مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
تُشير التقارير الدولية التي ترصد تطور الظاهرة الإرهابية عالميًّا، التي صدرت هذا العام (٢٠١٩)، إلى أن هناك تراجعًا ملحوظًا في عدد الهجمات الإرهابية عالميًّا، وتقلص نفوذ التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لنجاح الجهود الدولية لمجابهة هذه الظاهرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، ولكن هذا لا يعني اختفاءها خلال العام المقبل (٢٠٢٠)، بل خفوت نفوذها وسيطرتها المكانية في مناطق معينة، في مقابل تصاعد دورها وحضورها بمناطق أخرى.
فوفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي 2019، الذي أعده معهد الاقتصاد والسلام، فقد تراجع عدد الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية خلال عام 2018 على مستوى العالم للعام الرابع على التوالي، حيث بلغت نسبة الانخفاض 15.2%.
كما تراجع نفوذ تنظيم "داعش" الإرهابي بعد أن كان مسيطرًا على مساحات شاسعة من أراضي دولتي العراق وسوريا. وفي هذا الشأن، يشير تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي عن الإرهاب خلال عام ٢٠١٨، إلى أن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف الدولي لهزيمة التنظيم نجحوا تقريبًا في تدمير خلافته المزعومة، مع زيادة الضغوط على شبكاته الدولية، حيث حررت خلال العامين الماضيين ١١٠ آلاف كلم مربع من الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش"، وحوالي ٧,٧ ملايين شخص من رجال ونساء وأطفال كانوا تحت حكمه الوحشي. وقد كللت تلك النجاحات بمقتل زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي" في 27 أكتوبر الماضي.
وفي الوقت الذي تراجع فيه نفوذ تنظيم "داعش" خلال العام الجاري (٢٠١٩)، وفقدانه السيطرة المكانية؛ فإن تقرير وزارة الخارجية يشير إلى أن أيديولوجيته لا تزال في انتشار، فضلًا عن تزايد الفروع الإقليمية للتنظيم في أفريقيا وشرق آسيا، واستمرار تمتعه بقدرات على تجنيد الأتباع الجدد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي سياق متصل، يستغل تنظيم "القاعدة" النكسات التي يتعرض لها تنظيم "داعش" لإعادة تأسيسه كقيادة للحركة الجهادية العالمية، إذ لا يزال يسعى إلى توسيع صفوفه، والتخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية جديدة. ويشير تقرير وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن التنظيم استغل بفعالية تركيز المجتمع الدولي على تنظيم "داعش" لإعادة بناء قدراته بهدوء، والحفاظ على ملاذات آمنة وسط مناخات سياسية وأمنية هشة، ولا سيما في ليبيا وسوريا واليمن.
ويتزايد خطر التنظيمات الإرهابية خلال العام القادم (٢٠٢٠) في ظل توجه المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى بلدانهم، أو السفر إلى دول ثالثة للانضمام إلى فروع "داعش" أو "القاعدة" هناك، أو تنفيذ هجمات إرهابية تحت مظلة هذين التنظيمين.
وفي الآونة الأخيرة تزايدت التحذيرات الدولية من عودة ما يمكن تسميته بـ"الإرهاب الفردي" الذي تقوم به "الذئاب المنفردة" الموالية لتنظيم "داعش". ولعل العملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت على جسر لندن في ٢٩ أكتوبر الماضي خير دليل على ذلك، حيث أعلن تنظيم "داعش" مسئوليته عنها.
ومع تراجع فاعلية التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، بعد هزيمة تنظيم "داعش"، واستهداف قيادات تنظيم "القاعدة"؛ يتوقع تقرير مؤشر الإرهاب العالمي السابق الإشارة إليه أن إفريقيا ستمثل بؤرة الإرهاب الملتهبة في العالم خلال المستقبل القريب، إذ سجلت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ثاني أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن الإرهاب بعد منطقة جنوب آسيا، متجاوزةً منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي أصبحت عام 2018 في المرتبة الثالثة.
وعليه، يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، ملامح تراجع نفوذ التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط مع هزيمة تنظيم "داعش"، وتأثيرات ذلك على مستقبل التنظيم، واحتمالات تمدده خارج المنطقة، والتحديات والعوامل التي تدفع بأفريقيا جنوب الصحراء لتتصدر مشهد الإرهاب العالمي.
ويرصد الملف أيضًا إشكاليات التعامل مع المقاتلين الأجانب الذين كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش"، واستغلال تركيا لهم كورقة ضغط ضد القوى الغربية، التي اتسع نطاق خلافاتها مع أنقرة خلال المرحلة الأخيرة.