في ضوء حالة عدم الاستقرار التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، على وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى الضربات الجوية المتبادلة بين إيران وإسرائيل؛ عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة حلقة نقاشية، تناولت تطورات التصعيد الحالي في المنطقة، ومآلاته. وكان المتحدث الرئيسي في الحلقة، الدكتور محمد مجاهد الزيات، المستشار الأكاديمي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وأدارها الأستاذ حسام إبراهيم، المدير التنفيذي لمركز المستقبل، وشارك فيها خبراء وباحثو المركز.
وقد لخّص الزيات المشهد الإقليمي الحالي والأبعاد الاستراتيجية المرتبطة به والمآلات المُحتملة له، في العديد من الاتجاهات الرئيسية، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:
1- تصاعد اغتيال القيادات: جرت سلسلة اغتيالات خلال الفترة الأخيرة، في إطار التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان، وكان أبرزها اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، ثم نائبه هاشم صفي الدين، فضلاً عن قيادات عديدة من الصف الأول والثاني للحزب، بالإضافة إلى اغتيال أغلب قيادات حركة حماس، وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، إسماعيل هنية، في طهران، ثم خلفه الذي أعقبه في رئاسة الحركة، يحيى السنوار. وثمة أبعاد جديدة طرأت على عملية الاغتيالات تلك، خاصةً فيما يتعلق باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة؛ ما أدى إلى تزايد عددها بشكل ربما غير مسبوق في المنطقة.
2- تراجع قدرات حزب الله اللبناني: أدى التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله اللبناني في الأشهر الماضية، إلى تراجع قدرات الحزب؛ إذ تم اغتيال أكثر من 62 قيادياً لديه منذ اندلاع المواجهات، إلى جانب الهجمات التي يشنها الطيران الإسرائيلي ضد مخازن الأسلحة والذخيرة والمواقع الخاصة بالحزب. بيد أن ذلك لا يعني أن حزب الله قد انتهى، خاصةً أن إسرائيل ما زالت عاجزة عن السيطرة البرية على جنوب لبنان، أو دفع الحزب إلى شمال نهر الليطاني.
3- تجنب سوريا التدخل في الصراع: سعت سوريا منذ بداية الحرب على غزة، إلى تجنب الانخراط في الصراع الدائر؛ لأسباب تتعلق برغبة دمشق في إعادة ترميم الداخل المتأزم منذ عام 2011. بيد أن الوجود الإيراني في سوريا، والضربات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف هذا الوجود، ربما يدفع بألا تكون سوريا بعيدة عن الصراع الحالي في المنطقة.
4- رسائل متبادلة للضربات الإيرانية الإسرائيلية: حملت الهجمات المباشرة التي وجهت من إيران إلى إسرائيل، في الأول من أكتوبر 2024، والرد الإسرائيلي عليها، في 26 من نفس الشهر؛ رسائل تتعلق برغبة كل طرف في التأكيد للآخر أنه يستطيع أن يصل إلى قدراته العسكرية والنووية.
جدير بالذكر أن نتائج الضربات بين إيران إسرائيل يحيطها الغموض، في إطار حرص كل طرف على ألا يكشف حقيقة خسائره بما يضطره لاتخاذ إجراءات وردود فعل معينة. لكن كشفت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية أضراراً لحقت بقاعدة "نفاتيم" الجوية الإسرائيلية في صحراء النقب؛ نتيجة الهجوم الإيراني، والذي حمل أيضاً رسالة بإمكانية تهديد مفاعل ديمونة النووي. فيما أحدثت الضربات الإسرائيلية دماراً لأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، واستهدفت مواقع مهمة لتصنيع الصواريخ البالستية، كما حملت رسالة بأن المفاعلات النووية الإيرانية في مرمى الاستهداف.
5- تأثير السياسات الأمريكية في المنطقة: لا يوجد فرق جوهري في السياسات الأمريكية للجمهوريين والديمقراطيين تجاه الملفات الاستراتيجية في المنطقة؛ إذ إن الاختلاف ربما يكون في الأدوات والأسلوب، لكن ليس في الأهداف الاستراتيجية. وهو ما يُضعف من تأثير فوز أي من مرشحي الرئاسة الأمريكية، سواء الجمهوري دونالد ترامب، أم الديمقراطية كامالا هاريس، في الأوضاع الحالية في الإقليم.
6- إعادة تشكيل الإقليم: أدت الحرب الإسرائيلية على غزة ثم لبنان، وما ارتبط بها من تصعيد في جبهات إقليمية أخرى، إلى حالة من السيولة الأمنية والعسكرية والسياسية في المنطقة، بشكل ربما يُسفر عن إعادة تشكيل الإقليم؛ إذ إن التصعيد الحالي جوهره في الأساس صراع بين إيران ووكلائها من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة التي تدعمها من ناحية أخرى.