار بريليبين في 5 مايو الجاري، والمعروف بدعمه القوي للرئيس بوتين وللعملية العسكرية في أوكرانيا. وفي هذا السياق، يستدعي بعض الخبراء تفجير جسر القرم في أكتوبر من العام الماضي، والذي تم بفعل عناصر داخلية، وأنه في وقت سابق من وقوع الانفجارين، أعلن جهاز الأمن الفدرالي الروسي تفكيك شبكة استخبارات عسكرية أوكرانية كانت تُعد "لمحاولات اغتيال قادة في شبه جزيرة القرم".

3- اتصالاً بما تقدم، لم تستبعد بعض التقديرات كلا التفسيرين المُشار إليهما في البندين (1) و(2) عاليه. فقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست"، في عددها الصادر يوم 5 مايو الجاري، عن جيمس نيكسي James Nixey، مدير برنامج روسيا وأوراسيا في معهد "تشاتام هاوس"، عدم استبعاده تورط أوكرانيا، رافضاً ادعاء الكرملين بأن الأمر يتعلق بمحاولة اغتيال بوتين، وقال إن الاحتمالين الأكثر ترجيحاً هما أن الهجوم "طلقة تحذيرية" من كييف، أو عملية "مفبركة" من موسكو لتبرير هجمات أكثر كثافة على أوكرانيا أو المزيد من عمليات التجنيد والتعبئة للحرب الجارية. ويضيف التقرير أن روسيا اتهمت أوكرانيا مراراً بشن هجمات على مواقع رئيسية داخل الأراضي الروسية، وكثيراً ما ردت كييف بتصريحات علنية غامضة تشير فيها إلى أنها لا تتحمل المسؤولية المباشرة عن الضربات، إلا أنها تراقبها "بسرور". ويستطرد فيذكر أن المسؤولين الأوكرانيين، في أحاديثهم الخاصة، يعترفون بدور في بعض الضربات "الأكثر دراماتيكية"، مثل هجوم المُسيّرات العام الماضي على قاعدة إنجلز الجوية الاستراتيجية في ساراتوف، على بُعد مئات الأميال من الحدود الأوكرانية. كما قالت كييف علناً أنها تطور طائرات من دون طيار طويلة المدى.

من ناحية أخرى، ونقلاً عن صحيفة "واشنطن بوست" أيضاً، حذر "مسؤول كبير في حلف شمال الأطلسي" من أنه لا يوجد دليل حتى الآن يشير إلى أن أوكرانيا استهدفت الرئيس بوتين، قائلاً: "من الصعب جداً الجزم بذلك". كما أشار "مسؤول دفاعي أوروبي" إلى سهولة الحصول على الطائرات المُسيّرة، والتي يبدو أنها اُستخدمت في الهجوم، من قِبل شخص ما في موسكو أو بالقرب منها، مضيفاً أن العبوة الناسفة على المُسيّرة بدت صغيرة.

4- في السياق عاليه، وبعد تصريحات نارية من كبار المسؤولين الروس بسبب صدمة الهجوم على الكرملين، والتي تضمنت دعوات للانتقام وتوجيه اتهامات مباشرة للولايات المتحدة وحلف "الناتو"، عاد المتحدث باسم الكرملين، بيسكوف، وتبنى لهجة هادئة تعكس الرغبة في فهم ما حدث. ففي إفادته الصحفية اليومية في اليوم التالي للحادث، وحول رد الفعل الروسي المُحتمل على الهجوم، قال بيسكوف: "إن لجنة تحقيق روسية فتحت قضية هجوم إرهابي.. لا يمكننا الحديث سوى عن خطوات مدروسة ومتوازنة وتتوافق مع مصالحنا". وأضاف: "كما تعلمون، في مثل هذه المواقف المعقدة والمتطرفة، يكون الرئيس دائماً هادئاً وجامعاً ودقيقاً في تقييماته وفي الأوامر التي يصدرها".

تصعيد متبادل

في تصريحات له يوم 4 مايو الجاري، ذكر قائد قوات "فاغنر" الروسية، يفغيني بريغوجين، أن الهجوم الأوكراني المُضاد بدأ بالفعل، وأن قواته تراقب "نشاطاً" أوكرانياً متزايداً على طول الجبهة، مضيفاً أن "المرحلة النشطة" من الهجوم المُضاد ستبدأ في الأيام المقبلة. ومن الصعب القول إن هجوم المُسيّرتين على الكرملين يؤشر لقرب وقوع هجوم الربيع المُضاد من قِبل أوكرانيا، ومن الواضح أن كلا الجانبين المُتحاربين قد صعد هجماته أخيراً. وفي هذا السياق، فإنه خلال الأسابيع الأخيرة، ضاعفت أوكرانيا الضربات على البنية التحتية الروسية، بما في ذلك هجمات المُسيّرات على المصافي وتخريب القطارات. ويؤكد الخبراء الغربيون أن كل ذلك جزء من استعدادات كييف لهجوم الربيع المُضاد، وأن غالبية الضربات الأوكرانية تستهدف سلاسل إمداد الجيش الروسي في المناطق الحدودية وشبه جزيرة القرم. 

في المقابل، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في عددها بتاريخ 3 مايو الجاري، عن مساعد الأمين العام لحلف "الناتو" للاستخبارات والأمن، ديفيد كاتلر، تحذيره من أن موسكو تعمل بنشاط على رسم خرائط لأنظمة البنية التحتية الحيوية لحلف شمال الأطلسي، ويمكن أن تستهدف الكابلات البحرية التي تساعد في تزويد الدول الغربية "بكل شيء من خدمة الإنترنت إلى إمدادات الغاز"، مشيراً إلى أن هناك خطراً كبيراً من أن روسيا يمكن أن تواصل مثل هذا التخريب "لتعطيل الحياة الغربية وكسب النفوذ ضد تلك الدول التي تقدم الدعم لأوكرانيا". وأضاف كاتلر أن موسكو تزيد دورياتها في المحيط الأطلسي، وفي بحر الشمال وحول دول البلطيق، وأنها "أكثر نشاطاً مما رأيناها منذ سنوات في هذا المجال".

والخلاصة هنا، أن الهجوم على الكرملين يأتي في سياق التصعيد العسكري المتبادل من قِبل الأطراف المتحاربة في أوكرانيا، إلا أنه لا يؤشر لقرب بدء هجوم الربيع المُضاد المُحتمل، الذي تبدو روسيا مستعدة له، وتسعى إلى إجهاضه، مثلما أشارت بعض التقديرات. فعلى سبيل المثال، ذكرت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، مساء يوم 4 مايو الجاري، أنها رصدت ما يقرب من 50 هجوماً روسياً على طول القطاعات الرئيسية للخط الأمامي في شرق وجنوب أوكرانيا. وفضلاً عن ذلك، شنت القوات الروسية 66 غارة جوية على مواقع أوكرانية وعلى بلدات وقرى، مما تسبب في وقوع إصابات وإلحاق أضرار واسعة بالبنية التحتية. هذا في الوقت الذي تشكو فيه القيادة الأوكرانية من استمرار معاناتها من نقص الأسلحة الضرورية لشن هجوم مُضاد ناجح.

دلالات أمنية

كشف الهجوم بالمُسيّرات على الكرملين، عن الآتي:

1- إخفاق أمني واستخباراتي روسي: هناك إجماع بين الخبراء الغربيين على أن الهجوم بالمُسيّرات على الكرملين يكشف بوضوح عن قصور أمني واستخباراتي شديد، تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام الروسية، التي تساءلت عن مدى فعالية منظومة الدفاع الجوي الأكثر حداثة في الترسانة العسكرية الروسية. وكانت تقارير غربية قد أشارت إلى أنه في الأشهر الأخيرة، نشرت روسيا أنظمة دفاع جوي من طراز "بانتسير-أس 1" و"أس 400" في جميع أنحاء العاصمة موسكو، لتعزيز دفاعاتها، ومنها ثلاثة أنظمة نُشرت حديثاً في وسط المدينة، على أسطح وزارتي الدفاع والداخلية ومركز أعمال، وهو ما يشكل فعلياً قبة واقية فوق الكرملين.

2- نجاح الغرب في اختراق موسكو: يعتقد خبراء غربيون أن حادث المُسيّرتين يعزز ما كشفت عنه وثائق مُسربة لوزارة الدفاع الأمريكية، ظهرت أخيراً على شبكات التواصل الاجتماعي: "تويتر" و"تلغرام" و"ديسكورد"، وتوضح طبيعة مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف "الناتو" لأوكرانيا وتفاصيل أخرى عن الأسلحة والمعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لكييف، وجداول زمنية أكثر دقة مما تعلنه إدارة جو بايدن علناً عن تسليم الأسلحة الأمريكية للجيش الأوكراني. وتكشف الوثائق أن لدى الولايات المتحدة قدرات استخباراتية قوية نجحت في اختراق كل الأجهزة الأمنية العسكرية والاستخباراتية الروسية تقريباً، ما مكّنها من امتلاك فهم جيد للتخطيط الروسي وقدرة على توجيه حلفائها بشأن عمليات موسكو المستقبلية.

ومع ذلك، فإن حادث الكرملين، وإن كان من المنظور الغربي يمثل إخفاقاً أمنياً روسياً يُضاف إلى الإخفاقات السابقة، إلا أن التطورات الميدانية على الأرض تشير إلى تصعيد عسكري متبادل من الجانبين على جبهات متعددة، خاصة من ناحية موسكو. وعلاوة عن ذلك، يصعب القول إن هذا الحادث يؤشر لقرب بدء هجوم أوكراني مُضاد طال انتظاره.

ختاماً، يمكن القول إن الهجوم على الكرملين، بغض النظر عن التفسيرات والدلالات المرتبطة به، لا يعني الكثير من المنظور العسكري الاستراتيجي. والمُلاحظ في هذا السياق أن تقارير غربية عديدة بدأت أخيراً تشكك في إمكانية أن يؤدي الهجوم الأوكراني المُضاد في الربيع – إن حدث – إلى أي تغيير يُذكر في ميزان القوى على الأرض، على الأقل إلى الحد الذي قد يدفع موسكو إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، على أساس فرضية أن ذلك الهجوم سيُلحق بها خسائر فادحة تجبرها على التفاوض، وذلك حسبما أشار وتمنى محللون وكتّاب غربيون كُثر في الفترة الأخيرة.