أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

عام الصعود:

الفرص والمخاطر الأكثر بروزًا أمام إدارة "بايدن" في 2021

21 ديسمبر، 2020


عرض: سارة عبدالعزيز - باحثة في العلوم السياسية

قد يكون هناك شبه إجماع على أن عام 2020 قد مر على العالم أجمع باعتباره "عام الجحيم" حيث مثلت جائحة (كوفيد-19)، ما يشبه البجعة السوداء التي خيمت على العالم كله. إلا أن الوباء لم يكن سوى أحد معالم عام الجحيم حيث اجتمعت معه عدة عوامل أخرى زادت من تفاقم الأوضاع لتشكل وبحق عام الجحيم، ومن أبرزها تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتعميق الانقسام السياسي نتيجة للسياسات الشعبوية التي سادت أجزاء كبيرة من العالم. هذا بالإضافة إلى ضعف المؤسسات الدولية في ظل حالة من التشرذم سببها انسحاب الولايات المتحدة من عدة منظمات واتفاقيات دولية من أهمها منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ. 

وإن كان ذلك هو الحال الغالب خلال عام 2020، فقد ابنثق شعاع من الأمل في الأيام الأخيرة من العام حيث إنتصرت الديمقراطية الأمريكية أخيرًا بعد سنوات من الاستقطاب السياسي خيمت على فترة ترامب، وهو ما تجسد في فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن". كما نجحت الشراكات الدولية في توظيف كافة أدوات الابتكار التكنولوجي، من الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، للنجاح في التوصل إلى عدة لقاحات آمنة وفعالة لمواجهة فيروس كورونا.

الأمر الذي قد يجعلنا نتفاءل بعام 2021 بكونه عام الصعود في مواجهة الأزمات العالمية. وكما هو معهود في ذلك الوقت من العام، حيث تتسابق العديد من المؤسسات البحثية لاستشراف مستقبل العام الجديد من حيث المخاطر والفرص المتوقعة، فقد قام المجلس الأطلسي (Atlantic Council) وهو مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية، تعد مؤثرة في مجال الشؤون الدولية حيث تعمل على تحفيز القيادة والمشاركة الأمريكية في الشؤون العالمية من خلال الحوار لاستشراف الحلول المطروحة للتحديات العالمية والمساهمة في تشكيل المستقبل العالمي؛ قام المجلس بالاستناد إلى الخبرات البحثية الموجودة لديه باستشراف أهم 10 مخاطر وفرص مستقبلية للإدارة الأمريكية الجديدة خلال عام 2021، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

المخاطر المستقبلية 

1. تفاقم أزمة جائحة "كوفيد-19" في ظل بطء عمليات طرح اللقاحات الآمنة وتوزيعها:

وفقًا لذلك التوقع ذي الاحتمالية المتوسطة إلى المرتفعة، فإن فيروس كورونا سيستمر في الانتشار بوتيرة متسارعة خلال عام 2021، وبصفة خاصة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا. ويتزامن ذلك مع ارتفاع احتمالية أن تواجه عملية توزيع اللقاحات مشاكل إنتاجية ولوجستية غير متوقعة، مما يؤخر الجدول الزمني المحدد لتطعيم النسب المحددة من المواطنين في كل دولة. أما السبب الآخر، فقد يكمن في رفض بعض القطاعات المجتمعية لتلقي اللقاح، وهو ما قد يقلل من فرص وقف العدوى حتى النصف الثاني من عام 2021. على جانب آخر، ستظل قيود السفر الدولية سارية خلال معظم عام 2021، نتيجة لعدم انتظام عمليات توزيع اللقاح في الخارج، لا سيما في الدول النامية. ومن ثم، سيستمر الفيروس أيضًا في الانتشار والتحول، مما قد يحد من فعالية اللقاحات المطروحة. 

2. رئاسة بايدن المقيدة:

تشير التوقعات بصورة شبه مؤكدة إلى أن قدرة الرئيس الديمقراطي المنتخب "جو بايدن" على إدارة أمور الحكم قد تتعرض للقيود، خاصة إذا احتفظ الجمهوريون بقيادة مجلس الشيوخ. حيث تظهر استطلاعات الرأي أن حوالي (70%) من الجمهوريين يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد تم سرقتها من جانب بايدن، وأن رئاسة بايدن تعد غير شرعية. ومن ثم، قد يكون ترامب بمثابة الشوكة التي تؤرق رئاسة بايدن خلال السنوات الأربع المقبلة، خاصة إذا أعلن عن ترشحه مرة أخرى للرئاسة. كما أنه من المتوقع أن يضغط اليسار التقدمي على بايدن، مما سيؤدي إلى استنزاف الدعم الموجه لإدارته من جانب المعتدلين. وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن ترامب قد ترك لخليفته إرثًا ثقيلًا من العقبات التي يتعين عليه تجاوزها. 

3. اندلاع أزمة مالية عالمية أخرى مدفوعة بالديون المتراكمة نتيجة جائحة "كوفيد-19":

أدى الإنفاق الطارئ لمواجهة تداعيات جائحة "كوفيد-19"، وخاصة في الاقتصادات النامية، إلى ارتفاع الدين العالمي إلى مستويات غير مسبوقة. فقد ارتفع إجمالي الدين العالمي بمقدار (15) تريليون دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى (365%) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية العام. وبناءً عليه، فقد اضطر صندوق النقد الدولي إلى صرف مساعدات مالية لمساعدة حوالي (81) دولة في تخطي تداعيات الجائحة. 

ومن المتوقع أن تنخفض التدفقات الرأسمالية إلى الدول منخفضة الدخل بمقدار (700) مليار دولار خلال عام 2020، عن المستويات السابقة في عام 2019. كما ستحتاج الاقتصادات النامية إلى (7) تريليونات دولار لسداد الديون بحلول نهاية عام 2021، الأمر الذي يمكن تلمس آثاره من خلال زيادة أعداد الدول التي تخلفت عن سداد ديونها، وقد تؤدي هذه الضائقة المالية إلى حدوث أزمة مالية عالمية أخرى. وفي محاولة لوقف الأزمة المتزايدة، أنشأت مجموعة العشرين (G20) "إطارًا مشتركًا" (يضم الصين أيضًا) لإدارة تخفيف الديون، لكن إحجام الكونجرس الأمريكي عن الموافقة على أي موارد جديدة يتم توجيهها لصندوق النقد الدولي يمكن أن يقوض أي جهود لمجموعة العشرين.

4. سعي الدول الغربية لتحقيق انتعاش اقتصادي بطيء:

في حين خفض صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخرًا من توقعاتهم للأضرار الاقتصادية السلبية التي لحقت بالولايات المتحدة ودول أخرى خلال عام 2020، نتيجة لتداعيات جائحة "كوفيد-19"، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول العالم لن يعود إلى ما كان عليه قبل 2020، وذلك حتى نهاية عام 2021. حيث من المتوقع أن يشهد اقتصاد رئيسي واحد فقط، وهو الاقتصاد الصيني، نموًا كبيرًا (حوالي 2٪) في عام 2020، على أن ينتهي به الأمر بنسبة (10٪) بحلول نهاية عام 2021. وقد يصبح الوضع أسوأ بالنسبة للدول الغربية، في ظل عدم توافر حوافز مالية كافية. ومن ثم يسود التوقع بأن تؤدي الآفاق المالية القاتمة لملايين المواطنين في الدول الغربية، إلى تداعيات سياسية أسوأ على المدى الطويل.

5. كوريا الشمالية وصناعة الأزمات:

سيرث بايدن الإرث الدبلوماسي الفاشل للرؤساء الأربعة الآخرين في معالجة التهديدات النووية القادمة من كوريا الشمالية. فعلى الرغم من اجتماعات ترامب الثلاثة مع "كيم جونغ أون"، ما زالت كوريا الشمالية تفتخر بامتلاكها ترسانة أسلحة نووية أكثر قوة، بما في ذلك ما بين عشرين إلى ثلاثين قنبلة وصواريخ باليستية عابرة للقارات، والتي قد تتمكن قريبًا من الوصول إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية. وكما هو المعهود فإنه قد يستقبل بايدن خلال الربع الأول من رئاسته باستفزاز كوري شمالي في شكل صاروخ أو تجربة نووية جديدة، وهو ما سيترتب عليه ممارسة المزيد من الضغوط على بايدن من جانب وسائل الإعلام والكونجرس، ودفعه نحو ضرورة اتخاذ رد فعل مناسب، مما يزيد التوترات وربما يؤدي إلى أزمة زائفة قد تخرج عن نطاق السيطرة. ولكن الحل قد يتمثل في ممارسة المزيد من الردع الأمريكي، حيث ستكون إدارة بايدن أكثر فاعلية في هذا الصدد، إذا تجنبت التصعيد المباشر، واتبعت بدلًا من ذلك منهج الشراكة متعددة الأطراف مع كل من كوريا الجنوبية واليابان لتعزيز ردع كوريا الشمالية. 

6. تصعيد المواجهات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران: 

فقد يؤدي التصعيد الأمريكي الذي يقوده ترامب نحو ممارسة سياسة "الضغوط القصوى" على إيران، إلى المزيد من إفساد الأمور مع إيران، مما يحبط أمل بايدن في تجديد الاتفاق النووي. حيث أضحى هناك غضب واسع النطاق في الداخل الإيراني تجاه كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو ما يحتل مائدة المناقشات قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو. ومن ثم، فإنه في حال ردت طهران من خلال خطوات تصعيدية ردًا على اغتيال العالم النووي الإيراني، فقد يؤدي ذلك إلى رد فعل قوي من جانب إدارة ترامب، مثل قصف منشأة نطنز النووية. وهو ما يعني اندلاع حلقة تصعيدية بين واشنطن وطهران، وعلى الرغم من أنه سيناريو ضعيف الحدوث إلا أنه قد يقوض تطلعات بايدن الدبلوماسية. ومن ثم، يمكن أن يبدأ الطرفان في إعادة بناء مفاوضات وفقًا لمنهج "المزيد مقابل المزيد" لتمديد الجداول الزمنية لوقف الأنشطة النووية الإيرانية، وتجميد تطوير الصواريخ، ووقف مبيعات الصواريخ، إلى جانب إنهاء الحرب في اليمن، مقابل تخفيف عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران. ومن ثم، فإن الأمر يستدعي قدرًا ضئيلًا من الثقة بين أطراف الاتفاق النووي. 

7. التصادم المباشر بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان:

قد تكون تايوان هي النقطة التي تشهد ذروة تصعيد التوترات في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث تصاعدت الديناميكية السلبية للعلاقات بين الدولتين خلال العام الماضي من خلال الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية لإظهار الدعم لتايوان، مثل زيادة مبيعات الأسلحة والزيارات الرسمية رفيعة المستوى والتدريبات العسكرية، وهو ما أدى إلى زيادة الضغوط الصينية من خلال الاختراقات الجوية والبحرية اليومية، حيث تعد تايوان بمثابة قضية وجودية للحزب الشيوعي الصيني. ومن ثم، فإنه إذا تفاقمت المواجهات بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، فقد يضطر الرئيس الصيني للتحرك نحو توحيد تايوان مع الصين. وفي حين لن يعني ذلك بالضرورة غزوًا عسكريًا صينيًا، وإنما قد تتبع الصين استراتيجية "صن تزو" (Sun Tzu-type, frog-in-boiling-water strategy) وهو ما يعني فرض المزيد من الضغوط على الاقتصاد التايواني، ووضع العبء على الخطوات التصعيدية الأمريكية. وفي حين أن احتمال تحقق ذلك التوقع هو متوسط، إلا أن أي تدخل عسكري أمريكي في تايوان من شأنه أن يؤدي إلى صراع مباشر بين القوتين العظميين في العالم.

8. اندلاع أسوأ أزمة غذاء عالمية منذ عقود:

حذرت الأمم المتحدة من أن العالم على شفا أسوأ أزمة غذائية منذ خمسين عامًا على الأقل، حيث عطل الوباء سلاسل الإمداد الغذائي العالمية. ومع وقوع المزيد من السكان على مستوى العالم في براثن الفقر المدقع، نتيجة للأضرار الاقتصادية المترتبة على جائحة "كوفيد-19"، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد أضاف إلى الأعباء الحالية. 

وتتوقع الأمم المتحدة وفاة عدد أكبر من الأشخاص بسبب سوء التغذية المرتبط بالجائحة. هذا بالإضافة إلى التداعيات الصحية والعقلية المترتبة على سوء التغذية في مرحلة الطفولة والتي قد تستمر مدى الحياة. ويعتقد برنامج الغذاء العالمي أنه في حين تعاني كل من اليمن وجنوب السودان ونيجيريا وبوركينافاسو، من أوضاع المجاعة؛ فإن كلًّا من أفغانستان والكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو وإثيوبيا وهايتي ولبنان ومالي وموزمبيق والنيجر وسيراليون والصومال والسودان وسوريا وفنزويلا وزيمبابوي قد تواجه أوضاعًا مشابهة قريبًا. بل إنه حتى في الاقتصادات المتقدمة، يعاني الفقراء من ارتفاع أسعار المواد الغذائية في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تعاني أكثر من أسرة واحدة من كل خمس أسر من انعدام الأمن الغذائي. 

9. انكماش الطبقة الوسطى العالمية:

ربما كان أحد أهم إنجازات العالم خلال العقود الثلاثة الماضية هو خروج الملايين من خانة الفقر المدقع ونمو طبقة وسطى عالمية، إلا أن تلك الطبقة تتعرض حاليًا لخطر كبير، ما لم يتحقق انتعاش قوي بعد أزمة جائحة "كوفيد-19" في عام 2021 وما بعده. ويعتقد الخبراء أنه لأول مرة منذ نصف قرن، بدأت الطبقة الوسطى العالمية في الانكماش، ربما بنحو (52) مليون شخص في أمريكا اللاتينية وحدها. وفي الوقت نفسه، يتوقع البنك الدولي أنه بحلول نهاية عام 2021، سينزلق ما يصل إلى (150) مليون شخص إضافي في براثن الفقر المدقع، وهي الفئة التي تعيش على أقل من (1.90) دولار في اليوم. ومن شأن النمو الاقتصادي الأقل من المتوقع خلال العام المقبل أن يضاعف من هذا الرقم. 

10. التوسع الخارجي لتركيا في نسختها العثمانية الجديدة بصورة أكثر شراسة:

وسعت تركيا على نحو متزايد من تدخلاتها العسكرية في الخارج، فهي إما تدخلت عسكريًّا أو نشرت قواتها في كل من الصومال وقطر وليبيا والعراق وسوريا والبلقان. كما أنها تواجه روسيا في عدة مناطق من سوريا وليبيا وأذربيجان، بينما تهاجم على صعيد آخر الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، تنشر تركيا نظام الدفاع الجوي الروسي (S-400)، الذي يشكل تهديدًا لحلف الناتو، وهو ما أدى إلى فرض العقوبات الأمريكية عليها. كما أنها لا تتوانى عن تنفيذ الاستفزازات البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط منتهكة معاهدة قانون البحار، وبما يشكل تهديدًا لدول الجوار مثل قبرص واليونان، واستفزازًا لفرنسا على جانب آخر. وتتعمد بشكل مستمر بناء حالة من العداء مع العديد من الدول العربية التي أصبحت تعتبر تركيا تشكل تهديدًا لأمنها القومي. ومن ثم قد يؤدي التوسع الخارجي العسكري التركي متعدد الجبهات إلى مزيد من الصراع، وهو ما يستدعي محاسبة الدولة العضو في حلف الناتو.

الفرص المستقبلية 

1. إعادة إحياء منظمة التجارة العالمية:

في ظل غياب قيادة مؤسسية قوية وإجماع جديد مدفوع بالتعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن منظمة التجارة العالمية (WTO) قد تواجه مستقبلًا غير واضح المعالم، تنهار معه قواعد وأنظمة التجارة العالمية لتسوية النزاعات المعرضة للخطر، وتعزيز المزيد من الحمائية، بما يترك التجارة العالمية محكومة إلى حد كبير بترتيبات إقليمية مختلفة، وقوة وحجم الاقتصادات المعنية. وفي حين أدت جائحة "كوفيد-19" إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، إن لم يكن الركود، فإن تجديد التجارة العالمية القائمة على القواعد سيكون إنجازًا مهمًا، إلا أنه سيتطلب ثلاث خطوات هامة يجب اتخاذها في عام 2021: اختيار مدير عام جديد لمنظمة التجارة العالمية، واختيار قضاة لآلية تسوية المنازعات في المنظمة، والتي توقفت عن العمل بسبب رفض ترامب تعيين قضاة جدد, وتأطير كلا الخطوتين في سياق إصلاح مؤسسي كبير مدعوم من قبل تحالف من كل من (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية). ومن ثم، يمكن للدول الأعضاء في ذلك التحالف التوصل إلى توافق في الآراء بشأن المواقف المشتركة، والرد على السياسات الصناعية العدائية للصين. 

2. الاتجاه نحو المزيد من السياسات التعددية في القرن الحادي والعشرين:

وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بإحياء سياسات أمريكا نحو التعددية. وتتمثل الخطوة الأولى السهلة في عودة بايدن إلى جميع المنظمات والاتفاقيات الدولية التي انسحب منها ترامب، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واتفاقية باريس للمناخ. ولكن هناك أيضًا فرصة لتجديد القيادة الأمريكية في نظام الأمم المتحدة من خلال إصلاحه. بالاعتماد على حشد أوروبا وغيرها من الأعضاء المؤيدين للتعددية، وهو ما سيُحدث نقلة نوعية فارقة في بعض القضايا ذات الأولوية مثل معالجة أوجه القصور في حوكمة الفضاء، والأسلحة الفتاكة المستقلة ذاتيًا، والأشكال الجديدة من التكنولوجيا الحيوية والهندسة الجيولوجية ذات الاستخدام المزدوج، حيث إن هناك عددًا قليلًا من الاتفاقيات الدولية التي تحدد المعايير واللوائح الخاصة بتلك القضايا. ومن ثم يمكن لإدارة بايدن أن تأخذ خطوة للأمام في مواجهة الأزمات القادمة من خلال المساعدة في خلق الظروف التي توظف فيها التقنيات الناشئة من أجل تحقيق الصالح العام. 

3. تدشين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا علاقة مبنية على تحقيق المصالح المشتركة:

قد تؤدي التحديات التي تواجه النظام الروسي برئاسة "فلاديمير بوتين" في الداخل والخارج، إلى سعي بوتين إلى إقامة علاقة أكثر استقرارًا مع الولايات المتحدة وأوروبا. ويمكن أن يشمل ذلك إعادة بناء هيكل العلاقة على ضبط النفس المتبادل، بدءًا من التمديد التفاوضي لمعاهدة خفض الأسلحة النووية الجديدة "ستارت"، والتي تتضمن اتفاقية بشأن الصواريخ، وإطار عمل للتهدئة النووية يضم الصين. كما يمكن أن يشمل أيضًا بعض التقدم نحو تحقيق اتفاق سلام في أوكرانيا. ويمكن للعلاقات أن تستقر وتتحول إلى علاقة هادئة خاصة في مجال الأعمال التجارية، بما يوفر لموسكو بعض الخيارات البديلة التي تتجاوز الاعتماد على الصين. 

4. قيادة الولايات المتحدة للشراكة الموسعة عبر المحيط الهادئ:

أدى انسحاب ترامب من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، إلى إتاحة الفرصة لتشكيل شراكات أخرى. فقد تقدمت اليابان مع الأعضاء الأحد عشر الآخرين، وأطلقت نسخة مصغرة من الشراكة، وهيكلتها طوكيو لتسهيل عودة الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، أقدمت الصين في نوفمبر 2020، على تدشين اتفاقية ثانية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP). وترجح التوقعات أن انضمام الولايات المتحدة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ سيكون وسيلة مهمة لاستعادة المساحة الاقتصادية الإقليمية التي أخلتها واشنطن، وكذلك استعادة مصداقية الولايات المتحدة، وتعزيز دور القيادة الأمريكية في وضع القواعد الاقتصادية. وقد أعرب بايدن عن اهتمامه بالعودة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ، لكنه أعرب أيضًا عن وجود بعض المخاوف. لذا فإنه إذا كان سيضغط من أجل الانضمام إلى الاتفاقية مرة أخرى، فسيتعين عليه تقديم الحجج اللازمة لكل من حزبه، وكذلك للجمهوريين. وعلى الرغم من أي تحفظات سياسية، فإن الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات مرة أخرى سيسمح للولايات المتحدة بالضغط من أجل مراجعة الاتفاقية وإزالة التخوفات.

5. ريادة الولايات المتحدة وحلفائها في تشكيل هياكل دولية جديدة للحوكمة الرقمية:

انطلاقًا من أن البيانات والخوارزميات تعد هي محركات اقتصاد القرن الحادي والعشرين، فقد ساد التنافس الرقمي بين كل من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، حتى بدا انقسام شبكة الإنترنت في العصر الحالي إلى ثلاثة أنظمة رقمية، وسط اتجاه نحو تحقيق المنافسة والرغبة في "السيادة على الإنترنت". ومن ثم، سيكون تجنب بلقنة الإنترنت (balkanization of the Internet) أي تقسيم شبكة الإنترنت إلى أنظمة مفتتة كل منها له قواعده، تحديًا رئيسيًا لإدارة بايدن. إلا أن التوقعات تشير إلى أن الولايات المتحدة تعد في وضع جيد لقيادة الجهود الرامية إلى صياغة معايير عالمية للتدفق الحر للبيانات. ومن ثم، يمكن لبايدن بناء تحالف من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا وغيرها لتشجيع منظمة التجارة العالمية على احتضان التدفقات المجانية للبيانات عبر الحدود ودون أي قيود أو قواعد لتوطين البيانات المستخدمة في التجارة الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تقود جهود القطاعين العام والخاص لتطوير وتوسيع شبكات الوصول إلى الراديو المفتوح (O-RAN)، وهو نهج قائم على البرامج التي يمكنها الاستفادة من شبكات الجيل الخامس بحيث يمكن تشغيله بشكل متبادل مع جميع الأجهزة. هناك تحالفان دوليان من القطاع الخاص يعملان على (O-RAN) مع اليابان والاتحاد الأوروبي، ويمكن للقطاع الخاص تسريع النشر التجاري للتكنولوجيا.

6. الذكاء الاصطناعي كمجال لخلق أنماط جديدة من التعاون بين الدول:

تبرز الحاجة إلى وضع معايير وقواعد مشتركة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يتم تبنيها من جانب كل من الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها. ومن أهم تلك القواعد أن تكون آمنة تقنيًا؛ وتلتزم بقواعد المساءلة والشفافية؛ وضمان الخصوصية، والحوكمة الجيدة للبيانات؛ وتفعيل الدور الإيجابي في خدمة المجتمع والبيئة. إلا أن التحدي الأساسي يتمثل في تفعيل هذه المعايير وتقنينها. وانطلاقًا من أن جميع الحكومات تعد صاحبة مصلحة في تجنب الكوارث المحتملة من إطلاق تلك التكنولوجيا دون ضبط، لذا قد يكون من الملزم على كل من الولايات المتحدة والصين باعتبارهما من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بدء حوار حول وضع الأسس العالمية المتفق عليها لتقليل الآثار السلبية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مع تعظيم الفوائد المحتملة. كما يجب على الولايات المتحدة أيضًا التشاور مع الحلفاء الرئيسيين بشأن تقديم جدول أعمال لمجموعة العشرين والأمم المتحدة، يتضمن تدشين "لجنة عالمية للذكاء الاصطناعي" لوضع المعايير، وإنفاذها، ومراقبة الاستخدامات الحالية والمستقبلية للذكاء الاصطناعي.

7. الدفع بـ"مشروع مانهاتن" لتحقيق قفزات في تخزين الطاقة من خلال البطاريات:

في حين يعد أكبر عائق أمام تسريع عملية الانتقال إلى اقتصاد ما بعد البترول هو تخزين الطاقة، بما يعزز الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة سريعة النمو، فإن وجود البطاريات القادرة على تخزين الطاقة يعد هو الحل الأفضل والأرخص من حيث خفض التكاليف وزيادة السعة. وتعد تلك البطاريات الأكثر قدرة وفعالية ضرورية لتحقيق أهداف حماية المناخ باستخدام الطاقة الخضراء، والتخلص من الكربون. ومن ثم، فإنه يجب على بايدن إحداث الشراكة والتوافق بين كل من القطاع الخاص والكونجرس والولايات والمختبرات الوطنية والأوساط الأكاديمية لتشكيل لجنة وطنية بين القطاعين العام والخاص، تحت قيادة البيت الأبيض ووزارة الطاقة، تتمتع بتمويل كبير لتسريع مشروعات تخزين الطاقة. 

8. تطوير لقاح عالمي لفيروس كورونا:

حيث تستشرف التوقعات وإن كانت بنسبة احتمالية منخفضة، أنه في ظل التهديدات المستمرة للفيروسات التي أضحت تتغير وتتحور باستمرار، فإن الفرصة متاحة للولايات المتحدة الأمريكية لتأخذ زمام المبادرة، وذلك بالبناء على الجهود المبذولة من جانب كل من منظمة الصحة العالمية والمعاهد الصحية الوطنية الأمريكية، ومراكز الأبحاث الدولية وشركات الأدوية، وذلك لتشكيل اتحاد عالمي في مجال البحث والتطوير، لتطوير لقاح عالمي لمواجهة فيروس كورونا، بحيث يتم توزيعه عالميًا بما يعني خلق منفعة عامة عالمية للاستعداد للموجات القادمة من الوباء. 

9. استعادة التعاون التكنولوجي مع الدول الأوروبية في مواجهة الصعود التكنولوجي الصيني:

ترتفع التوقعات الخاصة بإنشاء "التحالف التكنولوجي" بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين، حيث تسعى مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى صياغة الملامح العامة لذلك التحالف. علمًا بأن التحالف التكنولوجي بين الجانبين سيستدعي المزيد من المواءمات، حيث تهدف الولايات المتحدة إلى اصطفاف دول الاتحاد إلى جانبها في حرب باردة تكنولوجية ضد كل من الصين وروسيا. إلا أنه على الجانب الآخر، ترغب دول الاتحاد الأوروبي في أن تكون لها اليد العليا في هذا الأمر بما يمكنها من فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، أو على الأقل إيجاد الطرق التي يمكن من خلالها تقليص هيمنتهم على السوق، مع الالتزام وفرض الضوابط الصارمة على قواعد حماية بيانات المستخدمين. 

وفي الوقت ذاته، ترغب دول أوروبا الشرقية والوسطى في تنظيم المجال التكنولوجي بشكل مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية، لخدمة مصالحها في توثيق العلاقات الاقتصادية بشكل أقوى مع الصين، إن لم يكن الاعتماد بالفعل على الصين كسوق رئيسي للتصدير. ومع ذلك، فإنه لدى بايدن فرصة مبكرة لإعادة بناء العلاقات عبر الأطلسية، وقد يعد المدخل التكنولوجي فرصة مناسبة في مواجهة الصعود التكنولوجي الصيني. 

وختامًا، يمكن القول إن الأمر لا يزال يتوقف على الإجراءات المتخذة من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة لمحاولة احتواء تلك المخاطر واقتناص الفرص، بما يعزز من التوجهات المتفائلة نحو كون عام 2021 هو عام الصعود نحو مواجهة الأزمات التي سادت عام 2020 أو عام الجحيم كما سماه البعض.

المصدر: 

Mathew J. Burrows and Robert A. Manning, "The top ten risks and opportunities for 2021", Atlantic Council, December 16, 2020.