مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
كانت هناك احتجاجات متفرقة في لبنان خلال الأشهر الماضية، لكن خلال اليومين الماضيين شهدت الشوارع اللبنانية تظاهر آلاف اللبنانيين ضد حكومة "سعد الحريري" احتجاجًا على قرارات اقتصادية بفرض ضرائب جديدة (١٠ سنتات يوميًّا) على مكالمات "واتساب". وعلى الرغم من تراجع الحكومة عن تنفيذها، إلا أن الاحتجاجات لا تزال مستمرة، ويطالب المحتجون بمكافحة الفساد، وتنفيذ الإصلاحات التي وُعد باتخاذها منذ فترة طويلة، واستقالة رئيس الوزراء، ومحاسبة الفاسدين الذين أثقلوا عليهم تكاليف المعيشة.
وتتعدد الأسباب التي دفعت اللبنانيين إلى التظاهر، والتي يأتي في مقدمتها معاناة الشباب من ارتفاع نسبة البطالة، حيث وصلت إلى حوالي ٣٨٪، وتراجع القوة الشرائية بسبب تزايد الضرائب (المباشرة وغير المباشرة) التي يتم فرضها، بجانب تدهور الاقتصاد اللبناني، وتهالك البنية التحتية، وتردي الخدمات. وقد عبر المحتجون عن عدم قدرتهم على تحمل المزيد من الضرائب في ظل الأحوال المعيشية السيئة.
وفي وقت سابق من هذا العام (٢٠١٩) أعلنت لبنان حالة الطوارئ الاقتصادية، حيث يواجه اقتصادها حالة من عدم الاستقرار، والتي زادت مؤخرًا، حيث تتصاعد المخاوف من تدهور قيمة العملة المحلية، مع شحّ الدولار في السوق المحلية، وتنامي الديون الحكومية، وارتفاعها إلى ما يناهز ١٥٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهو الأمر الذي دفع وكالات التصنيف الائتماني العالمية إلى إصدار مراجعات سلبية لهذه الديون، والتنويه إلى إمكانية إجراء المزيد من المراجعات السلبية لها في المستقبل.
وإذا لم تحصل لبنان على دعم مالي من حلفائها في المنطقة والمانحين الغربيين، فستواجه احتمال تخفيض قيمة عملتها، أو تتخلف عن سداد ديونها في غضون الأشهر القادمة.
ورغم حديث معظم التحليلات عن أن الأزمة الاقتصادية هي سبب التظاهرات التي تشهدها شوارع لبنان، يرى رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "فؤاد السنيورة" أن الأزمة تأتي بسبب سيطرة حزب الله على البلاد، مشيرًا إلى أن ذلك بسبب قبضته القوية على الحكومة اللبنانية، ناهيك عن إخلاله بالدستور واتفاق الطائف.
وقد زادت العقوبات الأمريكية على الحزب والشخصيات والمؤسسات والشركات المرتبطة به من حدة الأزمة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني. وقد كان لتلك العقوبات تداعيات كبيرة على القطاع المصرفي اللبناني. بالإضافة إلى تراجع الدعم الأمريكي المالي للحكومة اللبنانية، الذي كان سيساعدها على الخروج من عثرتها الاقتصادية والمالية الراهنة.
وفي هذا السياق، يناقش هذا الملف الذي يضم موضوعات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، ملامح الأزمات الاقتصادية التي تواجهها لبنان (أزمة الوقود، وأزمة الليرة)، وتأثير العقوبات الأمريكية على "حزب الله" اللبناني على القطاع المصرفي اللبناني، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية لمعالجة عدم الاستقرار المالي بالدولة، ومدى نجاحها.