أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

سياقات متباينة:

كيف تُوظَّف الزكاة في تسييس تفاعلات المنطقة العربية؟

24 مارس، 2020


يوظف الفاعلون الرئيسيون، سواء كانوا حكومات قائمة أو حكومات موازية أو ميلشيات مسلحة أو تنظيمات إرهابية أو منظمات إقليمية ودولية حكومية وغير حكومية، الزكاة في المنطقة العربية بما يتجاوز الأبعاد الدينية المتعارف عليها ليشمل أبعاداً سياسية، تتمثل في دعم المجهود الحربي للميلشيات المسلحة، وتعزيز شرعية وشعبية الحكومات الموازية، والتعرض للاستهداف من جماعات الإجرام المنظم، وتمويل الجماعات الإرهابية لأنشطتها في البؤر الصراعية، وعودة العالقين من المناطق الموبوءة بفيروس "كورونا"، والتخفيف من أزمات اللاجئين في بؤر الصراعات العربية.

محاور مختلفة:

تعددت محاور توظيف الزكاة في تفاعلات المنطقة العربية، من جانب أطراف مختلفة، على النحو التالي:

1- دعم المجهود الحربي للميلشيات المسلحة: فعلى سبيل المثال، تسعى ميلشيا المتمردين الحوثيين إلى توظيف أموال (إيرادات) الزكاة التي يتم تحصيلها من السكان في مناطق سيطرتها ونفوذها بما يؤدي إلى توزيع تلك الأموال، في الغالب، على عناصر الميلشيا والموالين لها، الأمر الذي يفيد في استقطاب المجندين الجدد.

وعلى الرغم من المزاعم التي تطلقها الميلشيا بشكل دوري بشأن قيامها بتوزيع أموال الزكاة على الفقراء في مناطق سيطرتها وبصفة خاصة في العاصمة صنعاء، إلا أن شهادات شهود العيان تدحض تلك الادعاءات. وفي هذا السياق، أشارت بعض المصادر الاقتصادية لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، في 14 مارس الجاري، إلى أن الميلشيا الحوثية استطاعت أن تحصل على أكثر من 300 مليار ريال (الدولار يساوي حوالي 600 ريال) من أموال الزكاة خلال العام الماضي بما يعزز سيطرتها.

وتجدر الإشارة إلى أنه سبق أن أنشأت ميلشيا الحوثيين هيئة مستقلة للزكاة، بهدف إلغاء جميع الحسابات المتعلقة بالزكاة وإدماجها في حساب واحد لدى البنك المركزي الخاضع لسيطرتها، حتى يمكن لها التصرف بحرية كاملة، فضلاً عن قيامها بنهب المساعدات الغذائية المقدمة من منظمة الغذاء العالمي وخاصة تفريغ شحنات القمح بعد إزالة شعار المنظمة عليها ووضعها في عبوات تحمل اسم "هيئة الزكاة" التابعة لها، وخاصة في موسم شهر مضان. ويهدف ذلك الإجراء إلى ابتزاز شيوخ القبائل لتقديم مقاتلين إلى الجبهات العسكرية لمن أراد الحصول على المساعدات.

2- تعزيز شرعية وشعبية الحكومات الموازية: أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في 6 أغسطس 2019، تخصيص 8 مليون و250 ألف دينار لصالح صندوق الزكاة من بند المتفرقات في ميزانية الدولة. ونص القرار على تخصيص المبلغ المشار إليه لتوفير 15 ألف رأس غنم لغرض الأضحية للفقراء والأرامل والأيتام المسجلين لدى صندوق الزكاة وفروعه في مناطق ليبيا لرفع المعاناة عنهم مع حلول عيد الأضحى. 

وتعد هذه هى الحملة السنوية الرابعة تحت شعار "كلنا نضحي" التي يطلقها المجلس، إذ شكل الأخير لجنة لتوزيع الأضاحي برئاسة مدير الشئون الإدارية والمالية لصندوق الزكاة وعضوية مدير فرع الصندوق بطرابلس ومدير فرع مصراتة. ولا شك أن المجلس يحاول عبر القيام بمثل هذه الإجراءات تعزيز شعبيته في أوساط الليبيين القاطنين في العاصمة طرابلس فضلاً عن مواطني مصراتة الذين يمثلون حائط الصد في مواجهة حملة الجيش الوطني الليبي. 

3- التعرض للاستهداف من جماعات الإجرام المنظم: تتعرض مكاتب صناديق الزكاة في عدد من دول الصراعات المسلحة في المنطقة العربية لتهديدات أمنية متصاعدة بسبب صراع السلطة أو انتشار الفوضى، وهو ما يوفر نافذة فرصة لجماعات الإجرام. فقد أعلن مكتب صندوق الزكاة في مدينة بني وليد في ليبيا، في 20 نوفمبر 2019، تعليق أعماله بسبب تهديدات أمنية يتعرض لها.

وقال مدير الإعلام بالمكتب علي التائب عبر الصفحة الرسمية على "فيس بوك": "إن مسلحين اقتحموا مقر الصندوق في بني وليد وتهجموا على الموظفين واحتجزوهم بالقوة ووجهوا لهم شتائم وهددوهم بالقتل"، مشيراً إلى أن "هذه الحادثة ليست الأولى التي يتم فيها الاعتداء على موظفي صندوق الزكاة في بني وليد حيث تعرض المكتب في السابق إلى عمليات سرقة وتخريب".

4- تمويل الجماعات الإرهابية لأنشطتها في البؤر الصراعية: وهو ما ينطبق على "هيئة تحرير الشام" (فرع تنظيم "القاعدة" بسوريا) التي مارست الابتزاز والترهيب ضد قاطني بعض القرى التابعة لإدلب في الشمال السوري، على فترات متباينة، تحت دعاوي تحصيل الزكاة، والتي تعد أحد الروافد الرئيسية لتمويل تلك الجماعة، بعد خسارتها آبار النفط التي كانت تسيطر عليها، واستعادتها ميلشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، وكذلك قوات الجيش النظامي السوري. وساهم ذلك في بحث "هيئة تحرير الشام" عن مصادر بديلة للتمويل، فكان الاستيلاء على أموال الزكاة من المزارعين.  

5- عودة العالقين من المناطق الموبوءة بفيروس "كورونا": يعد أحد التأثيرات التي نتجت عن تمدد فيروس "كورونا" ما يطلق عليه العالقون في المطارات أو على المنافذ الحدودية أو عند مخيمات اللاجئين وغيرهم، والذين يواجهون صعوبات في العودة لبلادهم أو المناطق التي يعيشون فيها. وفي هذا السياق، أثير جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، في 19 مارس الجاري، بسبب تغريدة للسفارة البريطانية في الكويت على منصة "تويتر" وجهت فيها النصح لرعاياها العالقين في الكويت ممن لا يملكون مالاً بطلب المساعدة من الأصدقاء أو المؤسسات الخيرية في الكويت مثل "بيت الزكاة"، ثم تم حذف هذه التغريدة.

6- التخفيف من أزمات اللاجئين في بؤر الصراعات العربية: باتت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين قادرة على تلقي وتوزيع أموال الزكاة وإعادة توزيعها بالوكالة عن المسلمين، من خلال فتاوى صادرة عن علماء مسلمين كبار ودور إفتاء رسمية عريقة، وتضمن المفوضية عدم اقتطاع أى نفقات إدارية من أموال الزكاة. فاللاجئون والنازحون هم الفئة الأشد حاجة إلى أموال الزكاة. ووفقاً للتقرير السنوي 2019 لبرنامج الزكاة لدى مفوضية اللاجئين، ارتفع عدد النازحين إلى 68.5 مليون شخص على مستوى العالم في عام 2017، أى أن معدل النزوح القسري يعادل شخصاً واحداً تقريباً كل ثانيتين. 

ويأتي أكثر من 50% من اللاجئين تحت رعاية المفوضية من خمس دول فقط هى: سوريا وأفغانستان وجنوب السودان وميانمار والصومال. وتجدر الإشارة إلى أن صندوق الزكاة للاجئين، الذي أطلق رسمياً في مايو 2018، يهدف إلى تأمين الدعم المنقذ لحياة أكثر من 24 ألف أسرة لاجئة ونازحة داخلياً من سوريا والعراق واليمن والروهينجا، إذ أن اللاجئين والنازحين داخلياً هم من مستحقي الزكاة ويندرجون تحت أربعة من المصارف الثمانية للزكاة، وفقاً للمبادئ الشرعية (الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين). 

وتسعى مفوضية شئون اللاجئين إلى تأمين تمويل سنوي بقيمة مليار دولار بحلول عام 2025 من قطاعات مختلفة (القطاع الخاص، المؤسسات غير الحكومية، الأفراد)، لاسيما بمشاركة 22 مليون مانح فردي على مستوى العالم، بما يؤدي إلى توفير خدمات المأوى والرعاية الصحية والمياه، بالإضافة إلى الدعم النقدي والمشاريع المدرة للدخل. وتجدر الإشارة إلى أن النظام البيئي للزكاة يواجه العديد من التحديات التي أدت إلى الحد من حجم أموال الزكاة المحصلة والأثر الذي حققته، كما ظهر تباين حول مدى استفادة غير المسلمين من الزكاة، إذ اختلف علماء المسلمين حول ما إذا كان غير المسلمين مستحقين للزكاة أو ما إذا كانت الزكاة مقصورة على المسلمين فقط دون غيرهم.

جدول توزيع اللاجئين "المسلمين" حسب بلد المصدر


المصدر: برنامج الزكاة لدى مفوضية اللاجئين: التقرير السنوي 2019

مجالات متعددة:

خلاصة القول، إن هناك توظيفاً لأموال الزكاة، التي تذهب في غير محلها في بعض الدول العربية المأزومة، وقد تصل إلى فئات مستحقة ولكنها تأتي في ظل أغراض سياسية لتعزيز شرعية منقوصة لحكومة موازية في البقاء في السلطة، حتى لو كانت الأخيرة تتسم بالضعف والهشاشة. ونظراً لضعف الأجهزة الأمنية في بعض الدول، تظل الجهات المعنية بتوزيع الزكاة موضع استهداف من جانب الجماعات الإجرامية. 

غير أنه يمكن لأموال الزكاة أن تساهم في تلبية الاحتياجات الإنسانية على نطاق واسع عبر رفع مستوى التعاون بين جميع الجهات المعنية في فضاء العمل الخيري الإسلامي ومنها برنامج الزكاة لدى مفوضية شئون اللاجئين ومنتدى الزكاة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة التعاون الإسلامي.

وفي هذا السياق، يقترح البعض بأن يتضافر إلى جانب أموال الزكاة والصدقة، تخصيص أوقاف للاجئين، وهو ما يمثل فرصة لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، لاسيما في ظل وجود دول رئيسية تبدي اهتماماً خاصاً بالأوقاف، إذ تنظم مؤسسة الأوقاف العامة في الكويت منتدى الأوقاف كل عامين وتضع معايير عالمية حول ممارسات الأوقاف. وكذلك تم إنشاء مركز محمد بن راشد العالمي لاستشارات الوقف والهبة. وسيؤدي تأسيس كيان وقفي للاجئين إلى تمكين منظمات وهيئات عديدة من القيام باستثمارات ذات أثر اجتماعي يعود بالنفع على اللاجئين.