مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة
على عكس رؤية الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" الذي روّج للاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في منتصف عام ٢٠١٥ بين طهران ومجموعة (٥+١) على أنه سيكبح الطموح النووي الإيراني، وسيهدئ السياسة الإيرانية المزعزِعة للاستقرار في المنطقة، لقناعته بأن اندماج طهران في الأسواق العالمية سيُعدِّل من سياساتها العدوانية لتصبح قوة إقليمية بنّاءة؛ تبنّى الرئيس "دونالد ترامب" سياسة خارجية تجاه النظام الإيراني لا تُركز فقط على مدى التزامه بتنفيذ بنود الاتفاق النووي الإيراني، إذ أُضيف إليه محددُ الدور الإقليمي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وهو الذي تنظر إليه الإدارة الأمريكية على أنه مزعزِعٌ للاستقرار في المنطقة، من خلال دعمه العسكري والمالي للميليشيات الشيعية في عديدٍ من الدول العربية.
ينتقد "ترامب" منذ اليوم الأول لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية التي أُجريت في الثامن من نوفمبر ٢٠١٦ الاتفاقَ النوويَّ الإيراني، حيث يراه أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة، ويصفه بـ"الكارثي". وبعد توليه المنصب رسميًّا في العشرين من يناير ٢٠١٧ لم تتغير رؤيته حيال الاتفاق النووي الإيراني، فهو على قناعةٍ بأن الاتفاق منح طهران شريان الحياة السياسية والاقتصادية، بعد رفع العقوبات المفروضة على طهران، والتحرر من الضغوط المحلية الشديدة التي فرضتها العقوبات الأمريكية والدولية. وقد انعكست تلك الرؤية في استراتيجية الأمن القومي التي أعلن عنها في ديسمبر من عام ٢٠١٧ والتي تتحدث عن أن طهران استغلت حالة عدم الاستقرار بالمنطقة لتوسيع نفوذها من خلال وكلائها وشركائها، فضلًا عن استمرارها في تطوير برنامج صواريخها الباليستية، وتعزيز قدراتها الاستخباراتية.
وعلى الرغم من ذلك، أحجم الرئيس "ترامب" عن إعادة فرض العقوبات النووية على إيران للمرة الثالثة منذ توليه الرئاسة بسبب برنامجها النووي من أجل الحفاظ على امتثاله للاتفاق النووي، كان آخرها في الثاني عشر من يناير ٢٠١٨، لكنه حذر من أنها ستكون المرة الأخيرة إذا لم يمنحه الكونجرس الإصلاح التشريعي الذي يلبِّي مطالبه، مشيرًا إلى مسارين: إمّا إصلاح العيوب الكارثية بالاتفاق، وإمّا انسحاب الولايات المتحدة منه، وهو خيار يرفضه عددٌ من أعضاء الإدارة الأمريكية وكثير من المُشرِّعين بمجلسي الكونجرس الأمريكي (مجلس النواب والشيوخ) من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين يرون أن بديله سيكون كارثيًّا، في الوقت الذي أبدى فيه عددٌ من التقارير الدولية (مثل: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك الأمريكية) بأن طهران تواصل الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالنشاط النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
لكن ترديد الرئيس الأمريكي ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في الثلاثين من أبريل الماضي بأن لديه وثائق تُثبت خداع طهران، والتفافها على الاتفاق النووي لمتابعة برنامجها النووي العسكري؛ يعزز من سيناريو تخلي الإدارة الأمريكية عن الاتفاق أو على الأقل عدم الموافقة على تمديد رفع العقوبات على طهران، وتَعَزَّزَ ذلك الاتجاه مع تولي "مايك بومبيو" منصب وزير الخارجية خلفًا لـ"ريكس تيلرسون"، وتولِّي "جون بولتون" منصب مستشار الأمن القومي خلفًا لـ"هربرت ماكماستر"، حيث سعى "ترامب" إلى إعادة تشكيل فريق السياسة الخارجية الأمريكية بمعارضي الاتفاق النووي. وبالتعيينات الجديدة تزيد فرص الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني.
وقبل الموعد المحدد لإعلان الرئيس الأمريكي موقفه من الاتفاق النووي في الثاني عشر من مايو الجاري، غرد "ترامب" في السابع من مايو الجاري بأنه سيعلن موقفه من الاتفاق في الثامن من الشهر ذاته. وسيدفع الانسحاب الأمريكي المحتمل من الاتفاق النووي الإيراني في ظل معارضة حلفائها الأوروبيين والصين وروسيا إلى اتخاذ طهران خيارات متعددة تتنوع ما بين بحثها عن اتفاق مع القوى الدولية الأخرى يضمن استمرار انخراطها في الاقتصاد الدولي، أو الإعلان عن عودة برنامجها النووي غير السلمي، وزيادة تهديداتها لحلفاء الولايات المتحدة في الدول التي ينشط بها وكلاؤها والميليشيات المسلحة التابعة لها.
وعليه، يتناول هذا الملف الذي يضم تحليلات وتقديرات نُشرت على الموقع الإلكتروني للمركز، موقف إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك موقف القوى الأوروبية الرئيسية المعارِضة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق، ومحاولاتها منع "ترامب" من الانسحاب من الاتفاق، وأخيرًا ردود الفعل الإيرانية على خطوة الانسحاب الأمريكي من هذا الاتفاق.