أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تدوير الزوايا:

لماذا تسعى إيران إلى تحسين علاقاتها مع "طالبان"؟

14 يناير، 2019


تبذل إيران جهودًا حثيثة في الفترة الحالية لتحسين علاقاتها مع حركة "طالبان" الأفغانية. ورغم أن هذه المحاولات ليست جديدة، حيث كانت هناك دائمًا قنوات تواصل غير معلنة بين الطرفين، فإن اللافت في هذا السياق هو أن إيران باتت تحرص على الكشف عن وجود هذه القنوات وعن سعيها إلى تطوير علاقات مع الحركة، وهو ما بدا جليًا في تصريحات بعض مسئوليها خلال الفترة الأخيرة مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني. ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن محاولات إيران تمهيد الساحة الأفغانية لعودة عناصر من ميليشيا "فاطميين"، وربما الاستعداد مسبقًا لاحتمال أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بانسحاب مفاجئ على غرار ما حدث في سوريا.

إشارات متواصلة

حرص بعض المسئولين الإيرانيين في الفترة الأخيرة على التلميح إلى أن إيران تتجه نحو تأسيس علاقات أقوى مع حركة "طالبان"، التي كانت خصمًا لطهران خلال فترة حكمها لأفغانستان في تسعينيات القرن الماضي. فبعد لقاءه مع وفد من الحركة في طهران، في 29 ديسمبر 2018، قام مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي بزيارة كابول، حيث اجتمع مع الرئيس أشرف غني، وهى خطوة روجت إيران إلى أنها تأتي في سياق جهود تبذلها لدعم العملية السياسية في أفغانستان، وربما الإيحاء بإمكانية أن تمارس دور الوسيط بين الحركة والحكومة الأفغانية. 

وقد انعكس هذا الهدف في تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في 10 يناير 2019، والتي أكد فيها على ضرورة أن يكون هناك دور لـ"طالبان" في مستقبل أفغانستان، مشددًا في الوقت ذاته على أن هذا الدور يجب أن لا يكون في قيادة الحكومة الأفغانية. 

هذه التصريحات تحديدًا تطرح دلالة مهمة تتمثل في أن إيران تتبنى رؤية خاصة بها لمستقبل الترتيبات السياسية الأفغانية، تقوم على ضرورة عدم إقصاء "طالبان" مع وضع "خطوط حمراء" ترتبط بحساباتها ومصالحها في أفغانستان، وتتمثل في الحيلولة دون صعود الحركة إلى قمة السلطة مرة أخرى، على نحو قد يؤدي إلى تجديد التوتر الذي اتسمت به العلاقات بين الطرفين في الفترة التي تولت فيها الحركة الحكم، ووصلت إلى ذروتها عندما وضعت إيران خطة للتدخل العسكري في أفغانستان عام 1998 بعد مقتل عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار شريف قبل أن تتراجع عنها في النهاية. 

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير حرص إيران على بذل مزيد من الجهود لرفع مستوى علاقاتها مع حركة "طالبان" خلال الفترة الحالية في ضوء اعتبارات عديدة تتمثل في:

1- التمهيد لعودة "فاطميين": بات السؤال عن مستقبل الميليشيات الطائفية التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها للدفاع عن مصالحها في دول مثل سوريا والعراق، يُطرح بشكل بارز داخل طهران، خاصة بعد تغير توازنات القوى العسكرية داخل سوريا لصالح النظام، الذي بات يسيطر، حسب تقديرات عديدة، على نحو ثُلثى الأراضي السورية. 

ويبدو أن ثمة تصورات عديدة طرحت في هذا السياق عكستها تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين وقادة تلك الميليشيات في الفترة الماضية، منها انتقال قسم من هذه الميليشيات إلى مناطق أخرى تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها فيها أو عودتها إلى دولها الأصلية مثل أفغانستان وباكستان.

وهنا، فإن إيران ربما تسعى، عبر رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني مع "طالبان"، إلى تأمين عودة كوادر وعناصر من ميليشيا "فاطميين" إلى أفغانستان، مع ضمان عدم دخولها في صراع مسلح مع "طالبان" التي يمكن أن ترفض ذلك وتتحرك لمنعه. 

وقد تدعي إيران في هذا السياق أن عودة هذه العناصر يكتسب أهمية خاصة في ضوء إمكانية انخراطها في مواجهات مع تنظيم "داعش" في المناطق التي يتواجد فيها داخل أفغانستان، وهى ادعاءات لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تشير إلى أن إيران هى إحدى القوى الرئيسية الداعمة للإرهاب وأن الممارسات التي قامت بها في سوريا والعراق وغيرها كانت السبب الرئيسي الذي ساعد التنظيمات الإرهابية على الانتشار في هذه الدول. 

2- الاستعداد لانسحاب أمريكي محتمل: قد ترى إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تقدم على اتخاذ خطوة مفاجئة بالانسحاب من أفغانستان، على غرار القرار الذي تبنته في سوريا وبدأت في تحويله إلى إجراءات عملية خلال الفترة الماضية. وبالطبع، فإنه مثلما تحاول طهران في الوقت الحالي ملء الفراغ الذي سوف ينتج عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، فإنها ترى أن الاستعداد مسبقًا لهذا السيناريو في أفغانستان يمكن أن يساعدها على تعزيز نفوذها داخل الأخيرة حتى قبل أن تتخذ واشنطن خطوة في هذا الإطار. 

3- مواجهة الضغوط: ربما تعتبر اتجاهات في طهران أن الضغوط التي ستتعرض لها إيران في المرحلة القادمة سوف تتركز على أدوارها في الإقليم، على نحو بدت مؤشراته جلية في الاستعدادات التي تجريها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي لعقد قمة دولية في بولندا يومى 12 و13 فبراير 2019، سوف تركز على مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، وفي التقارب الملحوظ في المواقف الأوروبية والأمريكية تجاهها في الفترة الماضية، والذي سيتعزز بعد قيام الاتحاد الأوروبي، في 8 يناير الجاري، بفرض عقوبات عليها بسبب تورطها في عمليات حاولت من خلالها استهداف بعض رموز المعارضة الإيرانية الموجودة في الدول الأوروبية.

وهنا، فإن إيران قد تسعى إلى استباق تصاعد حدة الضغوط المفروضة عليها بتعزيز نفوذها في مناطق الأزمات، في إشارة إلى أنها لن تتراجع بسهولة عن هذه الأدوار، وإلى أنها ربما تتبنى مواقف أكثر تصعيدًا خلال المرحلة القادمة.

عقبات محتملة:

لكن ذلك لا ينفي أن هذا الدور الجديد الذي تحاول إيران ممارسته في أفغانستان يواجه عقبات لا تبدو هينة. إذ أنه لا يحظى بقبول من جانب الأطراف المعنية بالتطورات السياسية والأمنية في الأخيرة، على نحو انعكس حتى في الانتقادات القوية التي وجهتها كابول إلى طهران، حيث دعا حسين مرتضوى نائب الناطق باسم الرئاسة الأفغانية الأخيرة، في 11 يناير الجاري، طهران إلى الاهتمام بمشكلاتها السياسية الداخلية التي أدت إلى أزمة لسنوات، مضيفًا: "أليس من الأفضل لطهران الاستماع إلى خصومها السياسيين بدلاً من طالبان؟". وبالطبع، فإن ذلك لا ينفصل عن الموقف الرافض الذي ستبديه كابول تجاه أى تحرك إيراني محتمل لإعادة عناصر من ميليشيا "فاطميين" إلى أفغانستان، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات سلبية على أمنها واستقرارها.

فضلاً عن ذلك، فإن محاولات إيران تعزيز حضورها في دول الأزمات سوف تفرض ضغوطًا إضافية على ميزانيتها، في وقت تواجه احتجاجات داخلية متصاعدة وتحصل على عوائد مالية أقل من صادراتها النفطية، وهو ما يعني أنها تغامر في تلك اللحظة بمواجهة أزمات داخلية وخارجية غير مسبوقة.