أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

شرايين متغيرة:

أدوار المعابر الحدودية في بؤر الصراعات المسلحة بالإقليم

17 يونيو، 2021


تقوم المعابر الحدودية، التي يتم من خلالها نقل الأفراد وتبادل التجارة، في بؤر الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط، بالعديد من المهام وأبرزها درء التهديدات الأمنية القادمة عبر الحدود الرخوة، وتعزيز الاستقرار في مناطق النفوذ المنقسمة بين أطراف مختلفة، وزيادة الإيرادات المتحصلة من المرور عبرها، وتأمين موارد هامة لشبكات التهريب بما جعلها أقرب إلى "اقتصاد الظل"، واحتواء نسبي لتداعيات كوفيد-19 بعد انتشارها في أوساط العاملين في تلك المعابر، والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية لدى قاطني نقاط الاشتعال، وتوظيف القوى الإقليمية والدولية ورقة المعابر كمساومة في مواجهة قوى أخرى.

وتشير تفاعلات الشرق الأوسط إلى محورية الأدوار التي تقوم بها المعابر داخل الدولة الواحدة مثل سوريا، أو بين الدول على غرار القائمة بين ليبيا والجزائر، ولبنان وسوريا، ومصر وقطاع غزة،  وسوريا والعراق، والعراق وتركيا، وتركيا وسوريا، وغيرها، خلال النصف الأول من عام 2021، على نحو ما تعكسه الأبعاد التالية:

الجوار الرخو

1- درء التهديدات القادمة عبر الحدود الرخوة: فالتحكم في حركة الدخول والخروج من المعابر يشكل ضرورة لدى الجهة المتحكمة فيها لضبط الأمن. فقد أعلن وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، خلال مؤتمر عقده مع وزير الاقتصاد والتجارة الليبي، في 29 مايو 2021، عن إطلاق ترتيبات لوجستية وفنية لإعادة فتح المعبر الحدودي المشترك مع ليبيا، إذ تم إغلاقه لأسباب أمنية بعد انهيار نظام القذافي، بما جعل الجزائر أكثر دول شمال أفريقيا تضرراً من تسرب الأسلحة الليبية وتسلل الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية وخاصة تلك العاملة في تجارة المخدرات. وتوازى مع ذلك استكمال المحادثات بين الجانبين لإعادة فتح الخط البحري، الرابط بين طرابلس والعاصمة الجزائر لاستخدامه في مجال نقل السلع والبضائع.

كما وجه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في 10 يونيو الجاري، بضبط حدود بلاده مع سوريا، لمنع تسلل الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية إلى العراق، وهو ما يتفق مع تحليلات وتقديرات استخباراتية عراقية سائدة تشير إلى أنه غالباً ما كانت الحدود السورية، منذ مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، نقطة الانطلاق المفضلة للعناصر المتطرفة للتسلل والدخول إلى العراق، لدرجة أن السلطات الأمنية في بغداد اتهمت خلال عامى (2005-2007) النظام السوري بتسهيل دخول تلك العناصر.

وقد تزامنت توجيهات الكاظمي لأجهزة الأمن واستخبارات الحدود العراقية مع الذكرى السابعة لصعود تنظيم "داعش" وسيطرته على نحو ثُلث الأراضي العراقية. ورغم سقوط مشروع التنظيم، إلا أن تهديد "داعش" لايزال قائماً، على نحو ما تعكسه العمليات الإرهابية التي قام بها ضد قوات الجيش والأمن والحشد الشعبي خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يفسر التأمين الحدودي السوري- العراقي بالكاميرات الحرارية وأجهزة الطاقة وتعزيز الوجود الأمني، وفقاً لما صرح به اللواء يحيي رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة.

ترسيخ السيطرة

2- تعزيز الاستقرار في مناطق النفوذ: تشير أوضاع المعابر في الحالة السورية إلى جهود مستمرة لتطويرها من قبل الأطراف المعنية في مراحل مختلفة للصراع منذ بدايته في عام 2011 وحتى عام 2021، مثلما كانت بين مناطق النظام والمعارضة المسلحة، ثم شملت في مرحلة لاحقة مناطق "داعش" و"وحدات حماية الشعب الكردية" التي صارت مناطق الإدارة الذاتية الكردية والتي تحميها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). 

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الذاتية للأكراد تدفع دائماً في اتجاه الإبقاء على تماسك الدولة السورية القائمة على اللامركزية، الأمر الذي يفسر تزايد المعابر بين مناطق نفوذ النظام السوري ومناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا. ويعد من أبرز المعابر الواصلة بين النظام السوري وميليشيا "قسد" معبرا "التايهة" (جنوب غرب مدينة منبج) و"الهورة" (شرق مدينة الطبقة)، ويحصل النظام عبرهما على المحروقات، الأمر الذي يعكس أهميتهما لـ"قسد"، إذ يمكن الضغط على النظام من خلالهما.

رسوم العبور

3- زيادة الإيرادات المتحصلة من المرور عبرها: قد تكون أدوار المعابر مرتبطة بالحصول على موارد للدخل للجهة المسيطرة عليها أكثر منها ضبط الأمن، حيث يتم تحصيل رسوم عبور للأفراد والسلع والشاحنات والسيارات من جانب الطرفين، وهو ما يبدو جلياً في المعابر في العديد من المناطق السورية. وهنا، تشير بعض الكتابات إلى إغلاق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في نهاية مايو الماضي، المناطق الواصلة مع سيطرة النظام السوري، نظراً لتصاعد الصراع الروسي- الإيراني على جنى الإيرادات المالية من المعابر.                                                                                                                                

اقتصاد الظل  

4- تأمين موارد هامة لشبكات التهريب: تتعدد المعابر التي يتم فتحها أو إغلاقها، وفقاً لرغبات الأطراف المتحكمة فيها، بحيث تدخل وتخرج منها المبادلات التجارية غير الرسمية، الأمر الذي يمكن ملاحظته في حالات عربية مختلفة وخاصة الحالة السورية. وفي هذا السياق، تشير بعض الكتابات إلى معبر "عودن الدادات" بين مناطق "قسد" والمعارضة المسلحة في سوريا والذي يتم عبره دخول المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وقطع غيار السيارات والملابس، وغيرها من السلع التي تحظى بأهمية لدى الطرفين.

أثر كورونا

5- احتواء نسبي لتداعيات كوفيد-19: قررت وزارة الداخلية الأردنية، في بيان بتاريخ 3 مايو الماضي، إعادة فتح معبرين بريين حدوديين مع السعودية (العمري) وسوريا (حدود) أمام المسافرين بعد نحو تسعة أشهر من إغلاقهما بسبب جائحة كوفيد-19، وذلك بواقع 200 شخص يومياً للأول، و1501 شخص يومياً للثاني، وذلك وفقاً للشروط الصحية المعتمدة لاسيما بعد تراجع الإصابات بكورونا.

بوابة المساعدات 

6- التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية لدى قاطني نقاط الاشتعال: وهو ما ينطبق على ساكني قطاع غزة، حيث قامت مصر، في مايو الماضي، بفتح معبر رفح لإدخال مساعدات غذائية ودوائية وعلاج الجرحى الفلسطينيين بعد المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في الشهر نفسه. وفي سياق متصل، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفلد يوم 4 يونيو الجاري، أن إغلاق معبر حدودي (معبر باب الهوى) تمر عبره مساعدات إنسانية إلى سوريا يمكن أن يتسبب في "قسوة لا معنى لها" لملايين السوريين، وجددت دعوة مجلس الأمن الدولي إلى تمديد الإذن بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود. 

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة السماح بوصول الأمم المتحدة إلى باب الهوى، وإعادة فتح المعابر الحدودية الأخرى قبل انتهاء التفويض الحالي الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتسليم المساعدات الإنسانية في 10 يوليو المقبل. وقالت ليندا توماس غرينفلد: "ندعو باقي أعضاء مجلس الأمن لتجديد هذا التفويض حتى نتمكن من وقف المعاناة ومساعدة من هم في أمس الحاجة إليها. نريد من الأمم المتحدة توفير الغذاء للأطفال الجائعين وحماية الأسر المشردة. نريد أن تكون الأمم المتحدة قادرة على تقديم اللقاحات وسط جائحة عالمية". وهنا، أعلنت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة عن نحو 240 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لدعم السوريين والدول التي تستضيف لاجئين سوريين.

مقايضات دولية

7- توظيف القوى الإقليمية والدولية ورقة المعابر لمساومة أطراف أخرى: كانت سوريا، بمعابرها الحدودية وممراتها الداخلية، حاضرة على أجندة اللقاءات التي جمعت بين الرؤساء الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في بروكسل وجنيف في 14 و16 يونيو الجاري. وقد يبدو الموضوع مرتبطاً ظاهرياً بضرورة إغاثة الشعب السوري لاسيما مع اقتراب انتهاء صلاحية قرار إيصال المساعدات عبر الحدود في 10 يوليو المقبل، غير أن ملف المعابر يعكس صراعاً جيوسياسي بين واشنطن وموسكو وأنقرة.

ففي الوقت الذي تركز إدارة بايدن على تعزيز إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، مع تراجع اهتمامها بالملفين السياسي والعسكري، تحاول موسكو الربط بين ملفى المعابر الحدودية والممرات التي تربط بين مناطق النفوذ الثلاث داخل سوريا للضغط على الخصوم عبر فتح ما يطلق عليه "شرايين سوريا الاقتصادية"، والحد من الضغوط المفروضة من بعض العواصم الدولية التي ترهن فك العزلة عن دمشق وإعادة الإعمار بحدوث تقدم في العملية السياسية.

فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية ممارسة إدارة بايدن ضغوطاً على موسكو للاستمرار في إدخال المساعدات إلى شمال سوريا وفتح المزيد من المنافذ للغرض نفسه. ولعل ذلك يفسر زيارة السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفلد إلى تركيا ومناطق المخيمات على الحدود السورية، وهو ما يتزامن مع مطالبة الإدارة الذاتية باريس بزيادة الدعم الإنساني للاجئين في شمال شرقى سوريا، وخاصة في قطاعى الصحة والتعليم.

مرآة عاكسة:

خلاصة القول، إن ما يجري على مداخل ومخارج المعابر الحدودية وبشكل خاص في بؤر الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط يمثل مرآة عاكسة لما يجري في الإقليم فيما يتعلق بتشكل نمط "اقتصاديات المعابر" التي يعتمد على إيراداتها أطراف مختلفة سواء جيوش نظامية أو ميليشيات مسلحة أو جماعات متطرفة وكذلك قوى دولية وأطراف إقليمية في بعض الأحيان، علاوة على استخدامها كأوراق للمساومة بشأن قضايا سياسية وأمنية. كما لازالت للمعابر أهمية مركزية للتصدي للتهديدات التي تمثلها العناصر الإرهابية القادمة عبر الحدود الرخوة من دول الجوار و"جوار الجوار"، بخلاف دور المعابر في إدخال المساعدات الإنسانية للفئات التي تستحقها.