مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
في خطوةٍ متوقعةٍ أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النوويّ بين إيران ومجموعة (٥+١) في الثامن من مايو الجاري، وذلك في ضوء التغييرات الأخيرة التي أجراها الرئيس في فريقه للسياسة الخارجية بتعيين "مايك بومبيو" في منصب وزير الخارجية خلفًا لـ"ريكس تيلرسون"، و"جون بولتون" خلفًا لـ"هربرت مكماستر" في منصب مستشار الأمن القومي، اللذين يعارضان الاتفاق ويؤيدان الرئيس في ضرورة الانسحاب منه.
ويأتي هذا القرار متسقًا مع ما وعد به "ترامب" منذ اليوم الأول لحملته الانتخابية في عام ٢٠١٦، وانتقاداته لإدارة الرئيس السابق "باراك أوباما" لأنها ركزت في تعاملها مع الملف الإيراني على البرنامج النووي، مع غض الطرف عن الدور الإقليمي لطهران المزعزع للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، ودعمها العسكري والمالي للميليشيات المسلحة في عددٍ من الدول العربية، وكذلك برنامجها للصواريخ الباليستية. ولهذا ركز خطاب الرئيس الأمريكي للانسحاب من الاتفاق على ملامح الدور الإيراني الإقليمي المُهدِّد للاستقرار بالمنطقة، وعيوب خطة العمل المشتركة التي تم التوصل إليها في الرابع عشر من يوليو ٢٠١٥.
وإزاء هذا القرار، انقسم حلفاء الولايات المتحدة والداخل الأمريكي، فهناك مَن يؤيد هذا القرار لأن الاتفاق لا يضع حدًّا لطموح إيران النووي والإقليمي، وكذلك لبرنامجها للصواريخ الباليستية، بسبب تأثيراتهما السلبية على الأوضاع في الشرق الأوسط. وهناك من يُعارضه لأنه ينهي القيود التي تقوض البرنامج النووي الإيراني الذي من شأنه التأثير سلبًا على الجهود الأمريكية والدولية لمنع الانتشار النووي، ليس في المنطقة فقط، ولكن على المستوى الدوليّ أيضًا. بالإضافة إلى أنه قد يزيد من حدة الأوضاع المتدهورة في المنطقة، فضلًا عن تأثيراته السلبية على الصورة الأمريكية عالميًّا، وقيادتها للنظام الدولي. ولهذا، فقد أعلنت الدول الأوروبية التي شاركت في التوصل إلى خطة العمل المشتركة استمرار التزامها بها، لأنها ترى أن مكاسب الالتزام المتبادل بالاتفاق النووي أفضل من إلغائه.
ولذلك، فإن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق سيؤثر على العلاقات الأمريكية مع كثيرٍ من حلفائها المعارضين للقرار؛ لكونه يهدد مصالحها لا سيما التجارية التي تعاظمت مع الجانب الإيراني في أعقاب التوقيع على الاتفاق، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على الاقتصاد الإيراني في السابق، وخاصة مع تهديد الرئيس "ترامب" في خطاب الانسحاب من الاتفاق بأن إدارته ستفرض المزيد من العقوبات على الدول التي تتعاون مع إيران، وهو الأمر الذي يثير مخاوف الكثير من الدول التي انخرطت شركاتها في الاقتصاد الإيراني من أن تفرض عليها واشنطن عقوبات.
كما ستكون للقرار الأمريكي انعكاسات متعددة على الداخل الإيراني لتراجع التأييد الشعبي لخيار التواصل مع الولايات المتحدة، ما يؤثر على فرص فوز التيار الإصلاحي في الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية القادمة، في مقابل تزايد قوة التيار المتشدد داخل النظام الإيراني، والقبول الشعبي له؛ لرفضه الحوار مع واشنطن، ما قد يدفع طهران إلى تبني سياسات راديكالية على المستويين الداخلي والخارجي، ومنها: إعادة تفعيل برنامجها النووي، واستهداف حلفاء الولايات المتحدة ومصالحهم بالمنطقة، لا سيما مع امتلاك هذا التيار وكلاء وميليشيات مسلحة في عديد من دول الأزمات العربية.
وعليه، يناقش هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني للمركز، أسبابَ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ومواقف الحلفاء المؤيدين والمعارضين للقرار، وعلاقات الولايات المتحدة معهم. وكذلك مستقبل الاتفاق بعد الانسحاب الأمريكي، وخيارات النظام الإيراني للتعامل مع هذا القرار. وأخيرًا تأثيرات القرار على الأوضاع المتردية في منطقة الشرق الأوسط.