أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

تحولات جذرية:

سيناريوهات ما بعد مقتل "علي عبدالله صالح"

05 ديسمبر، 2017


لم تمرّ ساعات معدودة على إعلان الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح" إنهاء تحالفه مع الحوثيين، والسيطرة على العاصمة صنعاء، حتى قامت الميليشيات الحوثية بتصفيته جسديًّا. ويُعد مقتل صالح بمثابة نقطة تحول مهمة في الصراع الأهلي الدائر في اليمن، حيث ترتب عليه انهيار كامل لتحالف الحوثيين مع أنصار صالح في حزب المؤتمر الشعبي، وإعلان القبائل المؤيدة له عزمها التحرك ضد الحوثيين بالتوازي مع تكثيف القوات اليمنية وقوات التحالف العربي لعملياتها لاستعادة العاصمة صنعاء، وهو ما يعني فرض حصار كامل على الحوثيين من غالبية القوى والتيارات اليمنية.

تحولات ضاغطة:

فَقَدَ الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" جزءًا كبيرًا من نفوذه قبل مقتله، حيث تم تجريد صالح من قوته العسكرية من خلال تشتيت ألوية الحرس الجمهوري، وتوزيعهم على جبهات الحرب، وفصل قياداتهم المركزية وإلحاقها بقيادات الجبهات تحت إمرة قيادات حوثية، كما تمت ملاحقة عدد كبير من أعوانه والتضييق عليهم دون أن يتخذ صالح وحزبه أي إجراءات لحمايتهم، وهو ما دل بوضوح على تراجع قدراته وتأثيره.

ولعل المثال الأبرز في هذا الصدد قيام الحوثيين بالاعتداء على نجله "صلاح"، وقتل مرافقه الشخصي العقيد "خالد الرضي"، وذلك في أغسطس 2017، كما قام الحوثيون بالهجوم على منزل العميد "طارق صالح" نجل شقيقه في مطلع ديسمبر 2017، وهو ما أدى إلى مقتل 3 من حرسه الشخصي، وقد هدد الحوثيون بقتل صالح بشكل علني أكثر من مرة، ووصفوه بعددٍ من الألفاظ النابية والمسيئة لشخصه ولأسرته.

وعلى الرغم من هذا فإن صالح كان يحرص في كل لقاء تليفزيوني على تأكيد أنه لا خلاف بينه وبين الحوثيين، وهو ما رآه بعض اليمنيين تخاذلًا منه وضعفًا في مواجهتهم. ويبدو أن صالح قد غاب عنه أن جماعة الحوثي لم تنسَ مقتل قائدها "حسين بدر الدين الحوثي" الذي تم قتله في مواجهات مع الجيش عام 2004، ولهذا قامت ميليشيات الحوثي بتصفية صالح بذات الأسلوب الذي قُتل به قائدها.

وقد أدى تصريح صالح، في  ديسمبر 2017، إلى التعجيل بقرار تصفيته؛ حيث دعا أتباعه وقوات الجيش والأمن إلى عدم تنفيذ أوامر قيادة ميليشيا الحوثي، ومقاومتها في كل منطقة باعتبارها عاثت في الأرض فسادًا لثلاث سنوات، وتسببت فيما يحدث للشعب من تجويع وقتل وتشريد وحصار، ثم إعلانه فك التحالف بينهما، ويبدو أن صالح لم يكن مدركًا حالة الضعف التي يُعاني منها هو وأتباعه، وخروجه من المشهد السياسي.

اختلال التوازنات:

من المحتمل أن يؤدي مقتل صالح إلى اختلال التوازنات الداخلية، وانفراد جماعة الحوثي بالسلطة في المناطق الخاضعة لها، معتمدة في ذلك على القوة المفرطة ضد كل خصومها، وستقوم قيادات حزب المؤتمر بترتيب أوراقها من جديد، ومحاولة تعويض الخسائر التي تسبب بها التحالف مع الحوثيين. ومن الجدير بالذكر أن معظم قيادات المؤتمر وقواعده كانوا غير راضين بتاتًا عن هذا التحالف الذي أدى إلى إقصاء عدد كبير من قياداتهم، وسيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة وقيامهم بإدارتها بشكل غير دستوري، بيد أنه من المتوقع أن تمتد هذه الفترة بعض الشيء، حيث سيسعى الحوثيون للنيل من أعضاء حزب المؤتمر.

وقد يحاول بعض أعضاء حزب المؤتمر حشد الصفوف ضد الحوثيين، خاصة أنهم أكبر شريحة مجتمعية عانت من تضييق الحوثيين، بالإضافة إلى خبرة قيادات حزب المؤتمر الطويلة في الحكم وإدارة مؤسسات الدولة لمدة لا تقل عن 33 عامًا، وقد استمروا في هذه المؤسسات في عهد السلطة الشرعية برئاسة "عبدربه منصور هادي"، ولم يتم إقصاؤهم إلا بواسطة الحوثيين بعد أن استبدلوهم بقيادات حوثية، يضاف إلى هذا رغبة بعض أعضاء حزب المؤتمر في الثأر لصالح، لا سيما وأن بعضهم كان يراه زعيمًا وقائدًا ملهمًا.

أما قوات الحرس التي كانت موالية لصالح فقد واجهت قياداتها العسكرية عملية إذلال غير مسبوقة من قبل الحوثيين أدت إلى انتقالهم من معسكراتهم، والاعتكاف في منازلهم بعد تجريدهم من حقوقهم المادية والمعنوية، فيما تخلى بعضهم عن ولائه لوحدته العسكرية وقيادته وانضم إلى صفوف الحوثيين.

السيناريوهات المُحتملة:

توجد ثلاثة سيناريوهات محتملة في مرحلة ما بعد صالح تتمثل فيما يلي:

1- سيناريو السيطرة الحوثية: قد تنفرد ميليشيا الحوثي بالسلطة من خلال الإفراط في استخدم القوة القهرية، واتباع أسلوبهم المعتاد في الإعدامات وهدم المنازل وتهجير الأسر، ومن المحتمل أن يُجبر الحوثيون المواطنين على التوجه للجبهات بالقوة، وهو ما سيطيل أمد الأزمة.

2- سيناريو المقاومة الشعبية: من المحتمل أن يقوم بعض أعضاء حزب المؤتمر بتشكيل خلايا مقاومة على مستوى كل منطقة بعد الإعلان عن قيادة موحدة لمقاومة الحوثيين والانتقام لزعيمهم، مع الاستعانة بالقيادات العسكرية والأمنية التي تضررت من سيطرة الحوثيين، وتعرضت بسببهم للإقصاء من المشهد السياسي، وبالتحالف أيضًا مع بعض فئات الشعب التي لحقها الأذى من أساليب الحوثيين في فرض الإتاوات تحت مسميات دينية مختلفة أو تحت زعم دعم المجهود الحربي، ويأتي على رأس الفئات المتضررة: موظفو القطاع الحكومي، وأفراد الجيش والأمن الذين تم حرمانهم من مرتباتهم لمدة عام كامل مما أدى لشيوع التذمر والامتعاض بينهم، وفي حالة حدوث حراك منظم من قبل القوات الأمنية المدربة بشكل جيد ضد الحوثيين فإن هذا سيؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوفهم.

3- سيناريو عمليات الثأر: قد تفضل قيادات حزب المؤتمر التنسيق مع قوات الشرعية، والإعلان عن ولائها لها واستعدادها للقتال تحت رايتها، وهو ما قد يدفع القيادات العسكرية والأمنية للقيام بالمثل، خاصة وأن قيادات حزب المؤتمر ترغب في الثأر بأي وسيلة بعد إعدام الحوثيين لكثير من مشايخ المؤتمر، والذين ينتمي بعضهم إلى قبائل طوق صنعاء، وربما تسعى هذه القبائل للتعاون مع قوات الشرعية مما يُرجِّح ميزان القوى لصالحهم في صنعاء، وفي حالة حدوث هذا السيناريو فإن هذا يُعد إيذانًا بالقضاء النهائي على الحوثيين.

ختامًا، يمكن القول إن قيام الحوثيين بقتل "علي عبدالله صالح" سوف يترتب عليه تغير جذري في التوازنات الميدانية لغير صالح ميليشيات الحوثيين، وهو ما قد يترتب عليه فقدانهم السيطرة على العاصمة صنعاء، وارتدادهم باتجاه مناطق تمركزهم الأساسية في صعدة في شمال اليمن. وفي المقابل فإن الميليشيات الحوثية سوف تزيد من عمليات القمع والتصفية الجسدية لأعضاء حزب المؤتمر وأنصار صالح، بالإضافة إلى عمليات التهجير وهدم المنازل واستهداف المدنيين لتعزيز هيمنتها على صنعاء.