أخبار المركز
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (تأملات حول فشل جهود السلام الفلسطينية الإسرائيلية)
  • محمد محمود السيد يكتب: (آليات التصعيد: خيارات إسرائيل إزاء معادلات الردع الجديدة مع إيران)
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)

الاتجاهات العالمية 2030:

أي آليات تواجه بها أوروبا التحديات المقبلة؟

05 أغسطس، 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم 


يعتبر الاتحاد الأوروبي من إحدى المؤسسات السياسية والاقتصادية الأكثر تواجداً في الساحة الدولية، حيث تسعى الدول الأعضاء في الاتحاد إلى تحقيق مزيد من التكامل والتماسك الاقتصادي والاجتماعي في ظل العديد من التحديًّات الجسيمة التي كان من أبرزها مؤخراً مواجهة الأزمات المالية مثلما حدث مع اليونان، وكذلك تحدي آخر يتعلق بالسياسة الخارجية والقدرة على جعلها تحقق تطلعات الاتحاد بشكل عام، بالإضافة إلى عدم وجود تقارب بين مؤسسات الإتحاد الأوروبي ومواطنيه، علاوة على النمو المطرد للهجرة، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على مستقبل القارة.

وقد وجد الاتحاد الأوروبي ذاته مُطالباً بأن يواجه تلك التحديات وغيرها بشكل عاجل، وبآليات مستجدة تأخذ المتغيرات الدولية في الحسبان، من أجل ألا تعصف تلك التحديًّات بكل التقدم الذي تحقق خلال السنوات الماضية في الاتحاد الأوروبي.

في هذا الإطار، يأتي التقرير المعنون: "الاتجاهات العالمية حتى عام 2030: هل يمكن للاتحاد الأوروبي مواجهة التحديات المقبلة؟"، والصادر عن مشروع "الاستراتيجية الأوروبية ونظام تحليل السياسات"؛ وهو مشروع داخلي للاتحاد الأوروبي بمشاركة (البرلمان الأوروبي، ومجلس الإتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، وهيئة خدمة العمل الخارجي الأوروبي).

يهدف هذا التقرير إلى مساعدة الاتحاد الأوروبي في تحديد الاتجاهات العالمية الرئيسية، وتقييم الآثار والتحديَّات الناجمة عنها، وكذلك محاولة تبيان الآليات المناسبة من أجل أن يصل صانعو القرار الأوروبي إلى أفضل الخيارات السياسية الممكنة من أجل مواجهة التحديَّات المختلفة.

خمسة اتجاهات عالمية وثلاث ثورات محتملة

يبدأ التقرير بالحديث عن أن ثمة تغييراً وإعادة تشكيل للعالم، فهناك تحوُّل عالمي مغاير لذلك الذي بدأ في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وهذا التحوُّل يتم بشكل مطرد وأسرع من أي وقت مضى.

وقد رصد التقرير خمسة اتجاهات عالمية آخذة في التشكُّل، وهي كالتالي:ـ

- يتجه الجنس البشري إلى النمو أكثر، وهناك زيادة في الأكبر سناً والأكثر ثراءً، وكذلك ثمة نمو للطبقة الوسطى عالمياً دون أن يعني ذلك تقليل الفوارق الاجتماعية.

- ثمة انتقال للوزن الاقتصادي والسلطة السياسية من الغرب إلى الشرق، أي من الولايات المتحدة والغرب إلى القارة الآسيوية، كما باتت التنمية المستدامة أكثر عرضة للضعف ومواجهة كثير من التحديًّات في ظل العولمة.

- هناك ثورة رقمية وتكنولوجية آخذة في التزايد من ناحية، والتأثير في المجتمعات من ناحية أخرى.

- توجد ندرة في الموارد بشكل متزايد، وفي المقابل ثمة ارتفاع في استهلاك الطاقة عالمياً، وكذلك هناك تحوُّل في أنماط الإنتاج.

- بات النظام العالمي أكثر هشاشة، فالاعتماد المتبادل بين الدول لا يقابله تعزيز للحوكمة عالمياً.

وبالتالي، في ظل تلك المعطيات المتغيرة عالمياً، سوف يكون هناك تأثير مباشر على مستقبل الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد يتوقع التقرير حدوث ثلاث ثورات سوف ينتج عنها في العقود المقبلة المزيد من الاضطرابات المحتملة، حيث من المتوقع حدوث تحديَّات للدول الكبرى نتيجة حدوث أزمات مالية ونقدية ضخمة، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة، واحتمال تصاعد أزمة الطاقة عالمياً. وكل تلك المستجدات والتطورات العالمية سوف تؤثر على مستقبل الاتحاد الأوروبي في ظل نظام عالمي متعدد الأطراف؛ وهذه الثورات يمكن تبيانها كالتالي:ـ

1- ثورة اقتصادية وتكنولوجية: فالتقارب التكنولوجي وانتشار الأدوات التكنولوجية سوف يؤثران على الاقتصادات المختلفة وكذلك على المجتمعات، وبالتالي سوف تنتج فرصاً ضخمة من حيث الإنتاجية وتحقيق الرفاه والتمكين الفردي. وبالرغم من ذلك، سوف يكون هناك اضطرابات اجتماعية في ظل العدد المتزايد للبطالة وعدم المساواة، وتراجع الطبقة المتوسطة في البلدان المتقدمة، بما في ذلك أوروبا.

2- ثورة اجتماعية وديمقراطية: فالتواصل بين الأفراد سوف يكون أكثر قوةً وإبداعاً، وكذلك أكثر ديناميكية، وهو ما سيحدث تغييراً في "العقود الاجتماعية"، وسوف يؤدي كذلك إلى ابتكار أشكال جديدة من الحكم تصبح مناسبة أكثر للمعطيات القائمة. ولكن سيكون ثمة صعوبة لعمل اتفاقات جماعية وتشكيل مقاربات مشتركة من خلال الهياكل التقليدية مثل الأحزاب السياسية والنقابات وغيرها، مع زيادة الضغوط لتحقيق قدر أكبر من المساءلة والشفافية في مستويات مختلفة من الحكم.

3- ثورة جيوسياسية: يتوقع التقرير أن يتحول العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، وأنه سيكون هناك صعود للقوى غير التقليدية مثل القارة الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية. فالعولمة ستستمر وسيقودها فاعلون جدد بقيم مختلفة، وثم فإنه قد ينتج عن ذلك أوضاعاً أكثر صدامية بين القوى الفاعلة الرئيسية. وفي ظل هذه التوقعات، يتعين على القارة الأوروبية بذل المزيد من الجهد من أجل التواجد على الساحة الدولية بشكل أكثر فاعلية.

المتغيرات الدولية وتوجُّهات الاتحاد الأوروبي حتى عام 2030

يرصد التقرير تأثيرات كبيرة للتغيرات العالمية المحتملة على الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة، حيث يُبيِّن أن هناك مزايا تحتاج إلى مزيد من التعزيز مثل (التنوع الثقافي، ورأس المال البشري، والتعليم الجيد، والقدرات البحثية الممتازة، والبنية التحتية المتطورة، والتماسك الاجتماعي القوي، والنظام السياسي اللامركزي، وتعزيز سيادة القانون وحرية الفرد), وكل ذلك يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد للمحافظة عليه في ظل عالم سريع التغيُّر.

من جانب آخر يرى التقرير أن الاتحاد الأوروبي يواجه معادلة نمو صعبة خلال السنوات المقبلة في ظل زيادة الديون إلى مستويات عالية وغير مسبوقة، وكذلك ارتفاع مستوى الشيخوخة السريعة لسكان أوروبا. وتتوقف قدرة الاتحاد الأوروبي على تجاوز هذه المعوقات على مدى قدرته أن يكون أكثر مرونة وشمولية في التعامل مع مثل تلك التحديّات.

وبالتالي، فإن ثمة حاجة مُلحة لإعادة تشكيل الاقتصاد الأوروبي، وتعزيز الابتكار، والتمكين للأفراد والديمقراطية، وكذلك تعزيز دور الإتحاد الأوروبي دولياً. وهذه الآليات الهامة التي يقترحها التقرير من أجل تجنُّب الإتحاد الأوروبي للتأثيرات السلبية الناتجة عن التغيُّرات العالمية المحتملة مستقبلاً، يمكن توضيحها كالتالي:ـ

1- إعادة تشكيل الاقتصاد: يركز التقرير على حاجة القارة الأوروبية إلى أدوات جديدة للاستدامة وتحقيق النمو الاقتصادي، من أجل تجاوز المستويات المرتفعة للديون التي تمثل عائقاً خطيراً في أوروبا. ومن ثم، فإن بداية النهوض الاقتصادي من تلك الأزمات هو الابتكار، ومنح أدوار أكبر للأفراد وللمجتمع في ممارسة الحكم، كذلك فإنه من المهم تشجيع الاستثمار العام والخاص بهدف المساعدة في تعزيز الاقتصاد الأوروبي. ومن الضروري أيضاً الابتعاد عن فكرة السوق الموحدة، لأن وجود سوق موحدة للسلع والخدمات لاتزال بعيدة عن الاكتمال، وذلك في ظل معارضة القوى التي تحقق مصالح ضخمة من استمرار الوضع الراهن. علاوة على ذلك، لابد من إصلاح النظام المصرفي والتنسيق بين الاصلاحات الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي.

2- تعزيز مجتمع التغيير والابتكار: تحتاج دول الاتحاد الأوروبي اللحاق بركب الابتكار التقني والصناعي، حيث إن القطاع الرقمي سريع النمو، وهو ما يحقق عائداً اقتصادياً كبيراً. ومن ناحية أخرى، يتعين إعادة النظر في استراتيجية أفضل للتعليم في كافة أنحاء أوروبا، ففي ظل الإنفاق الكبير على التعليم، لايزال هناك أمية رقمية في أوروبا، وكذلك يوجد تسرُّب من المدارس بنسب كبيرة ومقلقة.

3- مواجهة الإقصاء المتزايد وعدم المساواة: يحذر التقرير من أن زيادة عدم المساواة والاستبعاد في أوروبا سوف يؤديان إلى تقويض الاتحاد الأوروبي والتأثير سلباً على تماسكه، فالاتحاد لم ينجح حتى الآن في إعادة دمج العمال ذوي المهارات المتدنية وكذلك الفئات الاجتماعية الأخرى الأكثر تهميشاً. وبالتالي، من الأهمية بمكان العمل على إعادة تزويد الأفراد بمهارات أكثر من أجل دمجهم في الحياة الاجتماعية بشكل سريع.

وفي السياق ذاته، يرى التقرير أن ثمة مخاطر من وجود مستويات عالية من الهجرة للقارة الأوروبية، خاصةً من الجنوب، ومن المتوقع أن تزداد خلال العقود القادمة، بما يشكل خطراً ديموغرافياً وسياسياً في ظل ارتفاع نسبة الشيخوخة في القارة. وينصح التقرير بإعادة تشكيل سياسات الهجرة قبل عام 2030، بغية الوصول إلى استراتيجية للهجرة تُدار بعناية، وتكون أكثر استدامة من الناحية الاقتصادية.

4- تمكين الأفراد وتحقيق الديمقراطية: يستعرض التقرير ضرورات تحسين سُبل المساءلة السياسية، وكذلك اتباع سياسات أفضل في الحكم من أجل عدم وجود أزمة ثقة بين المواطن الأوروبي والحكومات الأوروبية بما يهدد التماسك السياسي والاجتماعي. وبالتالي، ثمة حاجة لإصلاحات عميقة في التفاعل بين المواطنين والدول على مستوى الإتحاد الأوروبي، بما يشمل الشفافية، ونظم للتواصل أكثر وضوحاً، ونظم حكم أكثر حداثة.

5- تعزيز الدور الدولي للاتحاد الأوروبي: فالأوربيون - بحسب التقرير - سيكون لزاماً عليهم اتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل مزيد من المسؤولية الجماعية عن أمنهم واستقرارهم، وهو ما يتطلب دوراً أكثر نشاطاً على المستوى الدولي في ظل نظام متعدد الأقطاب. وفي هذا السياق، سيكون من الضروري مواصلة تطوير التحالفات الدولية والشراكات الاستراتيجية، لاسيما مع الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً رئيسياً، وهذا التعاون يتعين أن يشمل تعزيزاً للتكامل الاقتصادي. كذلك فإنه لابد من التوجُّه شرقاً بشكل متوازن في ظل الصعود الصيني الكبير، وهو ما لا يجب أن ينعزل عنه الاتحاد الأوروبي، من أجل مستقبل أفضل للقارة.

ختاماً، يشير التقرير إلى أن التهديدات الخارجية من المرجح أن تقيد خطط الاتحاد الأوروبي التنموية، ولكن تظل التحديات الداخلية هي الأكثر تأثيراً على مستقبل الاتحاد، حيث إن الأولوية العليا تتعلق بمدى قدرة قيادة الاتحاد الأوروبي على إعادة الثقة خلال السنوات الخمس المقبلة داخله. وبالتالي سوف يتوجب على الاتحاد الأوروبي استباق أي مشكلات مستقبلية ومحاولة تلافيها، من خلال وضع استراتيجيات طويلة المدى تكون قادرة على اعتماد أساليب أكثر كفاءة وابتكارية وتنال رضا الأفراد والمجتمعات داخل الاتحاد، وكذلك عليه أخذ الآليات السابق ذكرها بجديّة كبيرة من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار للقارة الأوروبية خلال العقود القادمة.


 * عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "الاتجاهات العالمية حتى عام 2030: هل يمكن للاتحاد الأوروبي مواجهة التحديات المقبلة؟"، والصادر عن "الاستراتيجية الأوروبية ونظام تحليل السياسات"، في مارس 2015.

المصدر:

Global Trends to 2030: Can the EU meet the challenges ahead? (Luxembourg, European Strategy and Policy Analysis System "ESPAS", March 2015)