مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المستقبلية
مع بداية كل عام جديد، تجتهد مراكز الفكر والرأي الغربية، وكذلك الكتاب والمحللون الغربيون، في طرح تساؤلات افتراضية حول تطورات غير متوقع حدوثها في الوقت الراهن، ولكنها غير مستبعدة في ظل التطورات والتغييرات التي تمر بها الدول والنظام الدولي على كافة الأصعدة. ومؤخرًا بدأ الكتّاب العرب، وكذلك المراكز البحثية العربية، في إيلاء هذا النمط الجديد من التفكير اهتمامًا وأولوية، في ظل حدوث سيناريوهات قد يراها البعض مستبعدة راهنًا فيما يخص المنطقة.
ويهدف هذا النمط من التفكير المستقبلي الذي يقوم -في كثير من الأحايين- على سيناريو افتراضي، يتحدى التصورات والمعتقدات القديمة، يتوقع طارحه إمكانية حدوثه في ضوء تطورات الحاضر؛ إلى إعادة تشكيل إدراك صانع القرار للتهديدات والتحديات القادمة التي يُفترض أن يكون مستعدًّا لها بالبدائل والخيارات للتقليل من آثارها السلبية، أو منع حدوثها من الأساس، في حال اتخاذ السياسات التي تحول دون وقوعها، أو أن تصبح حقيقة في المستقبل.
وتناقش السيناريوهات الافتراضية التي تطرحها الكثير من الكتابات التي تنطلق من تساؤل "ماذا لو"، مستقبل النزاعات والصراعات المحتملة، التي تكون -في كثير من الأوقات- مدمرة، وذات تحولات مفصلية في تطور الدول والنظام الدولي. ومن تلك السيناريوهات المتخيلة التي بدأت تُطرح بقوة في الكتابات الغربية احتمالية أن يشهد النظام الدوليّ حربًا عالمية ثالثة، إذ أصبحت كلمة "الحرب العالمية الثالثة" شائعة الاستخدام لوصف مواجهات عسكرية ممتدة تخوضها القوى الكبرى.
وفي سياق متصل، بدأ طرح تساؤلات حول مستقبل النظام الدولي إذا تراجعت القوة الأمريكية وضعفت هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي الذي أسسته في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في ظل الكثير من المؤشرات التي تدل على تراجع القيادة الأمريكية للنظام الدولي خلال إدارة الرئيس "دونالد ترامب"، ولا سيما إذا شرعت الصين في إعادة تأسيس النظام الدولي وفق قيمها وقواعدها. فهل ستسمح واشنطن والقوى الغربية التي يحقق النظام الراهن مصالحهما بالأساس بحدوث ذلك؟ وما مدى احتمالات نشوب حروب "القوى الكبرى" التي تسبق انتقال القوة في النظام الدولي من القوى المهيمنة إلى الصاعدة؟.
وترتبط احتمالات التغيير في توزيع القوة داخل النظام الدولي بمستقبل الاقتصاد العالمي، وصعود وهبوط العديد من القوى الدولية اقتصاديًّا، وكذلك بمستقبل الكثير من الظواهر الاقتصادية التي سيطرت على التفكير خلال العقود الماضية، مثل: العولمة، وأن العالم أضحى قرية صغيرة، ونظريات الاعتماد الاقتصادي المتبادل ودورها في تحقيق الاستقرار العالمي، في ظل تزايد عدد الدول التي تتبنى سياسات حمائية لحماية اقتصادها من تداعيات العولمة، وخروج بعض الدول من التكتلات الاقتصادية لحماية نظامها الاقتصادي من الأعباء التي يتحملها لضم هذا التكتل دولًا اقتصادية منهارة تحتاج إلى مساعدة.
وإقليميًّا، طُرحت سيناريوهات قد تكون افتراضية، ولكنها في واقع الأمر ليست مستبعدة في ظل التطورات الدولية والإقليمية التي تزيد من احتمالات حدوثها، كاحتمال إقامة حوار بين الولايات المتحدة وإيران حول اتفاق نووي جديد، وكذلك دوافع اندلاع الحرب مجددًا بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، والتداعيات الإقليمية لمثل تلك الحرب.
وعليه يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وعروضًا نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، السيناريوهات الافتراضية التي طُرحت بشأن مستقبل التطورات الدولية، وشكل النظام الدولي، وطبيعة التنافس بين القوى الدولية الراهنة، والتحولات المستقبلية في الظواهر التي تُشكل مكانة مركزية في التفكير والتحليل في الوقت الراهن، مثل: قضيتي الحرب على الإرهاب وتطوراتها المستقبلية، وطبيعة الحروب ولا سيما الحروب السيبرانية. وكذلك طبيعة التحولات المتوقعة في الاقتصاد العالمي. فضلًا عن عددٍ من السيناريوهات الافتراضية لعدد من التحولات الإقليمية، وتداعياتها على مستقبل الأمن الإقليمي لدول المنطقة.