أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

الشروق:

أسباب تصاعد حدة التوتر على الساحة السياسية التركية

10 مارس، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تقريرا حول التوترات والاستقطابات الدائرة بين الحكومة من جهة، وأحزاب المعارضة من جهة أخرى، وما هى دوافعها... جاء فيه ما يلى.

يكشف التصعيد المتبادل بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والحكومة وحزب العدالة والتنمية من جهة وقوى المعارضة من جهة أخرى، سواء عبر الخطاب السياسى أو الإعلامى، عن سعى الأخيرة إلى تحقيق مكاسب سياسية على المديين القصير والمتوسط، من خلال توظيف التوتر الذى تتسم به العلاقات بين تركيا والعديد من القوى الدولية والإقليمية، فضلا عن تفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب السياسات التى تتخذها الحكومة. ويتوازى ذلك مع تحركات مكثفة تقوم بها المعارضة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية عبر استحداث تحالفات مناوئة للحزب الحاكم وحلفائه، وتزايد مساحة الاستقطاب استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر عقدها فى يونيو 2023.


تصعيد متبادل


شهدت الفترة الأخيرة تصعيدا متبادلا بين الطرفين. إذ أكد الرئيس أردوغان، فى 26 يناير الفائت، أن «حزب الشعب الجمهورى فقد هويته السياسية وتحول إلى مركز لترويج الأكاذيب»، وهو ما تزامن مع هجوم بعض المسئولين على أحزاب المعارضة، مثل وصف رئيس دائرة الاتصالات فى الرئاسة التركية فخرالدين ألتون خطاب أحزاب المعارضة بـ«المتشدد»، لأنه، فى رؤيته، يستهدف بشكل منهجى جميع مؤسسات وموظفى الدولة.


فى المقابل، أكدت بعض قوى المعارضة، فى مؤتمر صحفى جمع رئيس حزب الديمقراطية والتقدم على باباجان، ورئيس حزب السعادة تميل كرم الله أوغلو، فى 25 يناير الفائت، أن «السلطات لجأت إلى العنف السياسى للتخلص من الديمقراطية»، وأن «تركيا تشهد يوميا حالات من العنف السياسى للتخلص من المعارضين».


وتوازى ذلك مع تصاعد حدة الحملات الإعلامية المتبادلة، حيث سعى الطرفان إلى الترويج لتراجع شعبية كل منهما، وإلقاء الضوء على الانشقاقات التى تؤثر على تماسكهما الحزبى. ففى هذا السياق، نشرت وسائل الإعلام التابعة لحزب العدالة والتنمية تقارير تكشف عن تزايد الانشقاقات داخل أحزاب المعارضة خلال الفترة الأخيرة، منها إبراز تقديم 3 نواب من حزب «الشعب الجمهورى» المعارض، استقالاتهم من البرلمان، وذلك احتجاجا على السياسة التى يدار بها الحزب، إلى جانب إعلان القيادى المنشق عن الحزب مصطفى ساريجول عن تشكيل حزب جديد هو «حركة التغيير»، فيما تسود التوقعات بإعلان المرشح الرئاسى السابق محرم إنجه عن تأسيس حزب «وطن» فى مارس المقبل، والذى قد ينجح فى استقطاب نواب من حزب «الجيد» الذى تقوده ميرال أكشنار للانضمام إليه.


فى حين ركزت وسائل إعلام المعارضة على استطلاعات الرأى التى أجرتها بعض الشركات المعنية باستطلاعات الرأى العام، والتى تكشف تراجع شعبية الرئيس أردوغان وحزب «العدالة والتنمية»، كان آخرها «شركة ماك لاستطلاعات الرأى»، والتى كشفت أن 1 من كل 3 شاركوا فى استطلاع للرأى، أعلن محمد على قولات رئيس الشركة نتائجه فى 30 يناير الفائت، أعربوا عن «ندمهم» للتصويت لحزب «العدالة والتنمية» خلال انتخابات عام 2018، وأن معظم من قالوا هذا هم من أنصار الحزب، واعتبروا حزب «الخير» وحزب «المستقبل» وحزب «ديفا» وجهتهم الجديدة.


دوافع عديدة


يمكن تفسير التصعيد الحالى فى ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها فى:


1ــ تغيرات سلبية: شهدت تركيا خلال السنوات الأخيرة تطورات راديكالية مفاجأة فى العديد من المجالات، منها تغيير النظام السياسى من برلمانى إلى رئاسى، وصاحب ذلك تقويض الممارسات الديمقراطية وتزايد انتهاكات حقوق الإنسان، بالتوازى مع انتهاج سياسة خارجية أدت إلى تدهور علاقات أنقرة مع بعض القوى الإقليمية والدولية، وانعكس ذلك برمته على الوضع الاقتصادى الذى تراجع بشكل ملحوظ وفرض تداعيات لا تبدو هينة على المواطن التركى، خاصة بعد جائحة كورونا، الأمر الذى أتاح للمعارضة فرصة يمكن توظيفها لشن حملات مستمرة ضد الرئيس والحكومة والحزب، على نحو دفعهم إلى تصعيد الخطاب المناوئ للمعارضة فى الفترة الأخيرة، وحشد جميع أدوات الهجوم عليها.


2ــ إعادة هيكلة التحالفات: تسعى العديد من القوى السياسية إلى تغيير شكل الخريطة السياسية وأنماط التحالفات والائتلافات، وهو ما انعكس فى محاولات أردوغان ضم حزب «السعادة» إلى تحالفه مع «الحركة القومية» تحت اسم «تحالف الشعب»، فى مقابل تحرك المعارضة لتنظيم صفوفها، على نحو بدا جليا فى مطالبة نائب رئيس حزب «الشعوب الديمقراطى» للشئون الخارجية هوشيار أوزسوى، فى 16 ديسمبر 2020، أحزاب المعارضة بـ«الاتفاق حول برنامج ديمقراطى كبديل لحكومة حزب العدالة والتنمية وحلفائه»، وذلك بالتوازى مع تحركات لتأسيس أحزاب جديدة، الأمر الذى قد يكون له أثر سلبى على تماسك المعارضة ككل، وتشتيت الأصوات، خاصة أن هناك انقسامات داخل تلك الأحزاب نتيجة محاولات الاستقطاب السياسى التى يشهدها المجتمع.


3ــ التمهيد للانتخابات البرلمانية والرئاسية: بدأ الجدل يتصاعد حول تلك الانتخابات بسبب الضغوط التى تمارسها قوى المعارضة لإجراء انتخابات مبكرة نتيجة عدم قدرة الحكومة على مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويبدو أن ذلك كان أحد الأسباب التى دفعت الرئيس أردوغان إلى إجراء تغيير فى حساباته، عبر إقصاء صهره برات البيراق وزير الخزانة والمالية ومحافظ البنك المركزى مراد أويسال فى 7 و8 نوفمبر 2020، إلا أن ذلك تم توظيفه من قبل المعارضة لإضفاء وجاهة على مقاربتها القائمة على أن هناك خللا فى إدارة الاقتصاد التركى، وأن القرار جاء متأخرا. واللافت فى هذا السياق، أن فرص المعارضة فى تحقيق نتائج ملموسة فى الانتخابات المقبلة تزايدت مؤخرا، خاصة فى حالة إجرائها مبكرا، نتيجة تراجع نفوذ وشعبية حزب «العدالة والتنمية» خلال السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس فى انشقاق عدد من أعضائه الذين اتجهوا إلى تأسيس أحزاب جديدة.


4ــ سياق دولى مناوئ: تصاعدت حدة الانتقادات على الساحة الدولية تجاه السياسة التى تتبناها تركيا إزاء بعض الملفات، خاصة الحرب فى سوريا وليبيا والصراع على موارد الغاز فى شرق المتوسط، والتدخل فى أزمة إقليم ناجورنو كراباخ. وتوازى ذلك مع اتساع نطاق الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بسبب إبرام الأولى صفقة صواريخ «إس 400» مع روسيا، وهو اتجاه ربما يكون مرشحا للاستمرار مع بداية عهد إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن التى طالبت تركيا، فى 28 يناير الفائت، بسحب قواتها والمرتزقة التابعين لها من ليبيا. ويبدو أن المعارضة تحاول استثمار ذلك لتعزيز شعبيتها وتقليص نفوذ الحزب الحاكم قبيل الانتخابات القادمة.


وعلى ضوء ذلك، يمكن القول فى النهاية إن التحركات التى تقوم بها المعارضة، فضلا عن الأزمات المتعددة التى تواجهها تركيا على المستويات المختلفة دفعت الرئيس والحكومة والحزب إلى إجراء بعض التغييرات فى السياسات المتبعة، إلا أنه لا يرجح أن تتواصل تلك التغييرات أو أن تؤثر على الاتجاهات العامة التى تتبناها تلك الأطراف، على نحو يوحى بأن التوتر والتصعيد سوف يبقى سمة غالبة فى التفاعلات التى تشهدها تركيا على الصعيدين الداخلى والخارجى.