تستثمر الصين قوتها الاقتصادية الصاعدة في بناء قوة عسكرية مؤثرة إقليميًّا، ونفوذ سياسي على الساحة الدولية، في وقت تتراجع فيه الهيمنة الأمريكية خلال إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على النظام الدولي، الذي يمر حاليًّا بموجة من التغييرات، إذ بدأت تطرح نفسها باعتبارها قوة دولية قادرة على إعادة التوازن للنظام العالمي، وتأسيس نظام جديد تحتل فيه موقع الصدارة.
وعلى الرغم من حديث بعض التحليلات الغربية عن جملة من التحديدات التي تهدد وتيرة صعود الصين، وتحد من قدرتها على القيام بالدور الذي انفردت به الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أن هذا الصعود حتى وإن تعرض لبعض الأزمات يُشكل تحديًا للقوة والنفوذ الأمريكي عالميًّا، خاصة في منطقة آسيا-الباسفيك التي كانت منطقة نفوذ أمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية غير قابل للتحدي، ومدعومة بنظام تحالف قوي لا مثيل له.
ويمثل المحدد الاقتصادي الأولوية الأولى للسياسة الخارجية الصينية تجاه معظم دول العالم، فخلال العقود الماضية توسعت الصين في "دبلوماسية الديون" بإقراض دول متعثرة لتعزيز مكانتها الدولية. ولهذا فإن العلاقات الصينية-العربية، وفي القلب منها الخليجية، تركز على التعاون الاقتصادي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من إمدادات الطاقة، والإفادة من عوائد التعاون الاقتصادي في مجالات البنية التحتية، والتصنيع، ونقل التكنولوجيا الإنتاجية، والطاقة، والطاقة النووية، والزراعة، والتكنولوجيا الدقيقة، والتعاون المالي والتجاري، وتبادل الاستثمارات.
ورغم حرص الصين على الترويج لدورها باعتبارها فاعلًا تنمويًّا وليس جيوسياسيًّا، إلا أن رغبتها في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في المستقبل سوف تدفعها تدريجيًّا للتخلي عن دورها السياسي المتحفظ في كثير من الملفات الإقليمية والدولية، من أجل التأثير على مجريات الأوضاع السياسية في الدول التي ترتبط معها بمصالح اقتصادية، وهو ما سيجعلها تدخل في تنافس مع بعض القوى الكبرى على النفوذ الدولي عاجلًا أم آجلًا من أجل تعزيز ثقلها الجيوسياسي.
واستنادًا إلى ما سبق، يناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات وعروضًا لتقارير صادرة عن مراكز الفكر والرأي الأمريكية المنشورة على الموقع الإلكتروني لمركز (المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة)، مؤشرات الصعود الصيني، وكيف ترجمت بكين تلك المؤشرات في تعزيز نفوذها السياسي في النظام الدولي، وتأثيرات ذلك على المصالح الأمريكية، وسبل مواجهة الإدارات الأمريكية لتلك التأثيرات، وأخيرًا تحديات الدور الصيني على الساحة الدولية.
كما يضم الملف تقريرين لحلقَتَيْ نقاش عقدهما المركز مع مسئولين صينيين، ووفود من مراكز أبحاث آسيوية، للحديث عن رؤية الجانب الصيني لتطورات النظام الدولي، ومبادرة طريق الحرير الجديد، إلى جانب السياسة الصينية في منطقة الشرق الأوسط عامة ومع دول الخليج العربية على وجه الخصوص.