أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، في 16 أكتوبر، النتائج الأولية الكاملة للانتخابات العراقية 2021، التي أجريت في 10 أكتوبر الجاري، والتي كشفت عن تراجع واضح في نتائج الأحزاب الشيعية التي تدعمها إيران، حيث حصد تحالف "الفتح" الذي يتزعمه هادي العامري الموالي لإيران، 17 مقعداً فقط من إجمالي 329 عدد مقاعد مجلس النواب العراقي، في حين تصدر تحالف "سائرون" الذي يتزعمه التيار الصدري نتائج الانتخابات بـ 73 مقعداً، وحلت قائمة "تقدم" التي يتزعمها رئيس البرلمان العراقي المُنتهية ولايته محمد الحلبوسي في المرتبة الثانية بـ 37 مقعداً.
دلالات النتائج لإيران
تكشف النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العراقية عن عدد من الدلالات التي يمكن توضيحها في التالي:
1- هزيمة حلفاء طهران: مُنيت القوى والفصائل الشيعية المدعومة من إيران، بخسارة فادحة، في الانتخابات التشريعية العراقية، حيث عاقب الناخب العراقي الأحزاب السياسية ذات الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران. وقد وضح ذلك في حصول تحالف الفتح على نحو 17 مقعداً فقط، نزولاً من 48 مقعداً حققها خلال انتخابات عام 2018، كما أن فالح الفياض، زعيم تحالف "العقد الوطني"، ورئيس الحشد الشعبي العراقي، لم يفلح في الحصول على أي مقعد.
وكذلك منيت القوى المقربة من إيران على غرار تحالف قوى الدولة، المشكل من "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم و"ائتلاف النصر" بزعامة حيدر العبادي على 4 مقاعد فقط، وذلك بعد أن حصدا مجتمعين نحو 61 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الماضية.
ويكشف ذلك عن حجم الرفض الشعبي لهذه القوى وما تطرحه من أفكار، خاصة فيما يتعلق بالاحتفاظ بسلاحها خارج سيطرة الدولة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الفياض هو الذي امتدح تجربة الحرس الثوري الإيراني، ودعا للاقتضاء بها عراقياً. كما تعكس هذه النتائج عقاب السياسيين الذين لم يدعموا ثورة تشرين، وفضلوا توظيف القمع بدلاً من محاولة التجاوب مع مطالبها المشروعة لاسيما على صعيد تحسين الخدمات وطرد طهران.
2- تصدر الصدر نتائج الانتخابات: احتل ائتلاف "سائرون"، بقيادة مقتدى الصدر االمرتبة الأولى، بحصوله على 73 مقعداً، ارتفاعاً من 54 مقعداً في الانتخابات البرلمانية السابقة.
ولعب عدد كبير من العوامل في انتصار الصدر، أبرزها تركيزه على فكرة استقلال العراق وسيادته، فضلاً عن انفتاحه على بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والتي زارهما في 2017، وهو يمثل تياراً مناوئاً لهيمنة إيران على العراق.
هذا بالإضافة إلى تاريخ العداء بين الصدر وإيران، خاصة مع تورط الحرس الثوري الإيراني في دعم المجموعات المسلحة، التي انشقت عن تيار مقتدى الصدر، مثل عصائب أهل الحق وحركة حزب الله النجباء.
وقد أعلن التيار الصدري عن رغبته في تشكيل الحكومة القادمة، ويشير البعض إلى وجود تحالف ضمني بين الصدر ورئيس الوزراء المُنتهية ولايته "مصطفى الكاظمي" للاستمرار في منصبه كرئيس للوزراء، وهو الذي ينتهج مساراً واضحاً نحو عودة العراق لمحيطها العربي بعيداً عن إيران، وذلك في ضوء مؤشرات التقارب بينه وبين الصدريين.
3- تزايد الرفض الشعبي العراقي لإيران: تُدلل النتائج الأولية للانتخابات التشريعية العراقية على استمرار التراجع الواضح في شعبية القوى السياسية المرتبطة بإيران في الانتخابات العراقية الأخيرة، أي أن "تظاهرات تشرين" في أكتوبر 2019، والتي طالبت بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق، وصاحت جماهيرها "إيران برا برا" نجحت في ترجمة أهداف ثورتها في نتائج الانتخابات.
وعلى الرغم من أن قوى الحراك المدني لم تنجح في الحصول على عدد كبير من المقاعد، إذ يقدر بأن الأحزاب المحسوبة عليها قد حصدت عشرين مقعداً فقط، فإن هذه النتيجة كانت متوقعة على أساس الانقسامات الواضحة داخل هذا التيار، بين القوى التي فضلت مقاطعة الانتخابات، وتلك التي اتجهت إلى المشاركة، إلى جانب عجز القوى كافة الممثلة لهذا التيار عن خوض الانتخابات بتحالف واحد.
4- تطورات إقليمية غير مواتية: تمثل نتائج الانتخابات العراقية تطوراً مؤسفاً بالنسبة لطهران، حيث تأتي هذه الانتخابات في الوقت الذي تستعد فيه إيران للعودة للجلوس على طاولة المفاوضات النووية في فيينا، مع مجموعة (4 + 1) وبمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية. ويُعني تراجع النفوذ الإيراني في العراق، إضعاف موقفها في تلك المفاوضات، حيث توظف إيران الورقة الإقليمية باعتبارها من أدوات الضغط في مواجهة واشنطن.
ومن جانب ثانٍ، فإن نتائج الانتخابات العراقية لن تكفل لطهران الادعاء بنصرة المظلومين، بدليل أن محاولتها لقمع الاحتجاجات العراقية المناوئة لها، لم تنجح سوى في تكريس الرفض الشعبي لها، وهو ما يمثل خطراً مستقبلياً على دورها في العراق.
ومن جانب آخر، تمثل سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، عاملاً ضاغطاً على إيران، لاسيما في حالة تهديد الحركة مصالح إيران في أفغانستان، فضلاً عما يشهده الدور الإيراني من تراجع في سوريا، نتيجة سيطرة روسيا على إدارة الأزمة السورية، ووجود مؤشرات على سعيها لإخراج ميليشيات إيران من سوريا، وهو ما وضح في تغاضيها عن ضربات إسرائيل المتتالية. كما أن تفاوض موسكو مع واشنطن حول سوريا، يمكن أن يتضمن تفاهم الجانبين على إخراج طهران من سوريا.
تحركات حلفاء طهران
لا شك في أن ما حملته مخرجات صناديق الاقتراع بالانتخابات التشريعية في العراق، مثل ضربة قاصمة لإيران نفسها، وللقوى والأحزاب المقربة منها، ولذلك اتجهت إلى تبني السياسات التالية، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:
1- التشكيك بنتائج الانتخابات: أبدت القوى الشيعية الموالية لإيران اعتراضها على نتائج الانتخابات، فور ظهور مؤشراتها الأولية، وهو ما وضح في تصريحات الإطار التنسيقي للقوى الشيعية، والذي يضم قوى الفتح ودولة القانون والنهج الوطني والنصر والحكمة. ووصف رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، رفض نتائج الانتخابات ووصفها بأنها "مفبركة".
ويلاحظ أن طهران تؤيد موقف هذه القوى، بل وتحرضهم عليه، وهو ما وضح في إشارة صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الإيراني، إلى وجود حديث حول "تزوير" الانتخابات و"التلاعب في النتائج".
والغريب أن دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كان ضمن الرافضين لنتائج الانتخابات على الرغم من أن عدد مقاعده زادت في هذه الانتخابات مقارنة بالانتخابات السابقة، وهو ما يعكس تماهيه مع الأجندة الإيرانية في العراق، فضلاً عن حجم العداء الذي يكنه للصدر، خاصة أن الأخير يسعى للفوز بترشيح رئيس الوزراء العراق القادم، وقطع الطريق أمام المالكي للوصول للمنصب.
2- التهديد باستخدام السلاح: زار قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني، إلى بغداد، وذلك بُعيد ساعات معدودة من إعلان نتائج الانتخابات الأولية، وفي أعقاب هذه الزيارة، خرجت بعض الميليشيات للتلويح بحمل السلاح، وهو ما وضح في اعتبار القيادي بكتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران أبو علي العسكري، أن النتائج الأولية للانتخابات بـ"أكبر عمل احتيال" ضد الشعب العراقي، فضلاً عن تهديده بالقول إنه يجب عليهم أن يحزموا أمرهم وأن يستعدوا للدفاع عن كيانهم المقدس، فضلاً عن حديث قيادي آخر في الحشد الشعبي عن البرلمان، مشيراً إلى أن "هذه المؤسسة تشكلت بالدم (…) وسنحميها الآن بالدم".
وتفتح هذه التصريحات الباب أمام حدوث مواجهات مسلحة بين ميليشيات الصدر وبين الحشد الشعبي، خاصة بعد أن تعهد الصدر في كلمة متلفزة، بعد إعلان النتائج، سحب السلاح المنفلت "حتى ممن كانوا يدّعون المقاومة"، في إشارة إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
3- اتباع تكتيكيات حزب الله اللبناني: شهدت بغداد تظاهر في مناطق متفرقة شارك فيها العشرات، وذلك اعتراضاً على نتائج الانتخابات البرلمانية، وذلك في 17 أكتوبر غداة إعلان المفوضية النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما يعد مؤشراً في حد ذاته على تراجع شعبية القوى المعترضة على الانتخابات.
ولذا أقدمت القوى السياسية المرتبطة بإيران على إجراء آخر، وهو الإيعاز إلى عناصر ميليشياتها لقطع الطرق الحيوية في عدة محافظات عراقية، مثل واسط والبصرة، وذلك في محاولة لافتعال صدام بين المتظاهرين والقوات الأمنية عند محاولة منعهم من قطع الطرق، وذلك على غرار أسلوب حزب الله اللبناني.
فمن جانب، فإن قطع الطرق الحيوية سوف يتسبب في شلل الحياة، بما يجبر القوات الأمنية على التدخل لفض مثل هذه المحاولات، وهو ما يفتح الباب أمام ميليشيات طهران لافتعال مواجهات مع القوات الأمنية، عبر الادعاء بأنها تسببت في قمع المحتجين، أو قتلهم، على نحو ما يفتح الباب أمام دفع الميليشيات للصدام المسلح مع القوات الأمنية العراقية.
وتهدف هذه الإجراءات إلى الضغط على القوى الفائزة في الانتخابات، وتحديداً الصدر، وتسعى لمحاولة منعه من ترجمة فوزه الانتخابي لحكومة تسعى لتنفيذ أهداف ثورة تشرين العراقية. ولذلك كان من الملفت أن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد هاجم هذا الأسلوب، مؤكداً أن السياسة أصبحت تعني لدى البعض الابتزاز والكذب والصراع وخداع الناس.
ولا يعد توظيف السلاح لانتزاع تنازلات سياسية بالأمر الجديد على السياسة الإقليمية الإيرانية، إذ إن احتلال حزب الله اللبناني بيروت الغربية في 7 مايو 2008، أعقبها اتفاق الدوحة، والذي أعطى لحزب الله الثلث المعطل لضمان سطوته على الحكومات اللبنانية المتعاقبة. وتسعى ميليشيات إيران لتكرار المعادلة نفسها في العراق لفرض نفسها على الشعب العراقي رغماً عنه.
وفي الختام، تكشف تحركات إيران عبر أذرعها وميليشياتها المسلحة عن وجود إصرار على تعويض خسائرها الانتخابية من خلال اللجوء إلى قوة السلاح، والتهديد بالفوضى في محاولة لإنتاج المعادلات نفسها التي حكمت تشكيل الحكومات العراقية السابقة بعد الاحتلال، وإحباط أي محاولة لتحقيق تطلعات المواطن للتخلص من النفوذ الإيراني على بغداد، أو النهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد.