إعداد: عمرو عبدالعاطي
بعد الانتخابات التشريعية العراقية في مايو الماضي، وإعلان رئيس الوزراء "حيدر العبادي" في نهاية عام ٢٠١٧ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ اعتقد الكثيرون أن العراق سيشهد مرحلة من الاستقرار تُمكّن القوى الدولية والإقليمية والفصائل السياسية الداخلية من الشروع في إعادة بناء الدولة العراقية بعد فشل المحاولات السابقة التي تلت الغزو الأمريكي للعراق ٢٠٠٣، بسبب تتابع الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي مرت بها بغداد.
لكن تلك التوقعات تبددت مع الإخفاق حتى يومنا هذا في تشكيل حكومة وطنية. وقد أدى تراجع الخدمات الأساسية، وارتفاع نسبة البطالة، إلى انتشار الاحتجاجات الشعبية وانتقالها من مدينة البصرة إلى باقي المدن العراقية بما فيها العاصمة (بغداد)، وتحولها من احتجاجات سلمية إلى عنيفة إثر المواجهات العنيفة مع قوات الأمن، واستهداف المتظاهرين للمؤسسات الحكومية ومقرات الأحزاب وحقول النفط والبنى التحية الاقتصادية.
وفي تلك الفوضى الأمنية، استعاد تنظيم "داعش" نشاطه مجددًا عبر استهداف المسئولين ورجال الجيش والشرطة، ليستمر تهديده لأمن واستقرار الدولة العراقية بعد فقدانه المساحات الشاسعة من أراضي العراق التي كان يسطر عليها من عام ٢٠١٤ إلى أواخر عام ٢٠١٧. ومع تبدد حلم تأسيس "الخلافة الإسلامية" تبنى التنظيم أساليب العصابات، وتنفيذ عمليات إرهابية فردية لتقويض الحكومة المركزية في بغداد.
وقد سمح الفراغ الذي نجم عن تفكك المنظومة الأمنية العراقية بعد الغزو الأمريكي بتزايد دور الميليشيا المسلحة، ومنافستها المؤسسات الأمنية، بحيث أصبحت لاعبًا أمنيًّا شديد القوة منفصلًا عن الجيش والشرطة العراقيين، لا سيما بعد نجاحها في محاربة تنظيم "داعش"، الأمر الذي جعل هذه الميليشيات تتمتع بدعم شعبي في أوساط العراقيين. ولذا فإن تكاثر التنظيمات المسلحة خارج سيطرة المؤسستين الأمنية والعسكرية يمثل التحدي الرئيسي أمام إعادة بناء الدولة العراقية.
كما يواجه العراق في الوقت الراهن أزمة مياه إثر انخفاض تدفقات نهر الفرات بسبب التضييقات الإيرانية والتركية بتغيير مجرى الروافد المائية للعراق وبناء السدود، الأمر الذي ينذر بكارثة لجفاف الأراضي الزراعية، لا سيما وأن الزراعة من أهم القطاعات في البلاد. وقد دفع شح المياه المزارعين في العديد من القرى العراقية إلى حفر آبار سعيًا وراء البحث عن مصادر أخرى للمياه.
أيضًا يعاني العراقيون من نقص في الكهرباء بسبب تدمير البنية التحتية على مدار العقود الماضية، وزيادة التسرب الكهربائي، وعدم جدوى الخطة الاستثمارية للبلاد، بجانب وقف إيران صادراتها من الكهرباء للعراق مؤخرًا، ونقص الوقود المنتج محليًّا واللازم لتشغيل المحطات الكهربائية.
وتُعد العراق ساحة تنافس بين القوى الدولية والإقليمية التي تتصارع للحفاظ على نفوذها. ويوظف كل طرف نفوذه بالعراق كورقة ضغط للحصول على مكاسب داخل العراق أو خارجه. ويتجلى هذا الصراع في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
لهذا كله، يُناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية التي تواجه إعادة بناء الدولة العراقية، والتي تزايدت في الفترة الأخيرة، وكذلك مستقبل العراق في ظل تعقد وتشابك تلك الأزمات، والتداخل بين الفواعل الداخلية والخارجية (الإقليمية والدولية) المؤثرة في صياغة مستقبل الدولة العراقية.