أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

مصالح متشابكة:

أهداف ودلالات المناورات العسكرية بين تركيا وأذربيجان

24 أغسطس، 2020


بدأت القوات المسلحة التركية والأذربيجانية، في 29 يوليو الماضي، إجراء مناورات عسكرية شاملة في أذربيجان، تحت اسم "النسر التركي الأذربيجاني 2020"، وذلك بعد أيام من اندلاع اشتباكات حدودية بين أذربيجان وأرمينيا، حيث اتهمت وزارة الدفاع الأذربيجانية، في 12 يوليو، الجيش الأرميني بقصف مواقع في منطقة "توفوز" الحدودية بالمدفعية، ما أسفر عن مقتل 4 جنود أذريين بينهم ضابط، لتندلع بعدها مواجهات بين البلدين استمرت عدة أيام، أسفرت عن مقتل 12 عسكريًّا أذريًّا و4 عسكريين أرمينيين. وفي 12 أغسطس الجاري، توجه وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" إلى أذربيجان، على رأس وفد يضم كلًّا من رئيس الأركان "يشار غولر"، وقائد القوات البرية "أوميت دوندار، والبحرية "عدنان أوزبال"، والجوية "حسن كوتشوك أق يوز"، حيث حضروا جانبًا من المناورات العسكرية التركية الأذربيجانية، والتقوا بالرئيس "إلهام علييف".

ويحمل توقيت إجراء المناورات العسكرية بين البلدين، وطبيعة الحراك العسكري التركي رفيع المستوى تجاه أذربيجان، الذي جاء بالتزامن مع التصعيد العسكري بين أذربيجان وأرمينيا؛ عدة دلالات وأهداف يمكن تناولها على نحو ما يلي تفصيله.

طبيعة المناورات العسكرية:

انطلقت المناورات العسكرية بين الجيشين التركي والأذربيجاني، في 29 يوليو الماضي، وبحسب وزارة الدفاع الأذربيجانية، فإن المناورات تشتمل على تدريبات جوية وبرية، في العاصمة الأذربيجانية باكو وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم ومناطق "كنجة" و"كوردمير" و"يولاخ". وقد كان من المقرر أن تستمر المناورات 13 يومًا، على أن تنتهي التدريبات البرية في 5 أغسطس الجاري، والتدريبات الجوية في 10 من الشهر نفسه، غير أن المناورات استمرت لما بعد ذلك. وأكّد الرئيس الأذربيجاني "علييف"، خلال لقائه وزير الدفاع التركي، في 13 أغسطس، أن المناورات العسكرية بين البلدين ستستمر في المستقبل أيضًا بفترات قصيرة.

وتتضمن المناورات اختبارات جاهزية الطائرات الحربية في البلدين، واختبار جاهزية القوات لتنفيذ أوامر القيادة العسكرية، وإطلاق النار من المركبات المدرعة والمدافع ومدافع الهاون على أهداف افتراضية للعدو. وقد نفذت مقاتلات "إف-16" تركية طلعات جوية مزدوجة وجماعية مع مقاتلات حربية أذربيجانية، ونفذت مهام من قبيل أنشطة البحث والإنقاذ وتدمير الأهداف الأرضية، بالإضافة لمهام الاعتراض والحراسة والهجوم. كما شارك بالمناورات مروحيات "أتاك" التركية، ونفذت مهام تدمير أهداف معادية افتراضية. هذا بالإضافة لمشاركة قوات المهام الخاصة التركية بالمناورات، والتي قامت بعمليات إنزال عبر المروحيات، ونفذت عمليات على مرافق استراتيجية وعسكرية في تضاريس وعرة.

أهداف متعددة:

1- دعم أذربيجان في مواجهة أرمينيا: فعقب اندلاع الاشتباكات الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا، في 12 يوليو الماضي، أعلن الرئيس التركي "أردوغان"، في 14 يوليو، أن "تركيا لن تتردد أبدًا في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان، وستستمر في أداء واجب الدفاع عنها الذي بدأ به أجداده لعدة قرون في منطقة القوقاز". وفي 16 يوليو، استقبل وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار"، نائب وزير الدفاع الأذري وقائد القوات الجوية "رامز طاهروف"، وقائد جيش جمهورية ناخجوان ذاتية الحكم "كرم مصطفايف"، في أنقرة، وذلك بحضور رئيس هيئة الأركان التركية "يشار غولر"، ونائب وزير الدفاع "محسن ديرة". وشدّد "أكار" خلال اللقاء على وقوف بلاده بجانب أذربيجان في التصدي لكافة أنواع الاعتداءات، مؤكدًا أن "تركيا وقواتها المسلحة ستقوم بما ينبغي القيام به، كما كان حالها على الدوام".

وبالتزامن مع انطلاق المناورات العسكرية، في 29 يوليو، أعلن نائب الرئيس التركي "فؤاد أوقطاي"، "أن بلاده ستواصل التحرك مع أذربيجان الشقيقة في جميع الظروف، وسنقف بكل إمكانياتنا إلى جانب أشقائنا". وفي 31 يوليو، بحث الرئيسان التركي والأذري، في اتصال هاتفي، التعاون العسكري بين البلدين، وأكدا على مواصلة المناورات العسكرية المشتركة بين جيشي البلدين. وخلال لقاء الرئيس الأذربيجاني "علييف" بالوفد العسكري التركي برئاسة وزير الدفاع "خلوصي أكار"، في 13 أغسطس، في العاصمة باكو، أكد "علييف" أن "تركيا أول دولة قدمت الدعم لبلاده عقب الهجمات الأرمينية". فيما أكد "أكار" أن "أذربيجان ليست وحدها، على الجميع أن يعرف ذلك، نحن معًا أمة واحدة".

2- الردّ على مناورات روسيا مع أرمينيا: فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية "شوشان ستيبانيان"، في 23 يوليو الماضي، أن روسيا وأرمينيا بدأتا مناورات عسكرية مشتركة لاختبار فعالية أنظمة الدفاع الجوي، ولتعزيز قدراتهما في مجال الدفاع الجوي الإقليمي والتصدي للطائرات المسيّرة. مضيفًا أنه سيتم تطوير أساليب جديدة لمكافحة الطائرات المسيرة خلال المناورات. ويُشارك في المناورات قادة أنظمة الدفاع الجوي الروسية والأرمينية ومقاتلون من البلدين، إضافة إلى وحدات تتبع لسلاح الدفاع الجوي في الجيش الأرميني. وتعليقًا على هذه المناورات، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالن": "نحن سيكون لنا مناورات في أذربيجان، لأن هناك بالفعل اتفاقية عسكرية وأمنية معهم"، مؤكدًا أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان حتى النهاية، مهما كان مصدر التهديد ضدها، سواء من أرمينيا أو روسيا، بحسب تعبيره.

دوافع الدعم التركي:

1-  التأكيد على التحالف الاستراتيجي بين البلدين: فتركيا وأذربيجان ترتبطان بعلاقات وثيقة منذ القدم، فالجيش العثماني هو الذي قام بتحرير غالبية الأراضي الأذرية بما في ذلك العاصمة باكو في عام 1918، من سيطرة القوات الروسية والأرمينية. ومع تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، تأسست العلاقات بين الدولتين وفق مقولة مؤسسها "مصطفى كمال أتاتورك": "فرح أذربيجان فرحنا، وهمّها همّنا"، وشعار الرئيس الأذربيجاني السابق "حيدر علييف": "شعب واحد في دولتين". وكانت تركيا أول دولة تعترف بجمهورية أذربيجان فور استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في نوفمبر 1991، وبمرور الوقت ارتقت العلاقات بين الدولتين إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، حيث وقّعت الدولتان اتفاق تعاون استراتيجيًّا في عام 2010، وأسستا المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي على مستوى الرؤساء، لتعزيز العلاقات بينهما في شتى المجالات.

2- العداء المشترك لأرمينيا: فأرمينيا ترتبط بعلاقة عداوة مع أذربيجان، على خلفية اتهام الأخيرة للأولى باحتلال إقليم "ناغورنو قره باغ" منذ عام 1992، وخاض الطرفان حربًا راح ضحيتها نحو 30 ألف شخص، انتهت بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في عام 1994، وقيام وساطة روسية أمريكية فرنسية تحت اسم "مجموعة مينسك"، غير أن الاشتباكات المسلحة بين الدولتين تتجدد بين حين وآخر.

كما ترتبط تركيا بعلاقة عداوة مع أرمينيا، ولا توجد علاقات دبلوماسية بين الدولتين، حيث تتهم الأخيرة الدولة العثمانية بتنفيذ إبادة جماعية بحق الأرمن في عام 1915 راح ضحيتها نحو 1.5 مليون من شخص، وهو ما ترفضه أنقرة بشدة. كما فشلت محاولات تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث وقّع الرئيس الأرميني السابق "سيرج ساركيسيان"، في 2018، مرسومًا بإلغاء اتفاقات التطبيع مع تركيا التي تم توقيعها في أكتوبر 2009 في سويسرا، وتصر يريفان على اعتراف أنقرة بإبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية، وتقديم اعتذار رسمي لتطبيع العلاقات، وهو ما ترفضه الأخيرة.

وقد أدّت هذه العداوة المشتركة إلى تشكّل تحالف بين أذربيجان وتركيا في مواجهة أرمينيا، وتقدم تركيا دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليم "ناغورنو قره باغ". وعادةً ما يكرر "أردوغان" رفض فتح حدود بلاده مع أرمينيا وتحسين العلاقات معها لحين حل مشكلة الإقليم.

3- تهديد الهجوم الأرميني: فعادةً ما كانت تحدث الاشتباكات بين الجانبين على خط وقف إطلاق النار في إقليم "ناغورنو قره باغ" المتنازع عليه، غير أن الهجوم الأرميني الأخير استهدف منطقة "توفوز"، الواقعة شمال غرب أذربيجان بالقرب من حدود جورجيا، وهي منطقة استراتيجية بالنسبة لتركيا، فهي المنطقة البرية الوحيدة التي تصل بين أذربيجان وتركيا عبر جورجيا، وتمر منها خطوط الطاقة والنقل بين الدولتين، على غرار خط السكك الحديدية (باكو الأذرية – تبليسي الجورجية – قارص التركية)، وخط أنابيب النفط (باكو - تبليسي – جيهان) وخط أنابيب الغاز الطبيعي (باكو - تبليسي – أرضروم) الذي يمد تركيا بنحو 6.6 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الأذري، بالإضافة لخط أنابيب الغاز الطبيعي "تاناب" الذي ينقل غاز أذربيجان المستخرج من حقول بحر قزوين إلى تركيا وأوروبا.

إضافة لما سبق، ترى أنقرة أن الهجوم الأرميني الأخير تم بإيعاز من قوى إقليمية ودولية مناوئة لها، على غرار روسيا وفرنسا واليونان ومصر، بهدف إرباك تركيا وتشتيت قواها في سوريا وليبيا وشرق المتوسط، من خلال فتح جبهة تصعيدية جديدة ضدها في منطقة القوقاز. فروسيا تُعد من أبرز الداعمين العسكريين لأرمينيا، وقد أبلغ الرئيس الأذربيجاني "علييف"، نظيره الروسي "بوتين"، في اتصال هاتفي في 13 أغسطس، باستياء بلاده من تزايد حركة طائرات الشحن العسكرية الروسية باتجاه أرمينيا في الآونة الأخيرة. وقد عبرت الخارجية التركية، في 17 أغسطس، عن استغرابها من إبداء أرمينيا رأيها بملف شرق المتوسط، رغم أنها ليست من الدول المطلة على هذه المنطقة، معتبرة أن "أرمينيا التي لا تطل على أي بحر في المنطقة، تعتقد أنها تمتلك الحق في إبداء الرأي حيال المنطقة بعد دولة الإمارات وفرنسا، وهذا مؤشر على الاتفاق الخبيث ضد تركيا". وكانت الخارجية الأرمينية قالت -في بيان- إنها تتابع عن كثب آخر التطورات والتعبئة البحرية في بحر إيجه وشرق المتوسط على خلفية الأعمال غير القانونية والاستفزازية التركية.

وفي الختام، فإن المناورات العسكرية بين تركيا وأذربيجان تستهدف بالأساس ردع أرمينيا عن تطوير هجومها العسكري ضد باكو، خاصة وأن هجومها الأخير تجاوز مناطق الصراع التقليدي بين الدولتين ليشمل منطقة جديدة حيوية بالنسبة للمصالح الاقتصادية لتركيا، وهي منطقة "توفوز" التي تمر منها خطوط أنابيب نقل النفط والغاز الأذري لتركيا.

ومن الواضح أن أنقرة لا ترغب في تصاعد المواجهات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان، وهو ما ظهر في لجوئها إلى روسيا للاستفادة من نفوذها لدى أرمينيا لحثها على التهدئة، حيث أجرى الرئيس التركي "أردوغان" اتصالًا هاتفيًّا بنظيره الروسي "بوتين"، في 27 يوليو الماضي، بحثا فيه الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان، واتفقا على العمل معًا لخفض التوتر بين الدولتين. وأكد متحدث الرئاسة التركية، في 15 أغسطس، أن أولوية تركيا تتمثل في إيجاد حل سلمي للصراع بين الدولتين، مضيفًا: "اللجوء إلى طرق خارج المفاوضات لم يكن أبدًا خيارًا نفضّله".