مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
تُقاس براعة الرئيس الأمريكي بأدائه الفعال في ملف السياسة الخارجية، ولذلك يسعى كل رئيس منتخب جديد إلى تبني نهج مختلف عن سلفه، وإثبات تخطيه كافة أخطائه. ولعل إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" خير مثال على ذلك، حيث سعت إدارته إلى تبنّي نهج مختلف عن الرئيس السابق "باراك أوباما" في ملفات السياسة الخارجية الأمريكية. ولذلك ستسعى الإدارة الديمقراطية القادمة إلى تبنّي نهجٍ مغايرٍ لمقاربات الرئيس "ترامب" على مستوى السياسة الخارجية بحجة أنه تتخللها عيوب عدة.
ففي توجّه معارض لتوجهات الرئيس "ترامب" القائمة على مقاربة "أمريكا أولًا"، وعدائه الصريح للمنظمات الدولية متعددة الأطراف والتي انعكست في قراراته بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي، وإخراج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لتغير المناخ؛ فقد تبنّى المرشح الديمقراطي "جو بايدن" سياسة خارجية تؤكّد على قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي ومؤسساته التي أسستها واشنطن في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تعهّد بالعودة لمنظمة الصحة العالمية وهيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة، وإعادة إحياء الشركات والتحالفات الأمريكية في أوروبا وشرق آسيا، والتي كانت حجر الأساس للسياسة الخارجية الأمريكية لعقود، والتي عمل "ترامب" على ازدرائها، وبناء الولايات المتحدة شبكة من الحلفاء والشركات تساعدها في مواجهة التحديات العالمية، ولا سيما السلوكيات التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان من جانب الصين، والتزام الولايات المتحدة بالاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية باريس لتغير المناخ، والاتفاق النووي الإيراني إذا عادت طهران إلى الامتثال لبنوده.
ولهذا، تُعوِّل إيران على إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في إعادة التفاوض معها بشأن الاتفاق النووي، وبالتالي إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تدريجيًّا، وإعادة صادرات الخام الإيراني للأسواق الدولية، بعد أن واجهت مصاعب شديدة في التصدير نتيجة حملة "الضغوط القصوى" التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" عليها في العامين الماضيين.
وإن كانت هناك بعض التحليلات التي تُشير إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تُعطي أهمية لمعالجة قضايا السياسة الخارجية الكبرى على الفور خلال أولى أيامها، حيث سيكون هناك تركيز على التعامل مع التحديات المحلية التي ترتّبت على جائحة كورونا، ولكن سيكون لتلك الاستراتيجية بُعد دولي، وربط الولايات المتحدة مع المجتمعات الحرة والدول الغربية الديمقراطية بالاستجابة العالمية للفيروس. ولهذا فقد حذر مستشارو "بايدن" من أنه ربما يكون أبطأ في التعامل مع الشرق الأوسط مما يتوقعه البعض.
وعليه، يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات وعروضًا لتقارير صادرة عن مراكز الفكر والرأي الأمريكية ومجلات أمريكية، نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، التحدّيات الرئيسية التي ستواجه الإدارة الديمقراطية الجديدة، وما إذا كانت السياسة الخارجية للرئيس المنتخب "جو بايدن" ستختلف عن السياسة الخارجية للرئيس "دونالد ترامب"، وتأثيرات فوز "بايدن" تجاه عددٍ من الملفات والقضايا التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ومنها السياسة الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإيراني، والموقف من تطورات الأزمة السورية، وحدود التغيير في السياسة الخارجية للإدارة الجديدة عن إدارة "ترامب".