أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

معضلة الاستيعاب:

إشكاليات التعامل مع قضية "الداعشيات" الأوروبيات

26 سبتمبر، 2019


مع حلول الذكرى السنوية لأحداث 11 سبتمبر، تتزايد التحذيرات الدولية من المخاطر التي يمكن أن يفرضها تصاعد نشاط بعض التنظيمات الإرهابية أو تزايد احتمالات عودة بعضها من جديد بعد الهزائم العسكرية التي منى بها، على غرار تنظيم "داعش"، الذي أنتجت هزيمته في سوريا والعراق معطيات جديدة على الأرض كان في مقدمتها بروز ظاهرة "الداعشيات" الأوروبيات العائدات من مناطق الصراعات إلى دولهن الأصلية مرة أخرى.

معضلة مستمرة:

أصبحت هذه الظاهرة تمثل معضلة حقيقية بالنسبة لبعض الدول الأوروبية، في ظل صعوبة تأهيل "الداعشيات" العائدات من الناحيتين الفكرية والمجتمعية، رغم الجهود التي بذلتها تلك الدول لاحتواء المخاطر التي يمكن أن تفرضها عودتهن إليها من جديد. وفي هذا السياق، أشارت دراسة حديثة أصدرتها في بروكسل مجموعة "غلوبسك" غير الحكومية ومقرها في سلوفاكيا، في 12 سبتمبر الجاري، إلى أنه لا يجب التقليل من خطورة النساء اللائي سافرن إلى مناطق الصراعات وعاد عدد منهن إلى دول أوروبية، حيث كان لهن أدوار بارزة داخل تنظيم "داعش"، وبعضهن شاركن في التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول الإشكاليات التي  ترتبط بالتعامل مع تلك القضية داخل تلك الدول.

ظاهرة لافتة:

رغم أن ظاهرة العائدات من صفوف "داعش" ليست جديدة، حيث سبق أن عادت سيدات من التنظيم إلى دولهن الأصلية، إلا أنها باتت تكتسب أهمية وزخمًا خاصًا على الساحة الأوروبية خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن كشفت تقارير عديدة ولقاءات تلفزيونية تم إجراءها مع بعضهن في مخيم الهول، عن أنهن يتبنين أفكارًا أكثر تشددًا مقارنة ببعض "الداعشيات" من الجنسيات الأخرى غير الأوروبية، حيث دافعن عن توجهات التنظيم وأشرن إلى أنه سوف يعود من جديد أكثر قوة عن ذي قبل رغم الهزائم العسكرية التي تعرض لها في كل من سوريا والعراق.

اعتبارات متعددة:

اتجهت بعض الدول الأوروبية إلى فرض قيود شديدة على عودة بعض "الداعشيات" إليها من جديد عقب الهزائم التي منى بها التنظيم في الفترة الأخيرة، وهو ما يعود إلى تخوفها من أفكارهن المتشددة، والتي قد تفرض تداعيات سلبية على المستويين الأمني والمجتمعي. وقد فسرت اتجاهات عديدة هذا القلق المتصاعد لدى الدول الأوروبية في ضوء اعتبارات عديدة ترتبط بالإشكاليات الخاصة بالتعامل مع تلك القضية، يتمثل أبرزها في:

1- غياب الفرز الفكري: تشير هذه الاتجاهات إلى أن أحد أسباب تشدد العائدات الأوروبيات عن غيرهن من "الداعشيات" يكمن في عدم قدرتهن على الفرز الفكري، بسبب افتقادهن للموروثات الفكرية السابقة، التي كان من الممكن أن تساهم في تمكينهن من تأويل الأفكار "الداعشية"، وهو ما جعلهن يتسمن بما يمكن تسميته بـ"الاتجاه الفكري الواحد"، وفرض صعوبات عديدة أمام تخليهن عن تلك الأفكار، حتى بعد الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول لإعادة تأهيل بعض من استطعن العودة إليها مرة أخرى.

2- ترسيخ التوجهات "الداعشية": كانت الفترة التي قضتها بعض "الداعشيات" في المناطق التي سيطر عليها التنظيم خلال الأعوام الخمسة الماضية كافية لتكريس التوجهات المتطرفة لديهن، خاصة أنهن مارسن خلال تلك الفترة أدوارًا تنظيمية وعسكرية وعايشن العمليات الإرهابية والمواجهات العسكرية المتواصلة مع القوى المناوئة للتنظيم. 

3- تراجع تأثير برامج التأهيل: دائمًا ما تطرح قضية العائدات بشكل عام، ولا سيما الأوروبيات، مدى فاعلية وأهمية المراجعات الفكرية وبرامج التأهيل التي تقوم بعض الدول بإعدادها كآلية للترشيد الفكري ودفع العناصر الإرهابية إلى عدم الاستمرار في التنظيمات التي كانت قد انضمت إليها في مراحل سابقة. 

وتكمن مشكلة تلك البرامج في تراجع جدواها وتأثيرها، إذ أن التوجهات الأيديولوجية المتطرفة التي قام التنظيم بترسيخها لدى عناصره كانت تفرض ضرورة تبني برامج تأهيل مختلفة بشكل كبير عن تلك التي تم الاستناد إليها في التجارب الخاصة بالمراجعات الفكرية السابقة، خاصة أن معظمها كان يتعامل مع المتطرفين من الرجال، باعتبار أن التوسع في الاعتماد على المتطرفات لم يكن يمثل ظاهرة بارزة على نحو كبير قبل ظهور "داعش".

4- فقدان الثقة: من العوامل الهامة التي تفرض مزيدًا من العقبات أمام الجهود التي تبذلها بعض الدول الأوروبية لاستيعاب فكرة عودة "الداعشيات"، أو حتى الاقتناع بأن من عاد منهن ربما لن يستخدم العنف مجددًا، فقدان الثقة في قدرتهن على العودة إلى مرحلة ما قبل الانضمام إلى التنظيم.

إذ كان لافتًا، أن إعلان بعضهن عن تخليهن عن التنظيم وأفكاره المتطرفة، لم يأت إلا بعد سقوطه وانهياره تنظيميًا والقبض عليهن. وقد انعكس ذلك، على سبيل المثال، في الجدل الذي أثير حول إعلان "الداعشية" الأمريكية هدى مثنى، في فبراير 2019، ندمها على الانضمام إلى "داعش" وطلبها من الولايات المتحدة منحها فرصة جديدة، حيث أبدت اتجاهات عديدة تشككها في ذلك، لا سيما في ظل الأنشطة التي قامت بها بعد انضمامها إلى التنظيم فضلاً عن إقدامها على تغيير اسمها إلى "أم جهاد". 

5- أنماط التعامل بعد العودة: قد لا يمكن استبعاد أن لا تتمكن بعض المجتمعات من استيعاب عودة "الداعشيات" من جديد إليها، خاصة في ظل التداعيات التي فرضتها العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم داخل العديد من العواصم والمدن الأوروبية خلال الفترة الماضية، مستغلاً في هذا السياق الموجات المتتالية للاجئين والمهاجرين من المنطقة إلى الدول الأوروبية. وبالطبع، فإن ذلك قد يؤثر على أنماط التعامل المجتمعي مع "الداعشيات" العائدات، على نحو ربما يدفع بعضهن إلى العودة من جديد لتبني الأفكار المتطرفة.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن التعامل مع "الداعشيات" الأوروبيات يحتاج إلى برامج غير تقليدية، خاصة بعد السنوات السابقة التي تولين فيها مهامًا مختلفة داخل "داعش" الذي يعد أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم وأشدها تطرفًا، لا سيما أن بعضهن عدن بصحبة أطفالهن الصغار، إذ أن هذه البرامج سوف تمثل المتغير الأساسي الذي سيحسم مدى إمكانية النجاح في إعادة تأهيلهن من جديد.