مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
اختلفت الدول في جهودها لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي تحول إلى وباء عالمي، والحد من تفشيه، من دول غنية إلى فقيرة، تتباين فيها معدلات الناتج المحلي الإجمالي والبنى التحتية الصحية. وقد ظهر مساران متناقضان للتعامل مع الفيروس. فبينما عملت معظم الدول في اتجاه السيطرة على الفيروس، والحد من انتشاره، وحصره في مناطق بعينها داخل أقاليمها الجغرافية، من خلال نهج العزل الصحي، وعبر ما يُسمى بسياسة "تسطيح المنحنى"؛ فإن دولًا أخرى طرحت مسارًا معاكسًا، كبريطانيا ومن خلفها هولندا، عبر تطبيق نظرية يُطلق عليها "مناعة القطيع"، التي في ظلها لا تقوم الدول بإجراءات العزل أو تعطيل حركة الحياة.
ومع اختلاف تجارب الدول في التعامل مع أزمة انتشار الفيروس، تُمثّل الحالة الأمريكية تجربة خاصة في إدارة الأزمة. فرغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها على المستويين الفيدرالي والمحلي، وجهود الإدارة ومؤسساتها المختلفة؛ تحولت أزمة انتشار الفيروس من أزمة صحية إلى سياسية، وصفها البعض بأنها أخطر أزمة تواجه الرئيس "ترامب"، وتتجاوز في حدتها إجراءات العزل التي واجهها الرئيس سابقًا.
مقارنة بكثير من الأزمات السابقة التي واجهتها الدول، فإنها ركزت عند التعامل مع أزمة تفشي الفيروس على البعد الاجتماعي، حيث أضحى المجتمع طرفًا أساسيًّا في الأزمة منذ اندلاعها، وذلك نتيجة الانتشار الواسع للمعلومات على الشبكة الإلكترونية، ولهذا اختارت الدول صحة المواطن واحتواء انتشار الوباء رغم ارتفاع تكلفته وآثاره الاقتصادية المرتفعة.
وقد لعبت التكنولوجيا الذكية دورًا هامًّا في محاولة الحد من انتشار هذا المرض عبر تحسين عملية إدارة هذه الأزمة، وتضييق اتساع نطاقها قدر المستطاع، وذلك بالاعتماد على نظم الذكاء الاصطناعي من الروبوتات، والطائرات بدون طيار (الدرونز)، وإنترنت الأشياء المتصلة جميعها بالبنية التحتية للجيل الخامس للاتصالات، في محاولة منها لاكتشاف المصابين بالمرض من ناحية، وتعقيم الشوارع والمناطق من ناحية أخرى، وتوجيه النصائح والإرشادات الطبية في حالة مخالفة التعليمات من ناحية ثالثة، وغيرها من الاستخدامات غير التقليدية التي تعتمد عليها الدول وعلى رأسها الصين لتُحسّن عملية إدارة الأزمة بالاعتماد على التقنيات الحديثة.
ولعدم قدرة المؤسسات المدنية في عديد من الدول الغربية (الولايات المتحدة) والآسيوية (اليابان) بمفردها على مواجهة الانتشار واسع النطاق لفيروس كورونا؛ فقد بدأت تعتمد على قواتها المسلحة لمواجهة التهديدات الوبائية، ومساعدة المؤسسات الصحية المدنية التي تواجه ضغوطًا متزايدة مع تزايد أعداد المصابين، ودعم قدرات قطاع الرعاية الصحية المدني، وتشييد مستشفيات ومنشآت صحية جديدة بصورة سريعة، وغيرها من المهام غير التقليدية للجيوش في مواجهة الأزمات الصحية، فضلًا عن الاستعانة بها لفرض إجراءات الحجر الصحي وحظر التجوال في مناطق تفشي الأوبئة، وإلزام المواطنين بتطبيق القوانين والقواعد المنظِّمة للحركة.
يضم هذا الملف تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، تُناقش الجهود والمسارات المتنوعة التي اتخذتها الدول لمواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا، ومدى اختلاف تعاملها مع تلك الأخيرة عن استجابتها لأزمات وطنية وعالمية مؤثرة في السابق، وكيف تحولت أزمة انتشار الفيروس من أزمة صحية إلى سياسية في عدد من الدول، ولا سيما في الولايات المتحدة.