تكشف وثائق اتفاق الرياض عام 2013 وآليته التنفيذية، واتفاق الرياض التكميلي عام 2014، التي نشرتها شبكة "سي إن إن" العالمية، يوم الاثنين 10 يوليو الجاري، أن قطع الدول الأربع (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين) يرجع بالأساس إلى عدم وفاء الدوحة بالتزاماتها بالاتفاقين، وانتهاكها ونكثها الكامل لما تعهدت به في السابق.
سعت قطر إلى تدويل وأقلمة الأزمة لقناعتها من أن التنسيق الاقتصادي والأمني والسياسي بين الدول الأربع يُقيّد من حرية حركتها وهامش المناورة أمامها إذا أبقت على الأزمة في إطارها الخليجي-المصري. وقد استندت الدوحة إلى ثلاث آليات رئيسية في مواجهتها للعزلة التي فرضتها عليها الدول الأربع. يتمثل أولها في الحديث عن أن الإجراءات التي اتخذتها تلك الدول تنتهك قواعد القانون الدولي، ولا تراعي البعد الإنساني في العلاقات الخليجية-القطرية، ومبادئ حسن الجوار. أما ثانيها فتركّز على نفي الاتهامات التي تُوجَّه لها بدعم الإرهاب، وإثارة الفتن الداخلية. في حين تعلق ثالثها بممارسة ضغط غير مباشر على دول المقاطعة من خلال استغلال الاستثمارات القطرية في عدد من الدول الكبرى للتأثير على مواقفها من الأزمة، والضغط على دول المقاطعة بتخفيف أو إنهاء الإجراءات التي تفرضها على الدوحة، والتي من شأنها عزلها دوليًّا وإقليميًّا.
ولمواجهة الإجراءات الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها من قبل الدول الأربع، استعانت قطر بتركيا لحمايتها عسكريًّا بعد مصادقة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على إرسال قوات عسكرية إلى القاعدة العسكرية لبلاده بالدوحة، والتي تم تأسيسها في عام 2014، إضافةً إلى إيران لمساعدتها اقتصاديًّا بتأمين احتياجاتها الغذائية.
وفي مقابل الدعم الإقليمي لقطر من تركيا وإيران، اتسم موقف القوى الدولية من قرار قطع الدول الأربع علاقاتها مع قطر بالتوازن لارتباطاتها بطرفي الأزمة، وعدم رغبتها في تصعيد الأزمة بما يؤثر في مصالحها بالمنطقة، ولأن القرار شأن داخلي خاص بالدول العربية، ويرتبط بالعلاقات الثنائية بينها، مع الدعوة إلى ضرورة حل الخلافات في إطار المنظمات العربية والخليجية، بما لا يؤثر في الجهود الدولية لمحاربة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، لا سيما تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
استمرار مقاطعة الدول الخليجية الثلاث ومصر لقطر؛ سيكون لها جل التأثير في الاقتصاد القطري، حيث تسببت في فقدانه العديد من المقومات المهمة واللازمة للحفاظ على استقراره المالي، والتي تمثلت في تخفيض التصنيف الائتماني، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع تكلفة التأمين على الديون، وأخيرًا تراجع أداء البورصة القطرية.
وفي ظل التعنت القطري والتمادي في سياسات مهدِّدة للأمن الخليجي والعربي، وتصميم الدول المقاطعة على استمرار عزلها لنظام الدوحة بعد رفضه مطالبها؛ يتوقع أن يطول أمد تلك الأزمة، مع تصعيد من طرفيها بما يؤدي في التحليل الأخير إلى استمرار عزلة قطر إقليميًّا.
وعليه، يتناول هذا الملف تحليلات تُفسر أسباب المحاولات القطرية لتدويل وأقلمة الأزمة، والعقبات التي تواجهها في ذلك، والانحياز التركي لقطر في تلك الأزمة، بالإضافة إلى الخيارات المتاحة أمام الدوحة للخروج من العزلة الإقليمية المفروضة عليها من قبل دول المقاطعة، والتداعيات الاقتصادية لذلك، ومدى قدرة الاقتصاد القطري على تحمل الضغوط المالية التي تولّدت بسبب الأزمة الحالية مع دول الخليج ومصر.
وتحاول بعض المواد التي يتضمنها الملف الإجابة على جملة من التساؤلات، من قبيل: لماذا تستمر الدوحة في دعم جماعة الإخوان المسلمين رغم الضغوط الإقليمية والدولية المفروضة عليها بسبب هذه الجماعة؟ وكيف تستفيد إيران من تلك الأزمة في تعزيز مكانتها ونفوذها الإقليمي بالمنطقة؟ إلى جانب تناول طبيعة التكييف القانوني للإجراءات التي اتخذتها الدول الأربع وآثارها، وفقًا لقواعد القانون الدولي.