مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
مع تزايد انتشار فيروس كورونا في معظم دول العالم، المتقدمة والنامية على حد سواء، وارتفاع نسبة الإصابات والوفيات به في ظل غياب دواء له، يتوقع أن يتحول إلى كارثة عالمية، ستكون لها تداعياتها على الاستقرار والاقتصاد العالمي الذي سيتحمل أعباء ثقيلة قد يحتاج إلى سنوات لتعويضها، وسيؤثر أيضًا على الاقتصادات التي ترتبط بشكل مباشر بالأسواق العالمية، وتعتمد في صادراتها أو الحصول على الاستثمارات على الأسواق العالمية، ناهيك عن الخسائر البشرية الكبيرة.
كبّد انتشار فيروس كورونا والإجراءات المتعددة التي اتخذتها كثير من الدول التي انتقل الفيروس إليها لمنع انتشاره بين سكانها على نطاق واسع وسط تزايد حالة من القلق والخوف الوطني والعالمي، الاقتصاد العالمي جملةً من الخسائر الكبيرة، فتراجع أداء أسواق المال العالمية لتصل إلى مستويات دنيا مع تكبدها خسائر كبيرة. كما انخفضت أسعار النفط بشكل ملحوظ بسبب القلق الذي سيطر على المتعاملين به.
ويسلط الانتشار الواسع للفيروس الضوءَ على المخاطر التي تُواكب ظاهرة العولمة وارتفاع وتيرة الحركة بين مختلف أركان الكرة الأرضية بسرعة وسهولة، وما يرتبط بها من تنامي حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين مختلف مناطق ودول العالم. لكنّ الإجراءات التي اتُّخذت لمواجهة الأزمة أظهرت أيضًا التداعيات السلبية لتوقف عجلة العولمة عن الدوران، وإغلاق الحدود، ووضع القيود على حركة الأشخاص. فيما اعتبره بعض المحللين عرضًا أوّليًّا لما قد يواجه العالم مستقبلًا إذا ما ساد التيار المناهض للعولمة، الصاعد بقوة في عدد من الدول، ولا سيما على الساحة الأمريكية بشكل خاص.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض الكتابات الغربية عن أن انتشار الفيروس كشف عن أهمية الصين في المنظومة الدولية، وتأثر أسس النظام الدولي الراهن بما يحدث داخل تلك القوة الصاعدة، وأنه فرصة لبكين لإعادة البناء وتعزيز التماسك الداخلي؛ كان هناك اتجاه آخر يتحدث عن أن انتشاره ستكون له تداعيات على استمرار الصعود الصيني، وعلى قدراتها لتطوير قدرتها العسكرية، والسعي لإعادة هيكلة النظام الدولي تدريجيًّا ليستوعب الصعود الصيني.
ومع استبعاد بعض الكتابات أن تكون أزمة فيروس كورونا سببًا في تغييرات جذرية بالنظام الدولي الراهن؛ فإن سيناريو "فك الارتباط" بين الاقتصادين الأكبر في العالم (الولايات المتحدة، والصين) يلوح في الأفق. وفي هذه الحالة، يتحدث الخبراء عن انقسام النظام العالمي إلى "مجالات نفوذ اقتصادي"، يهيمن على كل منها إحدى القوى الكبرى، وتتميز بكثافة العلاقات الاقتصادية والتجارية بداخلها، بينما تقل أو تنقطع الأواصر بين هذه "المجالات الحيوية"، حيث تسود بينها علاقات قائمة على عدم الثقة والتنافس، وهو ما يشكل نهاية المرحلة الحالية من العولمة.
وعليه، يضم هذا الملف تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، تُناقش تأثيرات تنامي انتشار فيروس كورونا على فكرة العولمة، وتداعياته على الاقتصاد العالمي، والاقتصادات الوطنية للدول التي يتنشر فيها، والجهود الدولية والوطنية للتعامل مع الفيروس، ومدى نجاحها، ومدى اختلافها عن طرق التعامل مع أزمات دولية سابقة كانت لها تداعياتها الجمة على كافة الأصعدة، وأخيرًا تأثيرات انتشار الفيروس على الدور العالمي للصين.