مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
تُشير توقعات مراكز الفكر والرأي الغربية إلى أن التطورات والأزمات التي شهدها العالم وإقليم الشرق الأوسط بصفة خاصة خلال عام ٢٠١٩، والتي اتسمت بالتعقيد والتشابك، فضلًا عن عدم حسمها وتزايد تأزمها قبل نهاية العام؛ إلى أن عام ٢٠٢٠ سيكون أكثر اضطرابًا، وسيشهد تطورات دراماتيكية في تلك الأزمات، ولا سيما مع انشغال الولايات المتحدة في عامها الانتخابي بقضايا الداخل الأمريكي.
ومع تركيز الرئيس الأمريكي على القضايا الانتخابية الداخلية، ورفعه شعار "أمريكا أولًا"، وتقليل الانخراط في قضايا منطقة الشرق الأوسط؛ سيزيد دور خصوم الولايات المتحدة، ولا سيما روسيا، في تفاعلات وأزمات المنطقة، بحيث تصبح في عام ٢٠٢٠ الفاعل المؤثر فيها، والقوة التي لديها قدرة على حسم الصراعات، بما يعزز من مكانتها الدولية.
وسيواكب الانسحاب الأمريكي من المنطقة، تزايد دور القوى الإقليمية التي تبحث عن موطئ قدم في دول الصراعات العربية، بما يعزز من مكانتها ومكاسبها، والتي تكون على حساب الأمن والسلم الإقليميين. وفي عام ٢٠٢٠ يُتوقع أن يزيد الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة في إطار استراتيجيتها لمواجهة استراتيجية "الضغوط القصوى" التي تبنتها الإدارة الأمريكية في أعقاب انسحابها من الاتفاق النووي في ٨ مايو ٢٠١٨، ولرفع تكلفة السياسات الأمريكية وأي خيارات مستقبلية تجاهها.
ولا يمنع تأزم القضايا الإقليمية من أن تكون هناك بوادر انفراج فيها خلال عام 2020، خاصة في ضوء توافر العديد من المؤشرات لحلحلتها، وصعوبة حسمها عن طريق القوة العسكرية، ما يفتح المجال أمام التفاوض، والتوصل إلى تسويات بشأنها.
ويُتوقع أن يشهد عام ٢٠٢٠ إنهاء بعض الأزمات الدولية، ولكنه -بحسب الكثير من التوقعات- سيكون مرحليًّا، لكونه يهدف إلى تعزيز فرص الرئيس "ترامب" للفوز بولاية ثانية في انتخابات نوفمبر المقبل، وتعدد إخفاقاته الداخلية. ومن ثم يتوقع أن يكون هناك اتفاق يُنهي الحرب التجارية الأمريكية-الصينية، ولكنه سيكون مرحليًّا ولن يدوم طويلًا، مع توقعات باتفاقٍ مع حركة طالبان ينهي أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، خاصة مع رغبة شعبية أمريكية في تقليل الانخراط في الصراعات الدولية المكلفة ماليًّا وبشريًّا.
وعلى الصعيد العالمي، يتوقع أن يكون عام ٢٠٢٠ عام التظاهرات الشعبية، حيث لم يتم تلبية مطالب المتظاهرين الذين نزلوا الشوارع في العديد من المدن حول العالم خلال عام ٢٠١٩، ويتوقع تزايدها ولا سيما مع توقعات بتراجع معدلات النمو العالمية، وأزمات اقتصادية في عديد من الدول التي تشهد احتجاجات شعبية خلال عام ٢٠٢٠، واستمرار عدم قدرتها على التعامل مع مطالب الشارع، وفقدان المتظاهرين الثقة في المؤسسات السياسية وقدرتها على التعبير عن آمالهم وطموحاتهم.
كما يُتوقع أنه بعد انهيار تنظيم "داعش" الإرهابي، ومقتل زعيمه السابق "أبو بكر البغدادي"، وفقدان التنظيم الأراضي التي كان يسيطر عليها في دولتي العراق وسوريا؛ أن تنشط فروع التنظيم، وكذلك التنظيمات التي تتبنى أفكاره في تنفيذ عمليات إرهابية خارجية وفي الدول التي تنشط فيها، واحتمالات تزايد عمليات "الذئاب المنفردة" التي تستلهم أفكار التنظيم. فضلًا عن تزايد نفوذ اليمين المتطرف، ولا سيما مع حالة الانقسام الحزبي والمجتمعي والسياسي المحتدمة التي بدأت تعاني منها الدول الغربية.
وقد يشهد عام ٢٠٢٠ أزمات غير متوقعة، حيث تؤدي موجات الصراع والتصعيد التي يشهدها النظام الدولي، وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط، إلى تداعيات غير مقصودة، قد لا يرغب فيها أطراف الصراع، لكن تطورات التصعيد والتأزم تدفع بها، ناهيك عن تحولات في بعض الدول لتطورات غير مخطط لها، مثل تغيرات في القيادات لأسباب غير متوقعة وغير مرتب لها.
وعليه، يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وعروضًا لتقارير صادرة عن مراكز الفكر والرأي الأمريكية وعروضًا لكتب أجنبية، نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، التوقعات لمستقبل التحولات العالمية والإقليمية خلال عام ٢٠٢٠، حيث يتناول المخاطر الدولية الأكثر تأثيرًا خلال العام، ومستقبل الإرهاب بعد انهيار "داعش"، والحرب التجارية الأمريكية-الصينية، واحتمالات التوصل إلى صفقة، ومن سيخرج منتصرًا من تلك الحرب؟، وأزمات الاقتصاد العالمي وتحدياته. كما يتوقع مستقبل إجراءات بريكست في 2020، والتقنيات التكنولوجية الأكثر تأثيرًا في العام، وأخيرًا توقعات الكتب الغربية لحالة العالم خلال عام ٢٠٢٠.