أخبار المركز
  • مُتاح تحليل جديد بعنوان "معضلة الأمطار: تغير المناخ والتجارة.. خسائر قناة بنما وفرص قناة السويس"
  • د. عبدالعليم محمد يكتب عن (كيف تمددت حرب أوكرانيا إلى صراعات البلقان والقوقاز؟)
  • مركز "المستقبل" يصدر كتاباً بعنوان "المنظور الجيوثقافي.. توظيف القوى الكبرى للثقافة في العلاقات الدولية"
  • "قوى التغيير: مستقبل الشرق الأوسط بين محركات الداخل وتفاعلات الخارج".. في كتاب جديد صادر عن مركز "المستقبل"
  • صدور كتاب جديد بعنوان "الإندو-باسيفيك.. التنافس الدولي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"

الصراع السوداني بين الأثر الإقليمي والمَخرج الإصلاحي

30 أبريل، 2023


أصبحت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي نشبت منذ منتصف إبريل 2023، مستوفية كل شروط الأزمات الدولية، سواءً كان ذلك يتعلق بالسودان أو الدول الإقليمية أو النظام الدولي ككل. فـ "الأزمة"، بحكم التعريف، تتضمن عناصر تهديد قيم ومصالح قومية عليا، واستخداماً للقوة المسلحة، واحتمالات التدخل الخارجي، وإمكانيات تغيير النظام السابق على نشوبها. وتصنع الأزمات فارقاً كبيراً بين ما كان قبلها من أوضاع، وما سوف يأتي بعدها من ترتيبات جديدة، في النظام الإقليمي، والنظام الدولي أيضاً، حسب حدتها. 

ويتوقف استمرار الأزمة أو تراجع حدتها، على نتيجة العمليات العسكرية الجارية، وعما إذا كان سوف يكون هناك يد عليا لأي من الطرفين في حسم الصراع وإعادته إلى طبيعته الداخلية في السودان، أو أن أياً منهما لن يكون قادراً على الحسم. ومن ثم تكون للأزمة تداعيات إقليمية ودولية حسب درجات تصاعد الأوضاع الداخلية بما فيها تدخلات الدول الخارجية. 

ويمكن الخروج بثلاث ملاحظات أساسية من متابعة الأيام الماضية من القتال في السودان؛ أولها أنه بالرغم من وجود بعض الشواهد ربما على تفوق الجيش السوداني، فإن قوات الدعم السريع لا تزال قائمة في الميدان خاصة في العاصمة الخرطوم. وثانيها أن كل محاولات وقف القتال لم تنجح حتى ما يتعلق بوقف القتال في الأيام الأخيرة من شهر رمضان أو بهدنة في عيد الفطر المبارك. وثالثها أن الدول الإقليمية الرئيسية ظلت على اتصالاتها مع طرفي الصراع على قدم المساواة، وكان همها الأول تأمين بعثاتها الدبلوماسية وإجلائها، وتأمين خروج رعاياها من السودان. وحدث نجاح في هذا الشأن خلال فترة قصيرة، مع تعاون ملموس بين القوى الدولية والإقليمية المختلفة في إنجاز هذه المهمة. 

تشريح الأزمة:

للوهلة الأولى، فإن نشوب الأزمة الحالية يكشف عن صراع مباشر بين الجيش السوداني وقيادته ممثلة في رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي". ويأتي هذا الصراع نتيجة الخلاف الظاهر بين الطرفين على منهج وتوقيت اندماج جانبي القدرات العسكرية السودانية في مؤسسة عسكرية واحدة حسب ما نص عليه الاتفاق الإطاري مع القوى المدنية؛ قوى الحرية والتغيير. فوجهة نظر الجانب الأول أن يتم اندماج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية خلال عامين، بينما وجهة نظر حميدتي أن تتم عملية الاندماج خلال 10 سنوات، وهو ما يعني أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه من انقسام عسكري لمدة عقد من الزمان يظل فيه جزء مهم من القدرات العسكرية السودانية مستقلاً دون وجود قيادة موحدة. وقد بدأت العمليات العسكرية التي يستهدف فيها كل طرف الآخر، فور فشل التفاوض بينهما، فيما بدا وكأنه صراع شخصي بين القائدين العسكريين على حكم السودان. 

وتشير النظرة الأكثر عمقاً إلى عدد من الأبعاد ذات الطبيعة الهيكلية في الدولة السودانية، وهي كالتالي:

1- البعد الأول له طبيعة تاريخية، حيث إنه منذ اختيار السودانيين الحر لقيام السودان المستقل، والبلاد تعاني من دورية التغييرات الحادة بين المكونين العسكري والمدني حسب التعبيرات السودانية، سواءً وصفت بالثورة أو الانقلاب. والحصاد في النهاية بعد عقود كان انقسام السودان بين شمالها وجنوبها في دولتين مستقلتين، كل منهما تعاني آلامها الخاصة. 

وجاءت آخر دورات التغيير مُبشرة بـ "ربيع سوداني" في ديسمبر 2018 مع موجة جديدة من "الربيع العربي" شملت العراق ولبنان والجزائر، وكان متصوراً أنها سوف تتعلم الكثير من الموجة الأولى، بحيث ترفض "الفاشية الدينية" وتؤكد على الدولة الوطنية المدنية والديمقراطية. وخرجت الجماهير والمليونيات، ودارت الحوارات والمناقشات والمشاركات والمناظرات. وانتهى الجمع السوداني بعد الإطاحة بنظام عمر البشير إلى مرحلة انتقالية لمدة 3 سنوات، بدأت بتكوين حكومة مدنية، والتفاوض مع العالم الخارجي من أجل التعامل مع الديون السودانية، فضلاً عن إقامة علاقات مع إسرائيل. ولكن أياً من ذلك لم يمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية، ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة فإن أكثر من ثُلث سكان السودان باتوا يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي؛ بسبب عوامل منها الأزمات الاقتصادية والسياسية والصدمات المناخية والصراعات.  

2- البعد الثاني له علاقة بالدولة السودانية ذاتها، حيث يغيب إلى حد كبير "المكون السوداني" الذي يؤكد على الدولة الوطنية ذات الهوية المشتركة التي تعلو على الهويات الأخرى "الجهوية والقبلية" التي تقسم السودان إلى أقاليم، بات كل منها ينظر إلى العاصمة ونخبتها على أنها سبب للبلاء السياسي والاقتصادي. وحاصل جمع التدهور العام في الدولة ومؤسساتها، وغياب الهوية المشتركة، سوف يحدد عمقه إلى أين سوف يسير السودان، ومنها سوف يتأثر البعد الإقليمي بما يحدث في هذا البلد.