أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

دور قاآني:

الأولويات والمعضلات المرحلية قبل الانتخابات العراقية

09 يونيو، 2021


تعددت زيارات قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اسماعيل قاآني إلى العراق، حيث كشفت تقارير محلية أنه يقوم بزيارة حالية إلى العراق، يلتقي خلالها رئيس الوزراء ومسئولين حكوميين وقادة فصائل "الحشد الشعبي" وزعماء القوى السياسية. وتعد هذه هى الزيارة العلنية الرابعة التي يقوم بها قاآني إلى بغداد، خلال تسعة أشهر. وبينما واكبت الزيارات السابقة مناسبات سياسية ذات صلة بجولات الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، فإن الزيارة الحالية تأتي في ظل توترات المشهد السياسي. فعلى الرغم من الأنباء الواردة حول احتواء أزمة القيادي في "الحشد" قاسم مصلح، والإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة الجنائية في ضوء الاتهام الموجه له في قضية اغتيال الناشط السياسي إيهاب الوزني، إلا أن تقارير أخرى أشارت إلى إبرام اتفاق تسوية بين الحكومة و"الحشد"، كما أن عملية الاحتواء لم تقلص حدة التوتر الأمني الذي يخيم على بغداد، حيث تزامنت مع اغتيال عقيد في المخابرات العراقية يعمل في دائرة مكافحة الفساد، على نحو نقل المشهد من تصفية الناشطين السياسيين، إلى تصفية الرتب الأمنية. 

ومن جانب آخر، فإن الزيارة تتعلق بمناقشة الانتخابات العراقية المرتقبة، في مؤشر يعكس أولويات طهران المرحلية، التي تتعلق بترتيبات المشهد السياسي ما بعد المرحلة الانتقالية. وعليه فمن المتوقع أن تشهد الساحة العراقية في المرحلة المقبلة استدارة عن المشهد الحالي مع التركيز على ملف الانتخابات، ويمكن تصور ملامحها في سياق عدد من النقاط في ظل هذه الزيارة ومنها: 

1- هدنة بين فصائل "الحشد" والحكومة: وهو سياق مرجح في ضوء الحديث عن تسوية في قضية قاسم مصلح، بحيث تم الاتفاق على إنهاء التصعيد على الجانبين، ووقف مظاهر الصدام السياسي والفوضى الأمنية، الأمر الذي يتوقع معه أن تدخل فصائل "الحشد" في حالة كمون خلال الفترة المقبلة تمهيداً للاستقرار الأمني، وهو السياق الذي عبر عنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في اجتماع الحكومة الأسبوعي، بالإشارة إلى النجاح في "تجنيب العراق شبح الحرب".

ويبدو أن هذه الصيغة جاءت بعد مباحثات ومفاوضات مضنية، لم تقتصر على القوى العراقية، وإنما ضمت طهران أيضاً، إذ كشفت مصادر عراقية أن ايران انخرطت في عملية التسوية لتفادي استمرار اشتعال الموقف، حيث كانت هناك فصائل مسلحة موالية لطهران تسعى لإشعال الموقف، بينما توسطت فصائل على صلة بطهران ومؤيدة للكاظمي في الوقت نفسه، للضغط على الطرفين، خشية خروج الأمور عن السيطرة، وتوصلت في الأخير إلى ما أسمته المصادر بـ"الصيغة الآمنة لعملية التهدئة". 

2- معالجة التوترات الموازية: لم تقتصر معادلة الاشتباك على التصعيد بين الفصائل والحكومة خلال الفترة الأخيرة، فقد تعلقت الشرارة التي أشعلت فتيل التصعيد بتنامي عمليات تصفية الناشطين السياسين المعارضين للميليشيات المسلحة، وصاحب تطور الإفراج عن مصلح لقاء جمع بين ممثلين عن الحراك السياسي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء فائق زيدان، حيث تم الاتفاق على تسريع التحقيقات الخاصة باغتيال عدد من النشطاء السياسيين وتقديم قتلتهم للعدالة، بالإضافة إلى أحقية التظاهر السلمي كمبدأ دستوري. وبالتالى تم احتواء هذا الجانب أيضاً من خلال تدخل مؤسسة القضاء في الملف.

3- هندسة الخريطة الانتخابية: وذلك باعتبارها الهدف الرئيسي من زيارة قاآني، وربما لن تشمل هذه العملية الحكومة وإنما الفصائل السياسية وقادة الميليشيات في ظل التباينات السياسية بين القوى الموالية لإيران والأخرى المقربة منها. فقد كشفت التطورات عن استقطاب واضح للقوى الولائية مثل "عصائب أهل الحق" و"حزب الله العراقي"، وبعض الفصائل الصغيرة، التي ستتجه، على الأرجح، إلى تشكيل ائتلاف سياسي لخوض الانتخابات. وعلى الجانب الآخر، من المحتمل تفكك الائتلافات السياسية التي خاضت الانتخابات السابقة لاسيما ائتلاف "الفتح" بقيادة هادي العامري، حيث تراهن طهران على دفع الظهير السياسي للميليشيات الولائية إلى المشهد السياسي القادم ما بعد المرحلة الانتقالية، وتنظيمه مع القوى المقربة منها، أو ما يطلق عليه تيار الوسط، وهى قوى وازنة في المشهد السياسي ومن أبرزها تيار "الحكمة الوطني" بزعامة عمار الحكيم.  

عقبات محتملة:

لكن هذه الملامح المتصورة قد تواجه ببعض العراقيل، إذ أن خبرة الحالة العراقية تكشف أن المشهد غير قابل للتنبؤ وحافل بالمفاجآت دائماً، وقد يكون من بينها ما يلي: 

1- تصاعد التوتر الأمني مجدداً: لا يمكن استبعاد استمرار حوادث الاغتيالات السياسية والأمنية، ما قد يُحدِث ارتباكاً في المشهد، خاصة في ظل استمرار الحراك السياسي كفاعل محوري فيه. ومن الجائز القول أن الحراك السياسي لم يختبر في العملية السياسية، بالإضافة إلى أن الأحزاب المدنية المشاركة فيه تعبر عن طموح مثالي لتغيير مسار هيمنة الأحزاب الدينية التي تمتلك النفوذ والمال والسلاح والإعلام وقواعد اجتماعية مؤدلجة، بينما تراهن القوى الأولى على نخب الطبقة الوسطى، ورغم ذلك ستسعى الميليشيات إلى تقويض مساعيها لاختراق المجال العام، باعتبار خطابها يشكل، على المدى الطويل، تهديداً للميليشيات والأحزاب الدينية. ومن دون شك، فإن وقوع عملية اغتيال جديدة كفيل بأن يعيد المشهد إلى المربع السابق أو ما هو أسوأ منه.

2- إرباك الترتيبات السياسية: وخاصة تلك التي تسعى طهران إلى إعادة تشكيلها. فعلى سبيل المثال، من الوارد ظهور تحالفات جديدة على غير رغبة طهران، في ظل التقارب بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والأكراد في ضوء اللقاءات التي يجرها التيار مع الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والتي طرحت تكهنات بشأن تبلور مصالح متبادلة على الجانبين في تشكيل مراكز السلطة في المشهد القادم، لاسيما وأن أسهم التيار الصدري السياسية ارتفعت في المرحلة الأخيرة كلاعب في أزمة الحكومة و"الحشد" بتركيزه على رفض مظاهر السلاح المنفلت. وإذا تشكل بالفعل هذا التحالف، فمن المتوقع أن يكون له تداعيات كبيرة على المشهد السياسي برمته، بالنسبة للطرفين، كمتغير لافت مقارنة بتحالفات الأكراد السابقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تسليط الأضواء على رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي رئيس ائتلاف "دولة القانون" في المرحلة الحالية ربما يكون له أثره أيضاً في تلك العملية، خاصة أنه أبدى صراحة رغبته في التحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وبالتالي فالمتوقع أن سياقات التحالفات السياسية المحتملة تشير إلى متغير رئيسي في المشهد السياسي قبيل الانتخابات قد لا يكون بمقدور طهران السيطرة عليه كلية. 

ختاماً، ربما يمكن القول إن العراق تفادت إحدى الأزمات السياسية والأمنية التي كادت تعصف بالحد الأدنى من استقرارها، لكنها تظل حالة مؤقتة، في ضوء توجه القوى السياسية نحو استثمار اللحظة للتفرغ لهندسة المشهد الانتخابي، لكن يظل من المهم القول أيضاً أن أدوات العنف واللجوء إلى السلاح لا تزال قائمة في المشهد وقادرة على إرباكه مجدداً، خاصة أنه لا يزال من غير المعروف ما هى ضمانات التسوية التي تم التوصل إليها بين "الحشد" والحكومة، ومدى التزام كافة الأطراف بها. كما أن الخبرة العراقية قابلة لجمع المتناقضات في الوقت نفسه، فالمؤشرات التي تكشف عن إمكانية التهدئة السياسية كخطوة على طريق تمهيد الأجواء للعملية الانتخابية، لا تزال هشة إذا ما توقفت فقط على حسابات طهران والميليشيات والحكومة التي واجهت بدورها معضلات صعبة خلال المرحلة الانتقالية.