أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

موازنة المصالح :

أبعاد رفض تركيا طلب واشنطن بإرسال "إس 400" إلى أوكرانيا

02 أبريل، 2022


أعلنت وكالة رويترز الأمريكية، في 20 مارس الجاري، أن واشنطن اقترحت، بشكل غير رسمي، على أنقرة، نقل منظومة صواريخ "إس 400" روسية الصنع، إلى كييف، لمساعدتها على محاربة القوات الروسية. وجاء ذلك الاقتراح كجزء من مناقشة أوسع جرت بين المسؤولين الأتراك مع ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكي، خلال زيارتها لتركيا خلال مارس الجاري، بشأن كيفية تقديم واشنطن وحلفائها دعماً إضافياً لكييف.

الطلب الأمريكي والرد التركي:

جاء الطلب الأمريكي بتقديم تركيا لمنظومة "إس 400" إلى أوكرانيا، في إطار محاولة واشنطن لدعم نظم الدفاع الجوي الأوكرانية، وتقديم بديل لكييف بدلاً من مطالب الأخيرة بفرض حظر جوي على أجوائها في مواجهة روسيا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- تسلم "إس 300" لأوكرانيا: قامت الولايات المتحدة بمحاولة إرسال نظم الدفاع الجوي الروسية من طراز "إس – 300" المنشورة في بعض دول أوروبا الشرقية، وتحديداً سلوفاكيا وبولندا ورومانيا، إلى أوكرانيا. وقد أبدت بعض هذه الدول استعدادها للتخلي عن هذه المنظومات، وذلك مقابل استبدالها بنظم دفاع جوي أمريكية، نظراً لأنه من المتوقع أن توقف موسكو تعاونها العسكري مع هذه الدول، بعد تسليم منظوماتهم إلى أوكرانيا، وذلك عبر وقف صيانة هذه المعدات، أو وقف بيع الصواريخ المتعلقة بهذه المنظومة لهم.

2- تقديم تركيا "إس – 400" لكييف: سعت الولايات المتحدة للحديث مع أنقرة لتسليم منظومة الدفاع الروسية التي تمتلكها الأخيرة إلى أوكرانيا، وذلك مقابل إعادة تركيا من جديد لبرنامج إنتاج المقاتلة الأمريكية "أف – 35".

ويعني المطلب الأمريكي أن تركيا ستوقف تعاونها العسكري بشكل كامل مع روسيا، خاصة أن موسكو سوف تنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها خطوة عدائية، وستوقف التعاون العسكري مع تركيا مستقبلاً، وهو ما يعني عودة تركيا بالكامل للاعتماد على الدول الغربية في تطوير صناعاتها العسكرية، خاصة أن الصراع الروسي – الأوكراني يهدد التعاون العسكري التركي – الأوكراني في مجالات التصنيع المشترك. ولا ترغب أنقرة في تكثيف اعتمادها على الغرب في الجوانب الدفاعية، حتى لا تكون عرضة لعقوباتهم، إذا ما تبنت سياسات لا تتوافق معهم.

3- رفض تركي للعرض الأمريكي: أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 25 مارس، رفضه تزويد بلاده لأوكرانيا بمنظومات "إس – 400" التي اشترتها من روسيا، مؤكداً أنها "ملكية تركية خالصة لضمان أمننا". ورجح أردوغان أن الادعاءات عن إمكانية تصدير أنقرة "إس – 400" إلى كييف تستهدف "إلحاق الضرر بتركيا وخلق مشاكل لها".

أبعاد الموقف التركي: 

لا يمكن فهم الموقف التركي الأخير، سوى بالنظر إلى سياسة أنقرة تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي قامت على تبني مواقف محايدة، وتظهر أبعاد الموقف التركي من الصراع في التالي: 

1- رفض الانضمام للعقوبات الأمريكية: لا تستطيع تركيا التخلي عن علاقاتها القوية مع موسكو، إذ أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، في 9 مارس، إن بلاده لا تعتزم وقف شراء النفط الروسي، مؤكداً اعتمادها على روسيا لتلبية 45% من طلبها على الغاز الطبيعي و17% من النفط و40% من البنزين، كما أن أنقرة تستورد كميات كبيرة من القمع والحبوب الروسية، وذلك إلى جانب استقبال أنقرة حوالي 4.5 مليون سائح روسي خلال العام الماضي. وفي حالة انجرار تركيا لفرض عقوبات على روسيا، فإن هذه المصالح الاقتصادية سوف تتهدد بشكل كبير. 

2- تنفيذ التعاقدات العسكرية مع أوكرانيا: أعلن ألكسي ريزنيكوف، وزير الدفاع الأوكراني، في 2 مارس الجاري، إنه بلاده تلقت شحنة جديدة من الطائرات المسيرة التركية، التي أثبتت فاعليتها في السنوات الأخيرة ضد القوات الروسية وحلفائه، وفقاً لزعمه.

وسعت تركيا للرد على هذه التصريحات، وتوضيحها، إذ أكد نائب وزير الخارجية التركي، يافوز سليم كيران، في 3 مارس، إن المسيرات التركية؛ التي تستخدمها أوكرانيا، ليست مساعدات عسكرية بل مبيعات خاصة، أي أنها تنفيذاً لعقود سابقة على الحرب، ومؤكداً على جهود أنقرة لتجنب الإساءة إلى موسكو في خضم تلك الحرب.

3- التأكيد على دور تركيا كوسيط: سعت أنقرة للتخلص من الضغوط الأمريكية عليها، وذلك عبر التأكيد أنها تقوم بدور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا، وهو الأمر الذي يتطلب حفاظ تركيا على علاقاتها الاقتصادية بموسكو، وعدم الانجرار لعقوبات ضدها. وقد أكد على هذا المعنى أردوغان، حين أبلغ نظيره الأمريكي جو بايدن، في مكالمة هاتفية، في 10 مارس الجاري، أنه من المهم أن تواصل أنقرة الحوار مع أوكرانيا وروسيا لمنع تفاقم الأزمة. 

وأعلن السفير الأمريكي في أنقرة، في 19 مارس الجاري، أن بلاده تقدر جهود تركيا لإيجاد حل دبلوماسي للحرب الروسية الأوكرانية، مؤكداً على أنها تدافع، الآن، بحزم عن الجناح الجنوبي الشرقي للناتو، مشيداً بالمساهمة المهمة لها في جميع مهام الناتو، فيما تقدم وزير الخارجية الأمريكي، في 16 مارس، بالشكر لأنقرة على التزامها بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وكذلك جهودها لمساعدة أوكرانيا في وقت الحاجة.

المكاسب التركية المحتملة:

على الرغم من الرفض التركي للمطلب الأمريكي، فإن أنقرة سوف تتجه للاستفادة من الصراع الأوكراني وزيادة أهميتها الاستراتيجية للغرب، وذلك لتحقيق مجموعة من المصالح، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- تصاعد أهمية تركيا: يواجه حلف الناتو في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية، أكبر تحدٍ عسكري للنظام الأمني الأوروبي منذ بدايته، وهو ما أعاد التأكيد على الأهمية الجيوسياسية لأنقرة للحلف، بسبب موقعها الجغرافي القريب من روسيا، فضلاً عن أهمية المضائق التركية، والتي أغلقتها أنقرة في وجه السفن العسكرية كافة، بما في ذلك الروسية. ولذلك أعلن السفير الأمريكي في أنقرة أن تركيا حليف لا غنى عنه، ومن المرجح أن تستفيد تركيا من ذلك، وتستثمر التغير الأمريكي الإيجابي تجاهها.

ومن جهة أخرى، فإنه في ظل حرص دول الاتحاد الأوروبي على تنويع مصادر الطاقة، فإن أهمية تركيا سوف تزداد باعتبارها معبراً لجانب مهم من واردات الطاقة الأوروبية، كما أنها يمكن أن تضطلع بدور في ضمان الأمن الغذائي الأوروبي، إذ تحتل تركيا المرتبة الـ11 بالإنتاج الزراعي عالمياً، والمرتبة الثالثة أوروبياً.

2- رفع العقوبات العسكرية: طلب أردوغان، من بايدن، في 10 مارس الجاري، رفع جميع العقوبات غير العادلة، عن صناعة الدفاع التركية، خاصة فيما يتعلق بمحركات الطائرات المسيرة، والتي كانت تركيا تستوردها من دول غربية، ثم اتجهت لشرائها من أوكرانيا، بعد العقوبات الأمريكية والأوروبية. لا شك أن الدول الغربية سوف تعيد النظر في هذا الأمر، خاصة أن تركيا تصدر البيرقدار إلى أوكرانيا. 

كما كشف أردوغان أنه أخبر بايدن أيضاً بأن تركيا تتوقع بت واشنطن على طلبها بشراء مقاتلات "أف – 16"، وتحديث أسطولها الحالي، في أقرب وقت ممكن، فقد أعلن أردوغان، في أواخر فبراير الماضي، إن المحادثات التركية – الأمريكية بشأن تلك المقاتلات تسير بشكل جيد.

3- محاولة تحقيق مصالحها الاقتصادية: تسعى أنقرة إلى الاستفادة من تصاعد أهميتها بسبب الصراع الأوكراني لتحقيق مصالحها الاقتصادية، فقد أعلن الوفد التجاري التركي لواشنطن، في 21 مارس الجاري، أنها تستهدف رفع التبادل التجاري مع واشنطن إلى 100 مليار دولار، مقابل 28 مليار دولار في 2021، فيما قد تستفيد أنقرة من الاستثمارات الأمريكية التي تخرج من موسكو، فقد أعلن مايرون بريليانت، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس الشؤون الدولية في غرفة التجارة الأمريكية، في 15 مارس، أن تركيا لديها فرصة جيدة للغاية لتحويل الاستثمارات الأمريكية؛ التي غادرت روسيا إلى سوقها. 

وسعت تركيا لإعادة طرح نفسها كمعبر آمن للطاقة الأوروبية، وذلك في ظل المساعي المحمومة لبعض الدول الأوروبية لإيجاد بدائل للغاز الروسي، وترغب تركيا في هذا الإطار في طرح مشروع لنقل الغاز من إسرائيل واليونان إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. ولهذا سعت تركيا لحلحلة خلافاتها مؤخراً مع الدولتين، وأن كان من الملحوظ أن هذه الجهود سوف تصطدم باستمرار الخلافات بين تركيا واليونان، فضلاً عن تراجع الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع.

4- مساعٍ تركية لحلحلة قضية جولن: أعلن وزير العدل التركي، بكر بوزداغ، في 20 مارس الجاري، أن تسليم جولن، سيمثل انتصاراً كبيراً للرئيس أردوغان، مؤكداً أنه من غير المستبعد أن تضغط بلاده على واشنطن لتسليمه، استغلالاً لسعي واشنطن إلى استقطاب كل حلفائها، بمن فيهم الأتراك، ضد روسيا.

وحتى وإن لم تستجب الولايات المتحدة لمطالب تركيا بتسليم جولن، فإن واشنطن سوف تتجه لتجاهل سجل أنقرة الحقوقي، فقد قررت أنقرة الحكم، في 22 مارس، على صلاح الدين جولن، ابن شقيق جولن، بالسجن ثلاث سنوات وأربعة أشهر بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية. 

وفي الختام، سوف تواصل تركيا سياستها الرامية إلى تبني الحياد في الصراع الأوكراني ولعب دور الوساطة، وذلك في محاولة منها لتعزيز الفرص الناجمة عن ذلك، وتقليص التداعيات السلبية للحرب عليها، وسوف تسعى أنقرة لتوظيف أهمية موقعها الاستراتيجي للحلف من أجل رفع جانب من العقوبات العسكرية ضدها، وكذلك مواصلة أردوغان جهوده الداخلية لإقصاء خصومه، خاصة جولن، دون انتقادات تذكر من الغرب.