شرعت الدول الأوروبية في التحول نحو نهج أكثر تشدداً تجاه إيران، فقد صوت البرلمان الأوروبي، في 18 يناير 2023، على قرار ينص على إدراج "الحرس الثوري وما يتفرع عنه من تنظيمات على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية". يُضاف إلى ذلك أيضاً التصويت على إدراج المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، والمُدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، والحرس الثوري وأذرعه على قائمة العقوبات الأوروبية.
وكان البرلمان الأوروبي قد دعا الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى "تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، نظراً لدوره في قمع الاحتجاجات الشعبية في إيران، وإمداد روسيا بطائرات مُسيّرة تستخدمها في حرب أوكرانيا"، وهو ما دفع النظام الإيراني إلى التصعيد من لهجة التحذير من عاقبة هذا القرار، معتبراً أنه كمن "يطلق النار على قدميه"، وفقاً لوزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.
دلالات التصعيد:
يصطدم تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية بعقبة قانونية تتمثل في عدم صدور حكم قضائي بذلك في إحدى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، بحسب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، الذي صرّح قبل اجتماع وزراء الشؤون الخارجية الأوروبيين في بروكسل، في 23 يناير 2023، بأنه "لا يمكن للاتحاد أن يصنف الحرس الثوري في إيران جماعة إرهابية، قبل صدور حكم قضائي بذلك في إحدى الدول الأعضاء في التكتل". بيد أن خطوة البرلمان الأوروبي تحمل دلالات مهمة، وهي كالتالي:
1- تنامي السخط الأوروبي: أسهم سلوك النظام الإيراني في الأشهر الماضية في تأجيج التوتر مع الجانب الأوروبي ومرد ذلك إلى الأسباب التالية:
أ- الدور الإيراني في حرب أوكرانيا: أشارت تقارير غربية إلي أن طائرة "شاهد" الإيرانية قد أضحت سلاحاً فعالاً تستخدمه روسيا في استهداف البنى التحتية الأوكرانية، ليس هذا فحسب، بل أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى وجود تقديرات استخباراتية تفيد بأن إيران تخطط لتسليم صواريخ "فاتح 110" وصواريخ "ذو الفقار" الباليستية؛ وهي صواريخ أرض - أرض قصيرة المدى، إلى روسيا. وعليه، يجوز القول إن نقطة الارتكاز الرئيسية في التصعيد الأوروبي تتمثل في أن القارة الأوروبية قد باتت في مرمي الأسلحة الإيرانية.
ب- قمع الاحتجاجات الشعبية: أفضت احتجاجات "مهسا أميني" التي تشهدها إيران منذ 16 سبتمبر 2022، إلى بلورة موقف أوروبي أكثر تشدداً تجاه طهران، تجسد في تصاعد انتقادات الاتحاد الأوروبي لحملة "العنف المستمرة ضد المتظاهرين في طهران والتي تضمنت إعدام بعضهم"، بالإضافة إلى فرض عقوبات على إيران، كان آخرها حزمة جديدة أقرها وزراء التكتل في 23 يناير 2023.
ج- اعتقالات إيران للرعايا الأجانب: لا شك أن إعدام المواطن البريطاني – الإيراني، علي رضا أكبري، بعد اتهامه بالتجسس لصالح الاستخبارات البريطانية، في 14 يناير 2023، والذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، بأنه "عمل قاس وجبان نفذه نظام همجي لا يحترم حقوق الإنسان لشعبه"؛ قد أجج نيران الغضب الأوروبي المشتعل على خلفية اعتقال عشرات الأجانب بذريعة التجسس أو التحريض خلال الاحتجاجات.
د- تهديد الداخل الأوروبي: ثمة قناعة باتت تترسخ لدى بعض العواصم الأوروبية مفادها أن خطر الحرس الثوري الإيراني بات يتجاوز الشرق الأوسط ليصل إلى العمق الأوروبي ذاته. وهناك سوابق عديدة تعزز المخاوف الأوروبية من أنشطة خلايا الحرس الثوري النائمة في أوروبا، ومنها، على سبيل المثال، إحباط تخطيط لهجوم على فعالية لمنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة في مدينة فيلبانت شمال باريس عام 2018.
2- انتهاج مقاربة أوروبية صارمة: يبدو أن أوروبا عازمة على إعادة حساباتها مع طهران، يحركها في ذلك عدد من الاعتبارات، أهمها ما يلي:
أ- عدم جدوى "الممارسات المرنة": فالتهديدات التي باتت تطرق أبواب أوروبا، دفعت أطرافاً لطالما اتُهمت بمهادنة النظام الإيراني، إلى الانخراط في سلسلة من الإجراءات التصعيدية، تمخضت عن إدراك مفاده أنه يتعذر "معاملة طهران كشريك دبلوماسي محتمل"، وفقاً لما أشارت إليه صحيفة "التايمز" البريطانية.
ب- انقلاب الرأي العام الأوروبي: تجسد ذلك بوضوح في تجمع حوالي 12 ألف شخص من كل أنحاء أوروبا أمام البرلمان الأوروبي في "ستراسبورغ" للمطالبة بإدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، وهو المحدد الذي لم يعد ممكناً التغاضي عنه في سياق تفاعلات الحكومات الأوروبية مع الجانب الإيراني.
ج- جدلية أولوية "المصالح الاقتصادية": كان يُنظر دوماً لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني على أنها تحقق مصلحة أوروبية، تتمثل في تنامي المصالح الاقتصادية مع إيران، لكن في الآونة الأخيرة يبدو أن هذا العامل قد توارى خلف التهديد الاستراتيجي الذي باتت تمثله إيران على الأمن الأوروبي.
3- صعوبة إحياء الاتفاق النووي: على الرغم من أن الدعم الأوروبي للاتفاق النووي لا يزال قائماً، فإن الدلائل المتمثلة في العثور على آثار اليورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية، بالإضافة إلى الممارسات الإيرانية لتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم التي كشفت عنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمماطلة الإيرانية حتى تتمكن من صنع "القنبلة النووية" ووضعها على طاولة أي مفاوضات مستقبلية؛ قد انعكست على تكثيف بروكسل لجهودها الرامية إلى خنق طهران، ما يبدو معه الاتفاق النووي في مهب الريح.
4- تشديد الخناق الأوروبي - الأمريكي: تبدو المواقف الأوروبية متناغمة مع التوجهات الأمريكية لإعادة الضغط على النظام الإيراني لتقديم تنازلات بشأن برنامجه النووي. فقد أيّد مجلس الأمن القومي الأمريكي قرار البرلمان الأوروبي، قائلاً "نتفق مع قرار البرلمان الأوروبي إدانة الحرس الثوري، بما في ذلك تورطه في القمع الوحشي للاحتجاجات السلمية في إيران، وطلبه إدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي".
عواقب وخيمة:
تعالت الأصوات الإيرانية المحذرة من مغبة إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب الأوروبية، فقد وصف الرئيس إبراهيم رئيسي هذه الخطوة بأنها "انتهاك كبير للقوانين وميثاق الأمم المتحدة". فيما أصدرت هيئة الأركان الإيرانية بياناً حذرت فيه من تأثير القرار الأوروبي على "الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي". كما أشار قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، إلى أنه على الأوروبيين "تحمل العواقب في حال أخطأوا".
ومن خلال قراءة لغة التهديد والوعيد الإيرانية، يمكن استنتاج أن خطوة البرلمان الأوروبي، إذا تُرجمت على أرض الواقع - عبر تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية من قِبل الاتحاد الأوروبي – قد تُفضي إلى جملة من التداعيات، من أهمها ما يلي:
1- التصعيد النووي: تخطط طهران للرد على قرار إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب بمزيد من التصعيد في الملف النووي، وذلك على الأوجه التالية:
أ- تلويح إيران بتعليق عضويتها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما أكده وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، حيث أشار إلى أن انسحاب طهران من المعاهدة "أمر وارد".
ب- تعليق كل أوجه التعاون بين إيران والمنظمة الدولية للطاقة الذرية، وإخراج كل مفتشيها من البلاد.
ج- مضاعفة تخصيب اليورانيوم بنسب عالية.
ومن ثم، فإن الخطوة الأوروبية ستفضي إلى عرقلة جهود إحياء الاتفاق النووي، مع ما يعنيه ذلك من تعبيد الطريق أمام "إيران نووية".
تصعيد مُضاد:
كيف سترد إيران على تصنيف أوروبي للحرس الثوري إرهابياً؟
01 فبراير، 2023
