أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مكاسب متبادلة:

دلالات إعفاء الإماراتيين من تأشيرة "شنغن"

15 مايو، 2015


في خطوة تاريخية، وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 6 مايو الجاري، اتفاقية ثنائية؛ يُعفى بموجبها مواطنو دولة الإمارات من تأشيرة "شنغن"، وذلك بعد أن وافق عليها البرلمان الأوروبي في 26 فبراير من العام الماضي بأغلبية 523 عضواً من أصل 577 عضواً.

تنطوي الاتفاقية المذكورة على إيجابيات عديدة، فقد أصبحت الإمارات بذلك أول دولة عربية تحظى بالإعفاء من تأشيرة الدخول إلى دول منطقة "شنغن"، حيث سيكون بإمكان مواطني الدولة، حَمَلة الجوازات الدبلوماسية والخاصة والمهمة والعادية، السفر إلى 34 دولة أوروبية، لقضاء ستة أشهر في كل سنة، على ألا تزيد مدة البقاء على 90 يوماً في الزيارة الواحدة.

وإضافة لذلك، سوف تسهل فإن هذه الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي للإماراتيين حرية السفر والتنقل في دول الاتحاد، وسوف توفر كثيراً من الوقت والجهد والمال، وإنهاء الإجراءات الطويلة للحصول على تأشيرات هذه الدول، كما ستتيح للطلاب الإماراتيين فرصاً أكبر في التعرف على الجامعات الأوروبية عن قرب، واختيار ما يناسبهم منها لاستكمال دراستهم.

منطقة شنغن (Schengen Area)

سمّيت بذلك نسبة لـ(اتفاق شنغن) الذي تم توقيعه في قرية "شنغن" - وهي تقع في المثلث الحدودي بين لكسمبورج وألمانيا وفرنسا - يوم 14 يونيو عام 1985، من قِبَل خمس دول أوروبية، هي: (ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، ولكسمبورج)، وانضم لهذا الاتفاق لاحقاً دول أوروبية أخرى. وهي معاهدة تسمح بإلغاء عمليات المراقبة على الحدود بين البلدان المشاركة.

ولم يبدأ سريان هذا الاتفاق عملياً إلا بعد مرور نحو قرن من الزمان، وتحديداً عام 1995. وفي عام 2004، انضمت دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية "شنغن" عدا بريطانيا وجمهورية إيرلندا. وفي 12 ديسمبر 2007، توسع نطاق المعاهدة ليشمل دولاً انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي، عدا قبرص وبلغاريا ورومانيا، كما أنه بات يشمل النرويج وأيسلندا.

وقد عدلت معاهدة لشبونة الموقعة في 13 ديسمبر 2007، القواعد القانونية المنظمة لمنطقة "شنغن"، بما يسمح بتعاون أمني وقضائي أكبر بين الدول المشاركة في هذه المنطقة، سواء تعلق الأمر بالتأشيرات أو بالهجرة أو باللجوء السياسي. وتوسع نطاق المعاهدة مجدداً في العام التالي 2008 ليشمل سويسرا، مع أنها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي.

وتضم قائمة الدول التي تعفي مواطني دولة الإمارات من تأشيرة الدخول المسبقة 34 دولة أوروبية: "النمسا، بلجيكا، الدانمارك، السويد، مالطا، استونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، بولندا، ليتوانيا، لاتفيا، اليونان، أيسلندا، إيطاليا، سلوفاكيا، التشيك، سويسرا، لوكسمبورج، هولندا، المجر، سلوفينيا، كرواتيا، بلغاريا، رومانيا، ليختنشتاين، قبرص، النرويج، البرتغال، أسبانيا، الفاتيكان، أندورا، سان مارينو، وموناكو".

دلالات إعفاء الإماراتيين من تأشيرة "شنغن"

لا شك أن إعفاء مواطني دولة الإمارات من تأشيرة "شنغن" يحمل في طياته العديد من المزايا للجانبين الإماراتي والأوروبي، والكثير من الدلالات التي تتجاوز نطاق المصالح التجارية والعلاقات الاقتصادية، لتجسد في احدى صورها قوة الإمارات على الساحة الدولية؛ لأن الاتفاقية جسًدت الصورة الذهنية التي تكونت لدى دول العالم عن دولة الإمارات وسياستها الخارجية، والتي اكتسبت احترام وتقدير وثقة دول العالم، وأكدت في الوقت نفسه أن دعم قيادة دولة الإمارات وتوجهاتها الرشيدة للمواطن وتمكينه وتوفير كل أسباب الحياة الكريمة والرفاهية له ولأسرته لم يقتصر على داخل الدولة فقط، بل سعت القيادة إلى تحقيق هذه القيم له حتى وهو خارج بلاده، مع ضمان تمثيل دولة الإمارات بصورة مشرفة في الخارج.

وقد دفع ذلك وزارة الخارجية الإماراتية إلى إطلاق حملة توعية بشأن إعفاء الإمارتيين من تأشيرة "شنغن"، حيث توفر الحملة النصائح والإرشادات التي يحتاجها الإمارتيون المسافرون إلى منطقة دول "شنغن"، والتي تجنبهم العديد من الصعوبات في الخارج.

كما عكست الاتفاقية المشار إليها العلاقات الطيبة لدولة الإمارات مع الاتحاد الأوروبي، إذ رحبت دول الاتحاد بتوقيع اتفاقية "شنغن" واعتبرتها "علامة بارزة في العلاقات الإماراتية الأوروبية"، وهو ما يعني تزايد الثقة الأوروبية في دولة الإمارات، وأن لهذه الدولة مكانة خاصة وثقلاً اقتصادياً وسياسياً، بما يستتبعه ذلك من زيادة متوقعة في حجم الاستثمارات القادمة للإمارات من دول الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين الجانبين.

جدير بالذكر أنه منذ التوجه نحو إلغاء "شنغن" عن الإماراتيين، ارتفع حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات ودول الاتحاد الأوروبي بنسبة كبيرة بلغت 18%، ليصل إلى 270 مليار درهم.

كذلك، فإن إلغاء تأشيرة "شنغن" لمواطني الإمارات مثلما يعود بالنفع على دولتهم من خلال زيادة عدد السائحين الأوروبيين إليها، فإن الاتفاقية ستعود بالنفع أيضاً على الدول الأوروبية من عائدات السياحة الإماراتية، حيث تستفيد دول الاتحاد الأوروبي من السياحة الخليجية والإماراتية على وجه الخصوص، وسوف تتضاعف هذه الاستفادة لديهم بسبب إلغاء "شنغن"، إذ يتوقع أن تسجل نمواً يزيد على 10% هذا العام. وفي هذا الصدد، تشير التقديرات إلى وجود نحو 508 رحلة طيران أسبوعياً بين الجانبين الإماراتي والأوروبي.

سنوات من العمل الدؤوب

يعد الإعفاء من تأشيرة "شنغن" ميزة تطمح إليها كثير من دول العالم، من بينها دول ذات مساحات واسعة واقتصادات ضخمة وجيوشاً هائلة، لكن معيار قوة الدول وتأثيرها العالمي لم يعد يُقاس بهذه المعايير فقط، بل ثمة مؤثرات وأدوات أخرى وقوة ناعمة تتفوق بمئات المرات على القوة العسكرية وتعداد الجيوش.

وفي هذا الإطار، فإن إعفاء الإماراتيين من تأشيرة الدخول إلى دول منطقة "شنغن"، لم يأت من فراغ، بل وراءه جهود كبيرة تُحسب لقيادة الدولة أولاً، ولدبلوماسيتها النشطة ثانياً، ولمواطنيها ثالثاً. فالأولى لديها أسس راسخة في علاقاتها مع العالم الخارجي تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الأمر الذي أكسبها احترام العالم أجمع. والثانية تتحرك بوعي ونشاط مُدركةً حجم المسؤولية الملقاة عليها. والثالثة شعب أجبر بقيمه وسلوكه العالم على احترام وتقدير وطنه ووضعه في المكانة اللائقة به على الخارطة الدولية.

لهذا ليس غريباً أن يعتبر سمو الشيخ "هزاع بن زايد آل نهيان" - مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي - أن "النجاح الباهر للدبلوماسية الإماراتية التي يقف على رأسها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية وفريق عمله المميز ما هو إلا ثمرة سنين من العمل الدؤوب الذي نالت فيه الدولة بقيادتها وبإرادة شعبها وتضامنه وثقته الدائمة بمسيرته احترام العالم أجمع وتقديره، حتى باتت جميع الأبواب مفتوحة لمواطني الدولة ممن ساهموا في الوصول إلى هذه النتيجة من خلال تمثيل دولتهم في الخارج خير تمثيل، فباتوا مصدر ترحيب في كافة بلدان العالم".

وفي هذا السياق، أكد سمو الشيخ "عبدالله بن زايد آل نهيان" أن "هذا الانجاز يعد واحداً من سلسة النجاحات المتتالية والمتواترة التي تشهدها الدولة في مختلف القطاعات، ويشكل اعترافاً من البرلمان الأوروبي بمكانة الإمارات والنجاحات التي حققتها طوال السنوات الماضية، والتي أصبحت مصدر إلهام للعديد من دول المنطقة".

الإمارات نموذجاً

ثمة إجماع على أن سياسة دولة الامارات العربية المتحدة الخارجية أجبرت دول العالم على وضعها في المكانة اللائقة بها، والحرص على توطيد التعاون معها في جميع المجالات.

ومن ثم، يمكن القول إن هناك عوامل عديدة ساعدت على إعفاء مواطني الإمارات من تأشيرة "شنغن"، منها أن دولة الامارات ليس لديها مهاجرون غير شرعيين للبحث عن عمل، فضلاً عن ملف الدولة الأمني والمتمثل فيما تتمتع به الإمارات من أمن وأمان دون وجود جماعات إرهابية أو مجموعات تحريضية هدفها العنف والتخريب، إضافة إلى كثرة الرحلات الجوية من دولة الإمارات إلى دول الاتحاد الأوروبي والعكس، هذا إلى جانب طبيعة الحركة الاقتصادية الكبيرة، وحجم التبادل التجاري والمصالح المشتركة للجانبين، ناهيك عن فوز الإمارات باستضافة العديد من الفعاليات الدولية.

خلا­صة القول، إن إعفاء مواطني الإمارات من تأشيرة "شنغن" جاء كنتيجة منطقية لسياسة قيادة رشيدة تحمل رؤية واعية للواقع وتُحسن قراءته، ولديها القدرة على استشراف المستقبل. وهذه الخطوة سيكون لها انعكاسات إيجابية على دولة الإمارات اقتصادياً وسياسياً خلال الفترة القادمة، إذ يُتوقع أن تساهم في زيادة حجم الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية والتدفقات السياحية إليها، فضلاً عن تعزيز مكانة الإمارات وحضورها إقليمياً ودولياً.