مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
تواجه تركيا في الآونة الأخيرة أزمتين حادتين مترابطتين. إحداهما ترتبط بتدهور الأوضاع الاقتصادية للدولة، وتراجع سعر الليرة التركية التي انخفضت إلى مستويات قاسية بعد تغريدة للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". فخلال هذا العام (٢٠١٨) خسرت العملة التركية حوالي 40% من قيمتها مقابل الدولار. وقد انعكست الأزمة التي تعصف بالاقتصاد التركي في تخفيض وكالتي "موديز" و"ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني لأنقرة، فيما غيّرت الأولى نظرتها المستقبلية للاقتصاد التركي.
والأزمة الأخرى دبلوماسية مع الولايات المتحدة، حيث إن العلاقات بين العضوين في حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) على شفا الانهيار، حسب كثير من التحليلات الأمريكية، لأن الدولتين أصبحت لهما مصالح استراتيجية وأولويات وأهداف مختلفة في المنطقة وخارجها. وتتأزم العلاقات مع رفض أنقرة إطلاق سراح القس الأمريكي "أندرو برانسون" لاتهامه بالمساعدة في تدبير محاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في منتصف عام 2016. فضلًا عن سعي أنقرة إلى تطوير علاقاتها مع روسيا وشراء منظومة صواريخ (إس-400)، الأمر الذي دفع واشنطن إلى تعليق تسليم تركيا طائرات (إف-35).
وهناك أسباب عدة للأزمة العميقة في العلاقات التركية-الأمريكية، منها: اتهام الولايات المتحدة أنقرة بأنها ساعدت إيران في تفادي العقوبات الأمريكية التي كانت تهدف إلى وقف محاولات طهران لتطوير برنامجها النووي، ورفض تركيا الموجة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران، والتي فُرضت في السادس من أغسطس الجاري على خلفية الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي لعام 2015. وكذلك تسليح واشنطن للميليشيات الكردية في شمال سوريا، وهي سياسة ترفضها أنقرة لأنها تعتبر تلك الميليشيات على علاقة مع حزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه على أنه منظمة إرهابية.
وقد انعكس هذا التوتر خلال اللقاءات المباشرة بين الرئيسين التركي والأمريكي داخل الولايات المتحدة وخارجها. ولهذا، لم يكن من المستغرب أن تفرض إدارة الرئيس "دونالد ترامب" عقوبات ضد مسئولين أتراك، كما ضاعفت واشنطن الرسوم الجمركية على وارداتها من الصلب والألومنيوم التركي إلى 50% و20% على الترتيب، وهو ما ردت عليه تركيا بفرض رسوم إضافية على عدد من المنتجات الأمريكية، منها المنتجات الكحولية، والسيارات، والدخان. ويتوقع استمرار فرض مزيد من العقوبات مع احتدام التوتر في العلاقات بين الحليفين السابقين. وهو الأمر الذي سيؤثر في التحليل الأخير على وضع الاقتصاد التركي الذي يمر بأزمات حادة منذ فترة ليست بالقصيرة.
وعليه يناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، ملامح الأزمة الاقتصادية التركية، وخيارات أنقرة لتجاوزها، ومدى فاعلية تلك الخيارات في المدى القصير، وكذلك أسباب توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، وتحالفات أنقرة البديلة في ضوء توتر علاقاتها مع واشنطن. ويعرض لحدود الارتباط بين الأزمة الاقتصادية وتدهور العلاقات الأمريكية-التركية، وكذلك تأثيراتهما على الداخل التركي، والسياسة الخارجية للرئيس رجب طيب أردوغان.