أخبار المركز
  • أحمد نظيف يكتب: (بين داعش والغرب: هجوم موسكو الإرهابي.. دلالات التوقيت والتنفيذ والمصلحة)
  • د. محمد بوشيخي يكتب: (بعد قيادة "العولقي": مستقبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بين التشرذم والتبعية)
  • د. هايدي عصمت كارس تكتب: (الطريق الثالث: ماذا لو خرج بايدن أو ترامب من السباق الانتخابي 2024؟)
  • يوسف ورداني يكتب: (هشاشة عالمية: خارطة التهديدات والتوقعات من منظور الاستخبارات الأمريكية 2024)
  • د. أيمن سمير يكتب: (فرصة أمريكية: هل تستهدف "عسكرة" البحر الأحمر النفوذ الصيني في المنطقة؟)

شواغل يريفان:

مصالح أرمينيا في تحولات الشرق الأوسط

28 أغسطس، 2020


‎رغم أن أرمينيا ليست دولة كبرى، لكنها معنية بدرجة رئيسية بتفاعلات الشرق الأوسط والتحولات الجارية فيه، بحكم تأثيراتها غير المباشرة على الداخل الأرميني وعلاقاتها بالقوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الإقليم، وتتمثل مصالحها في دعم علاقاتها المحورية مع روسيا الاتحادية، ومناوئة سياسات تركيا الإقليمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وشرق المتوسط، ومحاربة الإرهاب العابر للحدود "السائبة"، ودعم الجيوش النظامية في مواجهة الفاعلين المسلحين ما دون الدولة، والدفاع عن حقوق الأقليات الأرمينية وخاصة في بلاد الأزمات العربية مثل سوريا ولبنان والعراق، والحفاظ على المصالح الاقتصادية القائمة، مع العمل على تطويرها في المستقبل، وخاصة مع الإمارات التي تعد الشريك التجاري الأول لها في الإقليم.

‎ويمكن القول إن ثمة مصالح رئيسية لأرمينيا في الشرق الأوسط، وهو ما تعكسه توجهات وتصريحات وتحركات الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزير الخارجية، على نحو يمكن توضيحه في النقاط التالية:

مساندة موسكو

‎1- دعم علاقاتها المحورية مع روسيا الاتحادية: والتي تؤدي دوراً رئيسياً في تفاعلات الأزمة السورية، وتعتبر روسيا حليفاً لأرمينيا. وقد قررت موسكو صد اندفاع أنقرة تجاه أذربيجان بعد التوتر على الحدود المشتركة بين أرمينيا وأذربيجان خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث أجرت موسكو مناورة عسكرية ضخمة شارك فيها 150 ألف جندي، إضافة إلى 400 طائرة، وهو ما يشير إلى رسالة محددة مفادها أن موسكو لن تسمح باضطرابات قد تفتح المجال أمام تدخلات من القوى الدولية بالقرب من حدودها وخاصة أن أحد طرفيها حليف لها، والآخر شريكها الاستراتيجي في جنوب القوقاز.

‎وهنا، تحاول أرمينيا توجيه رسالة مقابلة للشريك الروسي. وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الأرميني دافيد تونويان، في 24 أغسطس الجاري خلال لقائه نظيره الروسي سيرجى شويجو على هامش افتتاح المنتدى العسكري التقني الدولي "ارميا 2020" في موسكو، أن "أرمينيا عازمة على مواصلة تنفيذ برنامج تقديم المساعدات الإنسانية إلى سوريا"، مؤكداً أن "هذا البرنامج ينطوي على أهمية كبيرة"، وأعرب تونويان عن تقديره لدور الجانب الروسي في المساعدة بتنفيذ المهمة الإنسانية الأرمينية في سوريا.

‎ولم يكن ذلك هو الإجراء الأول من نوعه، حيث سبق أن أرسلت الحكومة الأرمينية، في 4 يونيو الماضي، دفعة ثانية من الأطباء وخبراء إزالة الألغام وتقديم الخدمات الطبية والمساعدات الإنسانية في الأماكن المتضررة من العمليات العسكرية، وتحديداً في محافظة حلب. وسبق أن أرسلت الحكومة الأرمينية الدفعة الأولى من المختصين في 8 فبراير الماضي، ويتم ذلك بمساعدة الجانب الروسي في سوريا. وقد تم إجراء عمليات جراحية فضلاً عن فحوص طبية وكشوف مختبرية وفقاً لما ذكره المركز الأرميني لإزالة الألغام والخبرة الإنسانية.

معاداة أنقرة

‎2- مناوئة سياسات تركيا الإقليمية: وخاصة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وشرق المتوسط، لاسيما في ظل محاولات أنقرة التمدد في المناطق الجغرافية السابق ذكرها على حساب أمن واستقرار الدول الوطنية من خلال دعم التيارات الإسلامية ومساندة الجماعات المتطرفة، على نحو ما هو قائم في الصومال وليبيا وسوريا والعراق، فضلاً عن إقامة قواعد عسكرية في تلك الدول، بما يؤدي إلى إطالة بقاء الوجود التركي. ومنذ ارتكاب أنقرة جرائم إبادة عرقية بحق الأرمن خلال الفترة من 1915 إلى 1917 – والتي راح ضحيتها قرابة مليون ونصف أرميني وفقاً للمصادر الأرمينية- اعتادت أرمينيا اتخاذ مواقف مناوئة لسياسات أنقرة التوسعية في المنطقة.

‎ويعد هذا التوجه الأرميني تجاه أنقرة امتداداً لمناوئة أرمينيا لسياسة أنقرة في منطقة القوقاز، لاسيما بعد إجراء مناورات عسكرية على الحدود مع أذربيجان، حيث أكد وزير الخارجية الأرميني زهراب مناتساكانيان، في أول أغسطس الجاري، أن "سياسات تركيا العدوانية تزعزع أمن منطقة جنوب القوقاز، من خلال فرض سيطرتها على دول الجوار، والتي امتدت إلى بلادنا"، وأضاف: "شاهدنا تركيا كيف تحاول فرض سيطرتها على دول مجاورة، هذه السياسات امتدت إلى منطقتنا أيضاً، والموقف التركي مما يحدث حالياً يعكس السياسة التخريبية، والتي كنا وما زلنا شهوداً عليها في منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط".

‎فضلاً عن ذلك، امتد الاعتراض الأرميني ليشمل سياسة أنقرة تجاه القضايا الداخلية، ذات الأبعاد الدولية. فقد أشارت المتحدثة باسم الخارجية الأرمينية آنا نغداليان، في 12 يوليو الماضي، إلى أن "أرمينيا قلقة من قرار سلطات أنقرة المرتبط بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، على الرغم من أنه يعتبر ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي"، وأضافت: "هذا القرار يخلق سابقة خطيرة في مجال تغيير أهداف ومعاني مواقع التراث العالمي الواردة في قائمة اليونسكو، وسنشدد على ضرورة وجود رقابة من جانب المجتمع الدولي، وخاصة اليونسكو، بهدف الحفاظ على المواقع التاريخية داخل تركيا، والتي تتمتع بمثل هذه الصفة".

‎وذكرت نغداليان أن "آيا صوفيا ليس مجرد نصب تذكاري للتاريخ والثقافة، بل هو موقع كان له دائماً معانٍ دينية وثقافية وسياسية مختلفة، ومنح آيا صوفيا مكانة متحف، وإدراجه في قائمة التراث العالمي لليونيسكو، جعله رمزاً ليس للصراع بين الحضارات، بل رمزاً للتعاون ووحدة البشرية".

خطر الإرهاب

‎3- محاربة الإرهاب العابر للحدود "السائبة": قال رئيس برلمان أرمينيا أرارات ميرزويان في المؤتمر الافتراضي العالمي لرؤساء برلمانات الاتحاد البرلماني الدولي، في 20 أغسطس الجاري: "أصبح موضوع مكافحة الإرهاب والتطرف أمراً بالغ الأهمية خلال العقود القليلة الماضية. إذا كان لدي كلمة واحدة فقط للإجابة عن الكيفية التي يجب أن يحاربها العالم فسأقول بالتأكيد التعددية ويعد الاتحاد البرلماني الدولي باعتباره أكبر مؤسسة لديها تعددية في أساسها أحد أنسب المنصات لمعالجة هذه القضية. يشكل الإرهاب بجميع أشكاله تهديداً مباشراً لأمن مواطني جميع الدول. إنه تهديد عالمي مستمر لا يعرف الحدود أو الجنسية أو الدين وهو تحدٍ يجب على المجتمع الدولي معالجته معاً".

‎وأضاف: "سنواصل محاربة هذا التهديد بكل أشكاله ومظاهره بتصميم وتضامن كامل. يمكن وصف الإرهاب في الوقت الحاضر أيضاً بأنه شكل من أشكال شن الحروب بالوكالة. لسوء الحظ حتى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد البرلماني الدولي تلجأ إلى هذا التكتيك كما يمكن أن نشهده في أجزاء مختلفة من العالم. قد يعاني المجتمع العالمي من مثل هذه الأعمال المتهورة ويجب على البرلمانات اتخاذ التدابير المناسبة لمكافحة هذه التحديات. وتولي الجمعية الوطنية لجمهورية أرمينيا أهمية قصوى لضرورة تعزيز التعاون الدولي الشامل في مكافحة الإرهاب، والتنفيذ الكامل لجميع اتفاقات الأمم المتحدة ذات الصلة وغيرها من الصكوك القانونية الدولية".

‎ودعا في نهاية حديثه إلى مساعدة جهود الاتحاد البرلماني الدولي في "الحفاظ على الديمقراطية والسلام في العالم وهو ضمان أساسي لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وعدم السماح للعالم بأن يكون له ضحايا جدد للإرهاب".

‎لذا، تدعم الحكومة الأرمينية جهود الجيوش النظامية والأمنية لمحاربة الإرهاب. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى البيان الذي أصدرته السفارة الأرمينية في مصر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، في أول مايو الماضي، حيث أكدت تضامنها الكامل مع القوات المسلحة المصرية في محاربة الإرهاب ومواجهة كل من يحاولون زعزعة استقرار الوطن على إثر انفجار عبوة ناسفة بإحدى المركبات المدرعة جنوب مدينة بئر العبد في نهاية أبريل الماضي.

‎كما نوّه وزير الخارجية الأرميني زهراب مناتساكانيان، خلال اتصال هاتفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين في 27 يونيو الماضي، إلى أن "الجماعات الإرهابيّة تسعى لإثارة المشاكل، وزعزعة النظام في منطقة الشرق الأوسط؛ مما يقتضي التصدي لهذا التهديد الذي يؤثر في المنطقة برمتها"، وهو ما يعكس الإدراك الأرميني لخطر الإرهاب وضرورة التصدي الجماعي له. وسبق أن أكد وزير الخارجية الأرميني السابق إدوارد نالبانديان، خلال زيارته لسوريا في 28 مايو 2015، أن "خطر الهجمة الإرهابية التي تستهدف سوريا ودورها الأساسي في المنطقة بات اليوم يهدد الكثير من دول المنطقة والعالم لما تمثله سوريا عبر تاريخها الطويل من مثال للتجانس والانسجام بين جميع مكوناتها".

الجيوش أولاً

‎4- دعم الجيوش النظامية في مواجهة الفاعلين ما دون الدولة: وبرز ذلك جلياً في الحالة السورية، حيث أشاد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه وزير الخارجية الأرميني السابق إدوارد نالبانديان، في 28 مايو 2015، بمواقف أرمينيا خلال الأزمة التي تمر بها سوريا، مؤكداً أن "الحكومة الأرمينية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها شعوب المنطقة، من خلال نقل الصورة الصحيحة للدول الغربية حول خطورة ما يحدث في الشرق الأوسط من تمدد للقوى الإرهابية التكفيرية المتطرفة المدعومة عسكرياً ومالياً وفكرياً من جهات غربية وأخرى إقليمية عميلة لها".

‎حقوق الأقليات

‎5- الدفاع عن حقوق الأقليات الأرمينية: تعمل الحكومة الأرمينية على الدفاع عن أقلياتها المنتشرة في عدد من الدول العربية، وخاصة الذين يعانون أوضاعاً ضاغطة، مثلما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق، على الرغم من أن لديهم مدارس وجمعيات ثقافية وكنائس. وقد استقبلت أرمينيا العديد من الأشخاص الفارين من بؤرة الصراع السوري خلال السنوات الماضية، مع الأخذ في الاعتبار غياب إحصاءات رسمية لتسجيل أعدادهم لصعوبة حصرهم بشكل دقيق.

‎وقد تكون الأزمة التالية للجالية الأرمينية في لبنان خلال المرحلة المقبلة في حال استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد لاسيما بعد تفاقم جائحة "كوفيد-19" وانفجار مرفأ بيروت وتعثر تشكيل حكومة جديدة وتنامي الاحتجاجات الشعبية في مواجهة السلطة القائمة ومناهضة نفوذ حزب الله في الداخل اللبناني.

‎وكذلك الحال بالنسبة لأرمن العراق الذين واجهوا مشكلات لا حصر لها خلال سيطرة تنظيم "داعش" على أجزاء من الأراضي العراقية خلال الفترة (2014-2017). وقد عملت الحكومات العراقية المتعاقبة على إرسال إشارات طمأنة إلى أرمينيا بشأن مواطنيها المقيمين في العراق. وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال تلقيه الاتصال الهاتفي من نظيره الأرميني زهراب مناتساكانيان في 27 يونيو الماضي، على عمق العلاقات الثنائية بين بغداد ويريفان، مضيفاً: "إن العراق متنوع القوميات، وإن المجتمع الأرميني جزء فعال من المجتمع العراقي".

‎كما أشار رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي خلال انعقاد اللجنة الحكومية الأرمينية- العراقية، في 27 يناير 2016، إلى درايته بقضايا الأرمن في العراق وسلط الضوء على الدور الإيجابي للمجتمع الأرمني في تنمية البلاد، حيث قال العبادي أن "الحكومة العراقية تدرك وضع الأقليات العرقية والدينية وتتابع مشاكلهم ومن أجل منع الهجرة تعمل على خلق ظروف معيشية ملائمة"، وأشاد العبادي بدور "الأرمن في عملية تطوير الدولة".

‎مصالح اقتصادية

‎6- الحفاظ على المصالح الاقتصادية القائمة: مع العمل على تطويرها في المستقبل. وهنا، تركز أرمينيا على دول بعينها في الإقليم، وأبرزها الإمارات. فقد أكد رئيس جمهورية أرمينيا، أرمين سركيسيان، خلال استقباله للسفير الإماراتي لدى يريفان جاسم محمد القاسمي، في 4 مايو 2018، لتهنئته على إعادة انتخابه لولاية جديدة، أن "دولة الإمارات تعتبر نموذجاً للتطور الاقتصادي والحضاري"، مشيراً إلى حرص بلاده في ظل الحكومة الجديدة على تعزيز وتطوير العلاقات مع الإمارات في المجالات كافة بما يخدم مصالح البلدين، وأوضح أن "دولة الإمارات تعتبر الشريك الأول لأرمينيا بين الدول العربية".

‎ومع الانتقال من التصريحات إلى السياسات، فقد أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، في 30 نوفمبر 2019، عن توقيع اتفاقية رسمية مع صندوق المصالح الوطنية في أرمينيا لتطوير مشاريع طاقة شمسية بقدرة إجمالية تبلغ 400 ميجاواط في البلاد، وبقيمة استثمارية، تتراوح بين 300 - 320 مليون دولار، وفقاً لما أعلنته العديد من وسائل الإعلام الإماراتية. وقد جاء ذلك في أعقاب إبرام مذكرة تفاهم خلال يوليو 2019 بين الطرفين، بهدف إنشاء وتطوير وتشغيل وصيانة محطات للطاقة المتجددة، والتي تشمل مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية الثابتة والعائمة ومشاريع طاقة الرياح.

‎خلاصة القول، إن أرمينيا تنشغل بمجموعة من المحددات لدعم مصالحها الجوهرية في منطقة الشرق الأوسط عبر تعزيز علاقاتها مع دول رئيسية مثل مصر والإمارات وسوريا والعراق، ومناهضة سياسة أنقرة التوسعية وزيادة عدد الدول التي تعترف بما ارتكبته من إبادة جماعية بحق الأرمن، وكان آخرها إعلان مجلس الشعب السوري، في 13 فبراير الماضي، بأنه "يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين"، وتوسيع نطاق المصالح المشتركة بين الدول العربية وأرمينيا وخاصة التي تجمعها خصومة بتركيا، ودفع قاطرة العلاقات الاقتصادية ولاسيما في مجال الطاقة المتجددة.