أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

تحديات التنفيذ:

أي مستقبل للاتفاق النووي بين إيران والغرب؟

21 ديسمبر، 2015


إعداد: د. إسراء أحمد إسماعيل


لايزال الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا) في منتصف شهر يوليو الماضي، يطرح عدة تساؤلات خاصة حول مستقبله ومدى التزام الأطراف المعنية ببنوده؛ إذ من المتوقع أن يواجه تنفيذ الاتفاق المعروف باسم "خطة العمل المشتركة" تحديات مختلفة، وهو ما تسلط عليه الضوء دراسة صادرة عن دورية" واشنطن كوارترلي" الفصلية   Washington Quarterlyفي عدد خريف 2015، تحت عنوان: "توقعات كبيرة.. إيران ما بعد الاتفاق النووي"، والتي أعدها "مهدي خلاجي"  Mehdi Khalaji الزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

تحولات محتملة

بدايةً أكدت الدراسة أنه إذا امتثلت إيران ومجموعة (5+1) لخطة العمل المشتركة على مدى السنوات المقبلة، فمن المرجح أن يصبح الاقتصاد الإيراني مُندمجاً بشكل كامل في الاقتصاد العالمي، وسيتم بعدها إضفاء المشروعية على البرنامج النووي السلمي لطهران. أما ما يحدث بعد ذلك، فإنه يعتمد على العديد من العوامل والجهات الفاعلة، حيث من المتوقع أن يكون لإيران مرشداً أعلى جديد، نظراً لاعتبارات السن الخاصة بالمرشد الحالي "آية الله علي خامنئي" (ولد في عام 1939)؛ ولكن من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت هناك تحولات سياسية كبيرة ستصاحب هذا التغيير في القيادة أم لا.

وبالنسبة للمستقبل القريب، فإن استمرار العمل وفقاً لخطة العمل المشتركة هو أمر غير مؤكد، حيث توضح الدراسة أن خطة العمل ليست معاهدة ولا اتفاقية، ومن ثمَّ فإنها ليست ملزمة لطهران من الناحية القانونية.

دوافع التغيير إيرانياً

عقب انطلاق الثورات العربية وتغيير الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول، ثم اندلاع الحرب في سوريا، خشيت إيران من أن تخسر "بشار الأسد"، حيث تعد سوريا تحت قيادته الحليف العربي الوحيد لطهران في مواجهة جيرانها خاصةً السعودية، فضلاً عن احتمال خسارة أقوى أداة تستخدمها إيران في مواجهة إسرائيل، وهي "حزب الله" اللبناني.

ومن ناحية أخرى، تمكنت واشنطن من تأسيس تحالف دولي، وتمرير أربعة قرارات من مجلس الأمن لتنفيذ عقوبات متعددة الأطراف ضد إيران، التي وجدت نفسها في موقف يشبه تجربتها خلال العام الأخير من الحرب مع العراق، حيث أصبحت تتحمل أعباءً عسكرية كبيرة وعزلة دولية وأزمة شرعية وعقوبات اقتصادية، فضلاً عن مجتمع يعاني من عدم اليقين بشأن المستقبل. ومما لا شك فيه أن كل هذه العوامل ساهمت في إقناع "خامنئي" بأن التغيير أصبح مطلوباً لمواجهة التحديات المختلفة؛ فقد بدأت المفاوضات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في عام 2011 بموافقة "خامنئي"، ودون تدخل من رئيس البلاد. ولعل فوز الرئيس "حسن روحاني" في الانتخابات الرئاسية في عام 2013 قدَّم فرصة لكل من "خامنئي" و"أوباما" لتبرير بدء جولة جديدة من المحادثات علناً، فقد كان "خامنئي" بحاجة لتبرير التغيير في سياسة طهران دون ترك الشعب يعتقد أن ذلك يعني الاستسلام، لذلك حاول التأكيد على أن تغيير السياسة الإيرانية لا يضر بالثورة الإسلامية.

وتوضح الدراسة أنه على عكس التصور العام لدى وسائل الإعلام الغربية والإيرانية، فإن المهندس الرئيسي لسياسة التفاوض الجديدة لم يكن "محمد جواد ظريف" وزير الخارجية الإيراني، ولا الرئيس "روحاني"، ولكنه "علي أكبر صالحي" الذي يرأس "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" بمباركة "خامنئي".

ويؤكد الباحث أن نجاح استمرار المفاوضات يعتمد على الإرادة السياسية، حيث قام "خامنئي" بتحفيز الإرادة السياسية لقيادة التغيير في السياسة الإيرانية منذ عام 2011، ولكن ما إذا كان سيحافظ - أو خليفته - على هذا في المستقبل، فإن ذلك يظل أمراً مفتوحاً أمام تكهنات مختلفة.

أبرز التحديات أمام خطة العمل المشتركة

يرى الباحث أن "خطة العمل المشتركة الشاملة" بشأن البرنامج النووي الإيراني تمثل إنجازاً ملحوظاً، لكنها  لاتزال تواجه العديد من التحديات التي تشمل ما يلي:

1- ازدواجية الحكم:

يتمتع الهيكل السياسي والقانوني الإيراني بمصدرين للشرعية: الشرعية الدينية، والشرعية الديمقراطية. وتنبع شرعية المرشد الأعلى من المبدأ الأيديولوجي الشيعي "ولاية الفقيه"، في حين يتم انتخاب رئيس الدولة عن طريق التصويت المباشر. وعلى الرغم من أن الرئيس يقع على رأس السلطة التنفيذية، فإنه لا يمتلك سيطرة كاملة على السياسة الخارجية، بل يخضع للمرشد الأعلى.

هذه الازدواجية تؤدي إلى انتشار الفساد، وسوء الإدارة، وعدم الكفاءة السياسية، فهي تقيِّد من سلطة الرئيس وسلطة البرلمان "مجلس الشورى الإسلامي" في جميع المسائل المتعلقة بالسياسة العامة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبرنامج النووي والعسكري؛ فبعد أن تم توقيع خطة العمل المشتركة في فيينا، واصل "خامنئي" الإشارة إليها عمداً ليس باعتبارها "صفقة" ولكن بوصفها "مسودة"  drafted text، وذلك بهدف المناورة إذا أراد أن يتراجع عن التزامه بالاتفاق في المستقبل.

وكلما أراد النظام توظيف هذه الازدواجية، فإنه يقوم بالتقليل من شأن الدور السياسي للمرشد الأعلى، أو إخفاء يديه خلف المؤسسات الديمقراطية، ما يجعل من الصعب التنبؤ بالسلوك السياسي الإيراني.

وتؤكد الدراسة أن الصفقة النووية يمكن أن تنهار للعديد من الأسباب، ومنها رفض الحرس الثوري الإيراني السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المواقع العسكرية المشتبه في حيازتها لأنشطة مشبوهة، أخذاً في الاعتبار أن الحرس الثوري يقع تحت السيطرة الكاملة للمرشد الأعلى.

ووفقاً لسيناريو آخر، قد تقوم طهران بالانخراط في الأزمة السورية بشكل أكثر عدوانية، أو قد تدعم "حزب الله" في مواجهة محتملة مع إسرائيل، ما قد يدفع واشنطن لفرض مزيد من العقوبات على طهران، وهذا قد يشجع "خامنئي" على وقف الامتثال لخطة العمل المشتركة.

ومن ثم، يمكن القول إن الهدف الرئيسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية من التفاوض حول البرنامج النووي هو إنهاء العقوبات الاقتصادية، وفي حال استمرارها أو زيادتها، فإن ذلك قد يكون دافعاً لعدم الالتزام بالاتفاق النووي. وبالتالي فإن الحفاظ على استمرار دعم المرشد الأعلى يعتبر أمراً حاسماً لنجاح هذا الاتفاق.

2- تصاعد الاستياء الشعبي:

تشير الدراسات الحديثة إلى أنه على الرغم من التأييد الواسع لخطة العمل المشتركة، إلا أن جزءاً كبيراً من الشعب الإيراني ليس لديه فهم واقعي لآثارها. وقد كشفت دراسة أجراها مركز الدراسات الدولية والأمنية بجامعة ميريلاند عن أن 77% من الإيرانيين لديهم معتقدات خاطئة حول توقيت تخفيف العقوبات، و30٪ فقط يدركون أن العقوبات لا علاقة لها بأنشطة إيران النووية وسوف تستمر حتى إذا التزمت طهران بخطة العمل المشتركة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من الصعب تصور أن المكاسب الاقتصادية المرجوة من قِبل العديد من الإيرانيين سوف تتحقق ويشعر بها المواطنون على أرض الواقع قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في فبراير 2016. وسوف يعزز هذا التأخير من موقف المتشددين الذين لا يعارضون فقط خطة العمل، ولكنهم يتهمون الرئيس "روحاني" بتضخيم أهمية الصفقة وقدرتها على حل الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وعلاوة على ذلك، فإن مواقف "خامنئي" الثابتة حول أسلمة الثقافة والمجتمع، فضلاً عن محاربة "الغزو الثقافي" ستستمر في تجاهل رغبة الرئيس "روحاني" في السماح بمزيد من الحريات، ما سيحبط آمال الطبقة الوسطى التي تصورت أن الاتفاق النووي ليس سوى خطوة أولى نحو تغيرات اجتماعية كبيرة. وذلك إلى جانب استمرار قمع وتقييد الناشطين، والأحزاب السياسية، والمنظمات غير الحكومية، الأمر الذي سيتسبب في التشكيك في قدرة "روحاني" على تحقيق إصلاحات داخلية.

3- تغيير السياسة النووية والإبقاء على السياسة الإقليمية:

تهدف العقوبات على إيران للتصدي لدعمها للجماعات الإرهابية، ولذلك يتوقع حتى بعد تخفيف العقوبات إذا التزمت طهران بخطة العمل المشتركة، أن تستمر العقوبات ذات الصلة بالإرهاب إذا لم تغير طهران سياساتها الإقليمية.

وفي حين تأمل إدارة "أوباما" أن تُغيَّر إيران سياستها الإقليمية بعد نجاح تجربة المفاوضات النووية، فإن المرشد الأعلى يأمل - على العكس - أن تقلل واشنطن من اهتمامها بسياسات إيران الإقليمية، أي التنازل لها عن مساحة أكبر للتحرك في المنطقة دون فرض عقوبات جديدة. وفي هذا الإطار، أكد "عباس عراقجي"، وهو مفاوض إيراني بارز، أن خطة العمل المشتركة لن تؤثر على سياسات إيران الإقليمية.

وترى الدراسة أن استبعاد سياسات إيران الإقليمية من المفاوضات النووية، لعب دوراً رئيسياً في التوصل إلى خطة العمل المشتركة، ولكن ذلك لا يضمن بالضرورة استمرار الخطة، بل على العكس، فإذا وافق "خامنئي" على التفاوض والاتفاق على أساس افتراضه أن واشنطن ستتوقف عن مقاومة زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، فإن الاتفاق النووي قد تكون له نتائج عكسية، من خلال زيادة نشاط السعودية وغيرها من حلفاء واشنطن في المنطقة، ما سيتسبب في زيادة حدة الصراع الطائفي، وتفاقم الكارثة الإنسانية في سوريا، وهذا بدوره قد يتسبب في إجبار واشنطن - خصوصاً في ظل الإدارة القادمة - على زيادة الضغط على إيران من خلال الاستمرار في فرض العقوبات، أو تطبيق عقوبات جديدة.

مستقبل الاتفاقية

قد تتخذ الحكومة الإيرانية موقفاً أكثر عقلانية تجاه المجتمع الدولي؛ وتتمكن من تقييم مصالحها الاقتصادية أكثر من سعيها لتكون قوة إقليمية في المنطقة. وثمة اتجاه بين المحللين يرى أنه إذا قام الغرب بتقديم حوافز اقتصادية مجدية لطهران، فإن ذلك قد يدفعها للتخلي عن طموحاتها الثورية في المنطقة، خاصةً أن بعض قادة الحرس الثوري أصبح يحركهم الربح المالي أكثر من الدوافع الأيديولوجية. ومع إدراك حقيقة أن الحرس الثوري يسيطر على نحو ثُلث الاقتصاد الإيراني، لذلك فإن تقديم الحوافز الاقتصادية قد يُثني طهران عن الاستمرار في مواصلة أيديولوجية معادية للغرب.

ختاماً، أكدت الدراسة أنه من الصعب تصور أن الاتفاق النووي قد يؤدي إلى تطبيع العلاقات الثنائية بين واشنطن وطهران في المستقبل القريب، حتى لو سارت "خطة العمل" بشكل جيد في عهد الرئيس الأمريكي المقبل؛ فغياب العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يخلق العديد من القيود، ويعيق بناء الثقة، ويزيد سوء الفهم أثناء تنفيذ خطة العمل المشتركة.


* عرض مُوجز لدراسة: "توقعات كبيرة.. إيران ما بعد الاتفاق النووي"، والصادرة عن دورية" واشنطن كوارترلي" الفصلية في خريف 2015.

المصدر:

Mehdi Khalaji, Great Expectations: Iran after the Deal, The Washington Quarterly, Volume 38, Issue 3 (Washington, Elliott School of International Affairs, Fall 2015) pp 61-77.