أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

اعتبارات مختلفة:

لماذا مدد مجلس الأمن مهمة "أميصوم" في الصومال؟

04 يونيو، 2018


يشير القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع، في 15 مايو 2018، ويسمح للاتحاد الإفريقي بإبقاء بعثته لحفظ السلام في الصومال "أميصوم" حتى 31 يوليو 2018، إلى أن التهديدات الأمنية التي تواجهها الأخيرة وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، لا سيما مع تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها حركة "شباب المجاهدين" التي ما زالت لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية رغم الهزائم التي منيت بها في الأعوام الأخيرة منذ طردها من العاصمة في عام 2011.

ومع أن القرار الدولي قضى بخفض عدد تلك القوات الذي يصل إلى 21 ألف جندي، وذلك إلى حين سحبها تدريجيًا حتى عام 2020، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة رفضًا ملحوظًا من جانب الدول المشاركة فيها، وهى كينيا وأوغندا وبوروندي وجيبوتي وإثيوبيا، لهذا الاتجاه، باعتبار أن ذلك يمكن أن يفرض تداعيات مباشرة على أمنها واستقرارها، خاصة في ظل المحاولات المتكررة من جانب تلك التنظيمات لنقل عملياتها الإرهابية إلى خارج حدود الصومال.

أسباب متعددة:

حرص مجلس الأمن الدولي على مد فترة عمل قوات حفظ السلام في الصومال يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- وقف تمدد حركة "شباب المجاهدين": والتي تسعى إلى توسيع نطاق سيطرتها ونفوذها داخل البلاد رغم الضربات التي تعرضت لها في الفترة الماضية، حيث حاولت التمدد في منطقة الخط الساحلي، التي تعد إحدى أهم المناطق الاستراتيجية فيها، وذلك بهدف التحكم في المناطق التي تربط بين الصومال وكينيا.

وقد كان لافتًا أن هذه المحاولات التي تبذلها الحركة توازت مع حرصها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال الفترة الأخيرة، على غرار الهجوم الانتحاري الذي استهدف قاعدة عسكرية بمدينة غالكعيو الواقعة في إقليم مدق وسط البلاد، في إبريل 2018، وأسفر عن مقتل 5 أشخاص بينهم 3 ضباط رفيعي المستوى في القوات المسلحة الصومالية.

2- احتواء نشاط "داعش": الذي بدأ يتصاعد داخل الصومال منذ يناير 2016، بعد أن أعلنت إحدى المجموعات المنشقة عن حركة "شباب المجاهدين"، ولائها له، حيث تتكون، طبقًا لتقديرات عديدة، من 600 عنصر تقريبًا، ويتزعمها القيادي السابق في الحركة عبد القادر مؤمن. وقد تمكنت من الانتشار في بعض المناطق واستقطاب بعض الشباب المؤيدين لأفكارها وتوجهاتها.

ودفع هذا النشاط اتجاهات عديدة إلى التحذير من أن ذلك قد يفرض تهديدات خطيرة لأمن واستقرار الصومال، ليس فقط لكونه يمثل مؤشرًا يكشف عن سعى التنظيم إلى تكريس نفوذه في منطقة القرن الإفريقي فحسب، وإنما لأنه ربما يجعل من تلك المنطقة الوجهة المقبلة للإرهابيين الفارين من سوريا خلال الفترة القادمة.

وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن عدد من عناصر "داعش" بدءوا، منذ مطلع عام 2018، في الانتقال إلى الصومال بالفعل، وسبق ذلك تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، في ديسمبر 2017، أشار فيها إلى أن "التنظيم دعا عناصره إلى التوجه إلى ليبيا وبعض مناطق القارة الإفريقية مثل منطقة الساحل".

3- تقويض المشروع "القاعدي" في شرق إفريقيا: تمارس حركة "شباب المجاهدين" دورًا رئيسيًا في دعم نفوذ وتمدد تنظيم "القاعدة" في شرق إفريقيا، وذلك من خلال تصعيد عملياتها الإرهابية داخل الصومال وخارجها، وهو ما يتوازى مع تزايد اهتمام تنظيم "القاعدة" بالصومال، نظرًا لموقعها الاستراتيجي المهم القريب من خطوط المواصلات العالمية في البحر الأحمر، حيث يرى أنها يمكن أن تمثل محور التقاء مع التنظيمات الإرهابية الأخرى الموالية له، على نحو يمكن أن يساعده في استعادة نفوذه من جديد.

ومن هنا ترى الدول المشاركة في قوة حفظ السلام أن مواصلة مهامها داخل الصومال يمكن أن يساعد في الحيلولة دون نجاح "القاعدة" في توسيع نطاق تمدده داخل منطقة شرق إفريقيا، بشكل سوف ينتج تأثيرات إيجابية على حالة والاستقرار فيها.

4- تجفيف مصادر التمويل: تمكنت التنظيمات الإرهابية في الصومال، وخاصة حركة "شباب المجاهدين"، من الحصول على مصادر متعددة للتمويل، بشكل ساعدها في مواصلة أنشطة ومحاولاتها تجنيد مزيد من العناصر الإرهابية المؤيدة لها. وتشير تقارير عديدة إلى أن أبرز تلك المصادر يتمثل في المساعدات التي تقدمها بعض القبائل فضلاً عن التحويلات الخارجية من جانب بعض الجمعيات والعناصر المتعاطفة مع الحركة. وبالطبع، فإن ذلك يضفي أهمية خاصة على بقاء القوات الدولية باعتبار أنها يمكن أن تساهم في الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل تجفيف ومحاصرة تلك المصادر في إطار مساعيها للقضاء على تلك التنظيمات.

5- ضعف الجيش الصومالي: تواجه الصومال مشكلات أمنية عديدة، خاصة في ظل عدم قدرة المؤسسة العسكرية على مواجهة نشاط التنظيمات الإرهابية وتقليص قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية جديدة. وقد باتت هذه المشكلات محل اهتمام خاص من جانب العديد من القوى الدولية التي تطالب بضرورة الإسراع في تقديم دعم للجيش الصومالي وتعزيز قدرته على القيام بمهامه.

6- دعم الرئيس فرماجو: تسعى الدول التي تدعو إلى بقاء القوات الدولية في الصومال خلال هذه المرحلة إلى تعزيز قدرة الرئيس محمد عبدالله فرماجو على تنفيذ برنامجه الذي يهدف، وفقًا لرؤيتها، إلى إعادة الاستقرار السياسي والأمني داخل الصومال، خاصة أن ذلك يتوافق مع مصالحها باعتبار أن دعم الاستقرار داخل الصومال سوف يفرض ضغوطًا قوية على التنظيمات الإرهابية ويحول دون استغلالها للحدود الرخوة من أجل تنفيذ عمليات إرهابية نوعية داخل أراضيها.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول في النهاية إن بقاء قوات حفظ السلام في الصومال أصبح ضرورة تفرضها التطورات الأمنية التي تشهدها الأخيرة. لكن ذلك لا ينفي أن الأولوية في مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية تتمثل في إعادة بناء الجيش الصومالي ودعم مؤسسات الدولة المختلفة، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.