مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
في الخامس من نوفمبر ستفرض إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني بعد انسحابها من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥. وتضمن تلك العقوبات التي ستكون الأشد قسوة وإضرارًا بالاقتصاد الإيراني؛ استهداف صادرات النفط الإيرانية، وتعاملات المؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني.
ومن المتوقع أن تؤدي تلك العقوبات إلى مزيدٍ من التداعيات السلبية على اقتصاد الدولة مع استهدافها صادرات النفط التي تمثل خُمس اقتصاد إيران، حيث تهدف إدارة "ترامب"، وفقًا لما كتبه وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في مقاله المعنون "مواجهة إيران: استراتيجية إدارة ترامب" المنشور بدورية "الشئون الخارجية Foreign Affairs" في عددها عن شهري نوفمبر/ديسمبر؛ إلى جعل الواردات العالمية من النفط الخام الإيراني قريبة من الصفر بقدر الإمكان بحلول الرابع من نوفمبر.
وتهدف الإدارة الأمريكية من إعادة فرض العقوبات على النظام الإيراني والتي رفعت في السابق بموجب خطة العمل المشتركة، وكذلك فرض عقوبات ثانوية على الدول والشركات التي تتعامل مع إيران في مخالفة لنظام العقوبات الأمريكي على الأخيرة؛ إلى ممارسة حملة "ضغط قصوى" على طهران لإرغام النظام الإيراني على الجلوس إلى طاولة التفاوض، ولكن هذه المرة ليست للتفاوض حول البرنامج النووي الإيراني فقط كما حدث خلال إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما"، ولكن على البرنامج الصاروخي الإيراني، ودور طهران الإقليمي المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ووقف مصادر التمويل التي يستخدمها النظام وبخاصة الحرس الثوري الإيراني لتمويل العنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط من خلال وكلائه، مثل: المتمردين الحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، ودعم نظام بشار الأسد في سوريا.
ومع اقتراب موعد تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية بدأت حكومة الرئيس "حسن روحاني" في اتخاذ إجراءات استباقية تحاول من خلالها تخفيف وطأة هذه العقوبات، لكن ثمة عقبات عديدة ما زالت تقلص من قدرة الحكومة على تمرير خططها لمواجهة العقوبات، يتمثل أبرزها في محاولات النظام تفعيل أدوار بعض المؤسسات المُعيَّنة التي تمتلك سلطات رقابية على برامج الحكومة، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومواصلة استجواب وزرائها، مثل وزيرى الداخلية والثقافة والإرشاد في بعض القضايا الأمنية والثقافية.
ورغم معارضة القوى الأوروبية إعادة فرض الإدارة الأمريكية الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات على النظام الإيراني، ومواصلة علاقاتها الاقتصادية مع إيران بموجب الاتفاق النووي، واتخاذ الاتحاد الأوروبي حزمة إجراءات مضادة لحماية مصالحه الاقتصادية مع طهران، وتلافي العقوبات الأمريكية؛ فإن كثيرًا من الشركات والمؤسسات الأوروبية أحجمت عن مواصلة التعامل مع طهران خشية العقوبات الأمريكية.
ومع نجاح الحزمة الأولى والثانية من العقوبات الأمريكية في التأثير على الاقتصاد الإيراني، في وقت يواجه فيه النظام حالة من السخط الشعبي بسبب تردي الأوضاع المعيشية؛ فإن هناك انقسامًا بين المحللين حول جدوى دفع العقوبات للنظام الإيراني إلى تغيير سلوكه وسياساته وقبول التفاوض مع إدارة "ترامب" حول البرنامج النووي للدولة، ودوره الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
ويناقش هذا الملف الذي يضم تقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية"، مدى نجاح الإجراءات التي اتخذتها الدول الأوروبية لحماية مصالحها الاقتصادية مع إيران، وتلافي العقوبات الأمريكية، والعقبات التي تواجه النظام الإيراني لمواجهة الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية، وكذلك التكلفة العالية التي سيتحملها مستوردو النفط الإيراني في إطار بحثهم عن بدائل له، وكذلك البحث عما إذا كانت هذه العقوبات الأمريكية ستدفع النظام الإيراني إلى التفاوض مع الولايات المتحدة أم لا.