أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مركز سمت:

لماذا يهتم “داعش” بتعزيز وجوده في موزمبيق

17 أبريل، 2021


أعلن تنظيم “داعش“، في 29 مارس 2021، سيطرته على بلدة بالما الساحلية بمقاطعة كابو ديلغادو شمال موزمبيق، التي تقع في منطقة جنوب شرق أفريقيا، إثر هجوم مباغت شنه وأسفر عن اندلاع اشتباكات مع القوات الحكومية وسقوط قتلى وجرحى، وهو ما يمثل تحولاً ملحوظاً في استراتيجية التنظيم الذي ظل قرابة عامين يعتمد على آلية الانتشار التنظيمي وليس السيطرة المكانية، على نحو يمكن أن يفرض تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة بشكل عام خلال المرحلة القادمة. لا ينفصل اهتمام “داعش” بتعزيز نشاطه في موزمبيق ومنطقة جنوب شرق أفريقيا بشكل عام، عن الخسائر التي تعرّض لها في الأعوام الأخيرة، نتيجة الهزائم التي منى بها والتي أفقدته مساحات واسعة من المناطق التي كان يسيطر عليها. وفي هذا السياق، كان لافتاً أن “داعش” بدأ في التركيز على المناطق الغنية بمصادر الطاقة والموارد الطبيعية بشكل عام، باعتبار أن ذلك يمكن أن يساعده في الحصول على مصادر تمويل جديدة يستطيع من خلالها توسيع نطاق نشاطه واستقطاب أكبر عدد من العناصر الإرهابية للانضمام إليه. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن بلدة بالما تقع بالقرب من مشروع ضخم لإنتاج الغاز تديره شركة “توتال” الفرنسية، وسوف يبدأ تشغيله في عام 2024. ومن هنا، اعتبرت اتجاهات مختلفة أن التنظيم يتبنى المقاربة نفسها التي سبق أن اعتمد عليها في كل من العراق وسوريا، عندما اعتمد على آبار النفط باعتبارها إحدى أهم مصادر التمويل التي يستند إليها في مواصلة عملياته الإرهابية. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن التنظيم بدأ في تبني أهداف أكبر على الصعيد الاقتصادي، منها، على سبيل المثال، السيطرة على شبكات الطرق والمناطق الساحلية والموانئ، باعتبار أن ذلك يمثل آلية لتعزيز موقعه وممارسة ضغوط أكبر على الدول التي يتواجد بها. وتشير تقديرات عديدة إلى أن حقل الغاز الذي تم اكتشافه في موزمبيق عام 2010 يمكن أن يجتذب استثمارات تصل إلى نحو 20 مليار دولار. كما أنها تضم أيضاً منطقة مونتيبويز التي تمتلك أكبر كمية من رواسب الياقوت على مستوى العالم وتم اكتشافها قبل ذلك بعام واحد. ربما تفرض سيطرة “داعش” على بلدة بالما الساحلية فى موزمبيق تداعيات عديدة، يتمثل أبرزها في: 

1- تجديد المشروع الإرهابي:

 تأتي هذه التطورات في الوقت الذي يتحرك أكثر من تنظيم متطرف لتوسيع نطاق نفوذه باستخدام آليات مشابهة لتلك التي كان يتبناها “داعش” في بدايات تأسيسه في منتصف عام 2014. وربما يؤدي ذلك إلى تصاعد حدة التنافس بين تلك التنظيمات، بشكل قد يدفع بعضها، مثل التنظيم الموالي لـ”داعش” في الكونغو الديمقراطية، إلى محاولة تصعيد عملياته الإرهابية، من أجل تعزيز قدرته على تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية بشكل قد يهدد أمن واستقرار تلك الدول.

 2- تهديد الاقتصادات الوطنية:

 ربما يساهم اتجاه “داعش” إلى السيطرة على المناطق التي تتواجد بها ثروات طبيعية، فضلاً عن المناطق الساحلية والموانئ، إلى تهديد الاقتصادات الوطنية، وتقليص قدرة الحكومات على التعامل مع الأزمات المعيشية. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن الطموحات التي انتعشت عقب اكتشاف مناطق الغاز ورواسب الياقوت في موزمبيق عامى 2009 و2010، لاسيما على صعيد توفير عدد كبير من الوظائف، سرعان ما تراجعت بفعل الاضطرابات وعدم الاستقرار، نتيجة العمليات التي تشنها التنظيمات الإرهابية. ومن هنا، لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تؤدي سيطرة التنظيم على بلدة بالما إلى وقف الاستثمارات الأجنبية في المنطقة، خاصة أن الشركات الأجنبية، مثل شركة “توتال”، قد تسعى إلى سحب موظفيها تجنباً لتعرضهم للاختطاف أو القتل على أيدي عناصر التنظيم، لاسيما أن الأخير يعتمد على الاختطاف كآلية للحصول على فدى مالية.

 3- الانخراط في القرصنة البحرية:

 قد يتجه “داعش” إلى تحويل بلدة بالما إلى نقطة انطلاق للانخراط في عمليات قرصنة بحرية، لتوسيع نطاق مصادر التمويل التي يستطيع الاعتماد عليها مستقبلاً، وقد بدأ التنظيم بالفعل في تبني هذه الآلية، على نحو انعكس في استخدامه سفن وزوارق بحرية في بعض العمليات الإرهابية التي شنها ضد بعض الجزر الساحلية. 

4- استقطاب المتطرفين: 

من دون شك، فإن تأمين أكثر من مصدر للتمويل يعزز من قدرة التنظيم على استقطاب عدد أكبر من العناصر الإرهابية للانضمام إليه، خاصة أنه يستغل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في بعض تلك الدول لتحقيق أهدافه في هذا السياق. وهنا، فإن قيادة التنظيم ترى أن ذلك من شأنه تحويل تلك المناطق إلى بؤرة إرهابية يمكن من خلالها جذب مقاتلين من دول أخرى. في النهاية، يمكن القول إن التنظيم سوف يسعى إلى الاستفادة من تجربة سيطرته على مساحات واسعة من المناطق داخل كل من سوريا والعراق في الأعوام الماضية، قبل الإعلان عن هزيمته فيها وتعرضه لخسائر اقتصادية وبشرية لا تبدو هينة، كان على رأسها مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 27 أكتوبر 2019 بمحافظة إدلب السورية. ومن هنا، فإن اتجاهات عديدة ترى أن “داعش” سوف يسعى، أكثر من أى وقت مضى، إلى إحكام سيطرته على المناطق التي يتواجد بها في الفترة الحالية داخل موزمبيق وغيرها من الدول الأفريقية، وتحصين مواقعه بشكل أكبر لتقليص مستوى الخسائر التي يمكن أن يتعرض لها في ظل الضربات العسكرية التي تشنها القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضده.


المصدر : مركز سمت